صحافيون وصحافة مع وقف التنفيذ..!
تاريخ النشر: 09/03/18 | 8:41تشهد الساحة الإعلامية المحليّة مؤخرًا تكاثرًا واضحًا وازدحامًا بالعاملين في مجال الصحافة وخاصّة الصحافة الإلكترونية، ولا يخفى علينا أن الكثير منهم هم دخلاء على الصحافة، ادائهم رديء جدًا ورغم ذلك يواصلون استهبالهم واستخفافهم بقدراتنا نحن القراء على التمييز بين الغث والسمين وحتى أن بعضهم يفسد السمين ب”ألغث ويرقع الجديد بالرث”.
ومن تجربتي المتواضعة بالعمل في الصحافة العبرية والعربية التي كانت في اوج تألقها في ذلك الحين، فاني ادرك بان الكثير من العاملين اليوم في حقل الصحافة لا يملكون ادنى المقومات ألاساسية للعمل في هذا المجال وعلى سبيل المثال لا الحصر فكثيرهم حتى لا يتقن اللغة قراءة وكتابة، ولا يجيدون البحث عن الحدث والتعامل معه، لا يتقنون صناعة وصياغة الخبر وحتى لا يعرفون ما هي عناصر الخبر، ولا اظلمهم ان قلت بانهم لا يعرفون ما الأسئلة الستة (שש המ”מים) التي تعتمد عليها كتابة مقدمة الخبر مثلًا.
لا شك ان الصحافة فقدت قيمتها الحقيقية والسبب الرئيسي لهذا الانحدار هو نحن القراء، وأصحاب وسائل الإعلام ثانيًا الذين يُشغِّلون هؤلاء حرصًا منهم على زيادة الارباح المالية وتقليص المصاريف، ولذا ليس غريبًا أن تفقد الصحافة اهم أركانها بعد أن أودعت بيد الهواة والدخلاء الذين لا يملكون المهنية بالعمل وتحقيق اي انجاز يذكر. وهل قام احدهم بتحقيق صحفي او سجل سبقًا صحفيًا (scoop) ؟ وهل انفرد باعداد تقرير إخباري مميز؟. صحافيو العهد الجديد لا يبذلون جهدًا بالتحري عن المعطيات المتوفرة، وانتهاج الدقة وتقاطع المعلومات ولا يتقنون العمل بالتغطية الصحفية التفسيرية والاستقصائية.
وللاسف ينحصر نشاط معظم صحافيي العهد الجديد بالاعتماد على البيانات الصحفية الجاهزة التي تصلهم عبر وسائل الاتصال التكنولوجية. وهذا يذكرني بصحافة العقد الاخير من القرن الماضي التي كنا نطلق عليها تسمية ” صحافة الفاكس”. ولكن صحافيي العقد الثاني من القرن الحالي طوروها وابتكروا اسلوبًا جديدًا وهو ما يسمى بصحافة ال”نسخ-لصق”.
ويتميزون بالكسل والحياد المطلق وتجنب إجراء التحقيقات الصحفية لكشف قضايا مهمة كقضايا الفساد في المؤسسات العامة وخاصة الجمعيات والسلطات المحلية أو قضايا تتعلق بشخصيات قيادية ايضًا، وهذا يعود لعدة أسباب منها الخوف من فقدان الدخل المادي وكذلك الخوف من رد فعل قد يتميز بالعنف احيانًا وعدم قيام الوسيلة الإعلامية بتوفير الدعم المعنوي والمادي والحماية للصحافي كي يتمكن من القيام بأداء عمله بدون مخاوف او قيود. وعلى سبيل المثال عندما اجريت في منتصف سنوات التسعينات من القرن الماضي تحقيقًا عميقًا عن تجارة الأعضاء البشرية حظيت بمؤازرة هيئة التحرير في معاريف ومالكها ايضًا (عوفر نمرودي) ولم ارضخ للضغوطات التي رافقها تهديد حتى باستعمال السلاح وفي النهاية وبعد حوالي أربعة أشهر من العمل السرّي والمتواصل نشر التحقيق على مدار عدة ايام واحدث في حينه ضجة إعلامية واجتماعية كبيرة ووصل إلى طاولة الكنيست وتحقيقات وحدة الغش والاحتيال في الشرطة وكذلك اتخذت وزارة الصحة إجراءات ضد كبار الأطباء المتورطين في هذه التجارة.
الصحافة الحقيقية لا تتم من وراء زجاج او شاشة حاسوب وإنما نجاحها يتعلق بالنزول إلى الميدان والتواجد في لب الحدث وعلى الصحافي تذوقها مباشرة وليس الاكتفاء برائحة الدخان.
والحديث عن هذه الظاهرة كثير وقبل الانتهاء من كتابة وجهة نظري هذه لا بد أن أتطرق لكلمة الإعلامي حيث نلاحظ كثافة باستعمال مصطلح “الاعلامي”، وهذا التعريف لم يكن متداولًا سابقًا ولكنه برز في العقدين الأخيرين مع انتشار محطات التلفزة الفضائية، ورغم عدم وجود اي اساس له ولم يعرف في مدارس وكليات تدريس الصحافة الا انه اصبح رونقًا اجتماعيًا ولقبًا يحلو للكثير ارتدائه ويرون به “بريستيج اجتماعي” ظنًا منهم انه أصل من أصول الاتيكيت في المجتمع.
كتب سعيد بدران