ما هو البرق الخُـلَّـب؟
تاريخ النشر: 28/02/18 | 19:37يقول حافظ إبراهيم في قصيدة له بائيّة:
إيه يا دنيا اعبسي أو فابسِمي *** لا أرى برقك إلا خُـلّـبا
فما هو الخُلـَّب؟
…
هو البرق الذي لا مطر معه، كأنه خادع؛ ومنه قيل لمن يعد ولا ينجز:
إنما أنت كبرق خلب.
..
يقول العرب: برقٌ خُلّبٌ، أو في صورة الإضافة: برقُ خُلّبٍ، برق الخلب، خُلّب برقٍ.
فحافظ إبراهيم لا يهمه من الدنيا شيء، سواء ابتسمت له أم عبست، فهو يراها خادعة ليس إلا، وقد نفض يديه منها.
..
نحن نقول لمن يقول ولا يفعل ما قاله شاعر:
وقولٌ بلا فعلٍ كبارقِ خلّبِ
فهو يُخلف كما يخلف البرق الذي يومض ويُطمع بالغيث، وهيهات!
..
في حديث الاستسقاء: “اللهم سُقيًا غير خلَّبٍ برقُها”- أي غير خال من المطر.
وفي حديث النبي الكريم أنه قال لرجل كان يُخدع في بيعه:
“إذا بايعت فقل لا خِلابة”- أي لا خداع (صحيح البخاري، رقم 2117 و 2407).
فمن معاني الخِلابة الخداع بالقول اللطيف، فالمرأة تخلِب قلب الرجل بألطف القول، والرجل “زير النساء” يسمى أيضًا “خِلْب نساء”، لأنه لطيف في لسانه كأنه يخدع ويستميل.
..
وفي حديث ابن عباس: “كان أسرع من برق الخلب”- خصّه بالسرعة لخفته بسبب خلوّه من المطر.
(انظر مادة “خلب” في لسان العرب)
..
ورد في كتاب الميداني (مجمع الأمثال- رقم 102): “إنما هو كبرقِ الخُلّب”.
كما ورد في كتاب الزمخشري (المُسْـتَقصَى رقم 726): “كبرق الخلّب”، فالخُلَّـب صفة للسحاب، فيقول إن الأصل في الجملة: كبرق السحاب الخلب، وهو الذي لا مطر فيه.
ويقال للسحاب الذي فيه مطر – برق الحَـيا.
نلاحظ هنا أن الزمخشري أبرز موضوع الحذف- حذف المضاف، وهو السحاب.
..
من الشعراء الذين أوردوا هذا التعبير في شعرهم- أبو الأسود الدؤلي:
لا يكن برقُك برقًا خُلّبا *** إن خيرَ البرق ما الغيثُ معه
(يقال إنه خاطب به الخليفة معاوية بعد أن وعده وماطل)
جرير:
وإذا وعدنك نائلاً أخلفنه *** وجعلن ذلك مثل برق الخلب
البحتري:
وأرتْ عهودَ الغانيات صبابتي *** آلاًً جرى ووميضَ برقِ خلب
(الآل هو السراب، وقد ورد ذكر السراب في القرآن، حيث يحسبه الظمآن ماء، يخدع الشخص [الكافر] فلا يجده: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا..}- النور، 39.
السريّ الرفّاء:
فقد النوال فعاد برقًا خلبـا *** ومضى السماح فعاد وعدًا كاذبا
..
وثمة آخر يخاطب حبيبته التي خَلَبت لبّه، فيرضى بما هو القليل الأقل:
ﻓﻘﺪ ﺻﺮﺕ ﺃﺭﺿﻰ ﻣﻦ سواكن أرضها *** بخلّـﺐ ﺑﺮﻕٍ ﺃﻭ ﺑﻄﻴﻒ ﺧﻴﺎﻝ
ب. فاروق مواسي