الإكتفاء بالزوجة الواحدة
تاريخ النشر: 06/03/18 | 14:45كنت قد تناولت موضوع الزواج بأكثر من امرأة، وماذا قيل في ذلك شعرًا، وذكرت من أشعار الذين عانَوا من الجَمع بينهما أو بينهن، ومن أشعار الذين سعدوا، وذكرت بعض ردود الفعل من نساء تزوج أزواجهن وهن شاهدات غاضبات.
(انظر كتابي: دراسات أدبية وقراءات بحثية، ص 102)*
غير أني هنا سأتناول رأيًا آخر، وهو الاكتفاء بزوجة واحدة.
نبدأ بنصيحة أبي العلاء المعري، حيث يقول:
متى تُشركْ مع امرأة سواها *** فقد أخطأت في الرأي التريك
فلو يُرجى مع الشركاء خيرٌ *** لما كان الإله بلا شريك
يعني أنك إذا جمعت بين زوجتين فقد عدت إلى منهج مرفوض، ولو أن الاشتراك خير من الانفراد لكان الشرك أصح من التوحيد.
(المعري: اللزوميات، ج2، ص 133- دار الجيل)
بالطبع هناك آية تبيح الزواج بأكثر من واحدة {فانكِحوا ما طابَ لكم من النساء مَثَْنى وثُلاثَ ورُباعَ}- النساء، 3 وتمام الآية يشترط العدل- {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، ثم ما يلبث الذكر الحكيم أن يقول: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْۖ}- النساء، 129.
المسألة شائكة، وليس بالميسور الفتوى فيها- كما يتخيل البعض وهو يفسر معنى العدل باجتهاده أو يتّبع اجتهادًا فقهيًا لبعض السلف.
وحتى لا أخوض فيما ليس لي به من علم كاف فسأدع هذا النقاش للمتخصصين في الشريعة.
لا أدري ما هو موقف مَن يدعم رأيه بالتعدد مِن القصة التالية:
يحكى عن الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي أنه خاطب جماعة من الشيوخ فقال:
“وأقبلوا بعد الأعمال على نسائكم، والزموا الواحدة التي تكون لكم، ولا تشرهوا إلى التكثر منهن والرغبة فيهن، فيُنغّص عيشكم، وتعود المضرّة عليكم، وتنهكوا أبدانكم، وتذهب قوتكم، وتضعف نحائزكم، فحسبُ الرجل الواحدة الواحدة”.
(المقريزي: الخطط، ج1، ص 352).
من النصوص الأدبية التي تدل على الاكتفاء بالواحدة والرضا عنها- ما ورد في المقامة المَضيرية- (بديع الزمان الهمَذاني: مقامات الهَمَذاني، ص 124- 125)،
فهذا التاجر يصف لضيفه حال زوجته وجمالها وسعادته بها، وها هي تقوم على تهيئة الطعام:
“قال: دعاني بعض التجار إلى مضيرة، وأنا ببغداد، ولزمني ملازمة الغريم والكلب لأصحاب الرقيم، إلى أن أجبته إليها، وقمنا فجعل طول الطريق يثني على زوجته، ويُفَدّيها بمهجته، ويصف حذقها في صنعتها، وتأنقها في طبخها، ويقول: يا مولاي، لو رأيتها والخرقة في وسطها، وهي تدور في الدور، من التنور إلى القدور، ومن القدور إلى التنور، تنفث بفيها النار، وتدق بيديها الأبزار، ولو رأيت الدخان، وقد غبر في ذلك الوجه الجميل، وأثر في ذلك الخد الصقيل، لرأيتَ منظرًا تحار فيه العيون، وأنا أعشقها؛ لأنها تعشقني، ومن سعادة المرء أن يرزق المساعدة من حليلته، وأن يسعد بظعينته، ولا سيما إذ كانت من طينته.
وهي ابنه عمي لحًّا طينتها طينتي، ومدينتها مدينتي، وعمومتها عمومتي، وأرومتها أرومتي؛ لكنها أوسع مني خُلقًا، وأحسن خَلقًا، وصدعني بصفات زوجته، حتى انتهينا إلى محلته”.
ما يهمنا هنا ليس القصة ونهايتها، بل وصف الزوجة الواحدة التي تكفيه، بل يسعد بها.
ممن اكتفوا من الخلفاء بواحدة:
ورد في المصادر أن الخليفة عمر بن عبد العزيز لما استخلف، خيّر جواريه، وأعتق من رغبت في العتق، واقتصر على زوجته ابنة عمه، فاطمة بنت عبد الملك.
أما أبو العباس السفاح، أول الخلفاء العباسيين، فإنه تزوج أم سلَمة المخزومية، قبل الخلافة، فلم يتزوج عليها، ولم يتسرّ، ولما استخلف ظل على وفائه لها، فلم يدنُ إلى امرأة غيرها، حرة ولا أمة، إلى أن مات.
(راجع التفصيل في “مروج الذهب” للمسعودي ج4 ، ص 105- منشورات الجامعة اللبنانية).
وكذلك كان الخليفة المتقي لله، إبراهيم بن المقتدر، فإنه لما استخلف لم يتسرَّ على جاريته التي كانت له. (السيوطي: تاريخ الخلفاء، ص 341).
وتابعهم في ذلك سيف الدولة- صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي، فإنه اكتفى بزوجة واحدة، لم يتزوج عليها، ولم يتسر. ( ابن الجوزي: المنتظم- في نهاية أخبار سنة 501 هـ).
وبالطبع فهم في حكم القلة، لكن الخبر الذي يورد الاكتفاء بواحدة- في كل ممن ذكرت لكم يصفه بنوع من الإعجاب والتقدير ومدح السلوك من تدين ولطف العشرة، نحو ما ذكر عن سيف الدولة الأسدي:
“أبو الحسن الأسدي الملقب بسيف الدولة كان كريمًا، ذا ذمام عفيفًا من الزناء والفواحش، كأن عليه رقيبًا من الصيانة، ولم يتزوج على زوجته قط ولا تسرّى، وقيل: إنه لم يشرب مسكرًا ولا سمع غناء ولا قصد التسوق في طعام، ولا صادر أحدًا من أصحابه، وكان تاريخ العرب والأماجد كرمًا ووفاء، وكانت داره ببغداد حرم الخائفين”.
• لقراءة المقال عن الزواج بأكثر من واحدة- يمكن البحث في محرك غوغل كما يلي:
فاروق مواسي تزوجت اثنتين
ب. فاروق مواسي