وحي الصدور
تاريخ النشر: 28/03/18 | 7:42قال تعالى”: إنّا أنزلناه قرءانا عربيّا لعلّكم تعقلون” يوسف – الآية 2. القرآن الكريم نزل باللّغة العربية لكنّه يتحدّث عن أمم أخرى ليست عربية، والخطاب القرآني موجّه للعالمين وليس للعرب فقط، فلا داعي لاحتكار القرآن ولا اللّغة العربية. “إذ قال يوسف لأبيه ياأبت إنّي رأيت أحد عشر كوكبا والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين” يوسف – الآية 4. يفهم من هذا فضل تفضيل الوالدين في إعلامهم بما رآه الابن في الرؤيا ويعتبر ذلك من طاعة الوالدين، بغض النظر عن أنّ الوالدين يحسنان تفسير الرؤيا أم لا.
“قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إنّ الشّيطان للإنسن عدوّ مّبين“يوسف – الآية 4. سيّدنا يعقوب عليه السّلام باعتباره الأب لم يقدّم تفسيرا لرؤيا ابنه سيّدنا يوسف عليه السّلام، ما يفهم منه أنّ الوالدين ليس بالضرورة أن يقدّما تفسيرا للرؤيا بمجرد سماعها سواء علموا ذلك أم جهلوه، لكن المطلوب هو تحذير الابن من عرض الرؤيا على الحاقد الحاسد ولو كان أخا لأبيه وأمه فكيف بغيره. وحدث لسيّدنا يوسف عليه السّلام كلّ المصائب من طرف إخوته وهو الذي لم يقصص رؤياه على إخوته فما بالك لو عرضها على إخوته.
قال سيّدنا يعقوب عليه السلام لابنه سيّدنا يوسف عليه السلام بعدما عرض عليه مارآه في المنام: ” قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”، يوسف – الآية 5 . الإخوة يحسدون الأخ وأخطر ما في الحسد أن يأتيك من أخ ولدته الأم فلا تستطيع له ردا، والمصيبة هنا ليست أخ واحد بل ” إِخْوَتِكَ”، وحسدوه لأمر لا يملكه وهو المنام، فالحاسد حين يفقد البصيرة يحسدك ولو كان مناما. والحاسد يفسد الفرحة، فقد أفسد الأبناء على الأب فرحته بالرؤيا وأفسدوا على الأخ الصغير فرحته بما رأى ولم يستطيعوا إعلانها وهو الذي رأى ما يستوجب الفخر والإشهار وكان الأولى بهم الرفق بالصغير الضعيف. وشرّ ما في الحاسد أن يدخل بين الوالد والولد وبين الأخ والأخ فيفسد ويمعن في الفساد. والعاقل هو الذي لايعرض النعم التي متّعه الله بها أمام حاسديه ولو كانوا إخوة وما يأتيه في المنام.
” لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ“يوسف – الآية 7 . لم تكن العبرة خاصّة بسيّدنا يوسف عليه السّلام فقط وهو النبي ابن النبي ابن الرسول عليهم السّلام بل شملت أيضا إخوته وهم الذين أساؤوا وأمعنوا في الإساءة للأخ والأب والعائلة كلّها، فالعبرة تأخذ من الجميع دون استثناء ومن استثنى العبرة فلم ولن يعتبر وسيكون عبرة سيّئة لغيره.
“إذ قالوا ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا ونحن عصبة إنّ أبانا لفي ضلال مبين“يوسف – الآية8 ، من سوء الأدب أن ينسب المرء الأخوة لأخيه ولا ينسبها لنفسه وهذا علامة من علامات المكر والخبث والسوء، بدليل أنّهم لم يستطيعوا أن يقولوا “وأخينا” وفضّلوا كلمه “وأخوه”.
قالوا: ” أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ“يوسف – الآية 12 ، تعمّدوا الضّغط على الأب من خلال فرض اليوم المحدّد وهو يوم غد ولم يؤجلّوه لأسبوع أو أيام حتّى لا يتركوا فرصة للأب سيّدنا يعقوب عليه السّلام بالتفكير والتراجع عن قرار السّماح لابنه سيّدنا يوسف عليه السّلام بالذهاب مع إخوته، وكان ضغط الإخوة والأبناء في غاية الخبث والمكر حيث لم يتركوا لأبيهم مهلة للتفكير .
قال الأب سيّدنا يعقوب عليه السّلام لأبنائه: ” وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ“يوسف – الآية 67، خاف الأب على أبنائه فطلب منهم أن يتفرّقوا ويدخلوا من أبواب متفرّقة حتّى وقعت مصيبة لا تصيبهم جميعا رغم أنّهم هم الذين “قتلوا” ابنه وهم الذين أرادوا به شرّا، وهذه طبيعة الأب الذي يعلو على أحقاد الأبناء ولا يفرّق بين أبنائه ولو كانوا “قتلة” لأبنائه.
معمر حبار – الجزائر