رسالة إلى والدي
تاريخ النشر: 03/04/18 | 13:54قبل سنتين كنت قد ارسلت رساله الى والدي حنا نقاره –محامي الارض والشعب- بمناسبة الذكرى الاربعين ليوم الارض سوف اقرئها لأنه لدهشتي قد استلمت ردا عليها البارحة .
دونت رسالتي الى عنوان : مقبرة الروم الارثوذكس الواقعة على سفح جبل الكرمل بالقرب من شاطئ البحر في حيفا
الحي : الناحية الغربية من المقبرة
الجيران : الرفاق الشيوعيون توفيق طوبي، اميل توما، اميل حبيبي وغيرهم من حماة الديار.
والدي الحبيب
في هذا الشهر وهذه الفترة بالذات كثرت زياراتك لي في الاحلام وطال الحديث في مواضيع شتى وبدا لي الحزن والقلق الذي ينتابك في هذه الايام العصيبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وبأنك غضبان للأوضاع عامة .
انك حزين ومضطرب بصورة خاصة لما يحدث للشعب السوري الشقيق الذي يطمح لحياة افضل . سوريا التي اعتبرتها وطنك الثاني لأنك درست القانون بالشام واحببتها حبا جما ووجدتها منبرا للوطنية والحرية . سألت عن دمشق الحبيبة وحالها وحال اهلها وحدائقها الخلابة التي كنت تصفها لنا وتأمل أن نزورها يوما معا.
افهم قلقك على الشقيقة لبنان من النزاعات الطائفية والمؤامرات التي تحاك حولها. لقد درست في عاليه على يد الاستاذ والاديب الكبير مارون عبود . كنت تتفاخر بانه زرع فيك حب اللغة العربية وآدابها وناداك بالاسم يحيا وليس حنا. اعلم انه عمّق فيك روح القومية وحب الوطن والانتماء اليه وروح مقاومة الاستعمار وظلمه . علمك الشجاعة وقول كلمة الحق بدون تردد أو مواربة وهكذا تعمدت على يده بروح المقاومة.
نصحك مارون عبود بالسفر الى دمشق ودراسة المحاماة فيها متأكدا أنك ستصبح محاميا بارعا تخدم شعبك وقضاياه العادلة على احسن واتم وجه هناك شاركت بالمظاهرات ضد الاستعمار.
لقد احببت بيروت وجو الضيعة في بديدون وكان بإمكانك البقاء في لبنان عام 1948 عندما أرغمنا للمكوث هناك كلاجئين لفترة قصيرة بعد ان منعنا من العودة الى حيفا من بيت جدي في عكا في نيسان 1948. لكنك قررت العودة من بيروت الى حيفا ومواجهة السجن والاضطهاد مؤمنا بان مكانك هنا في وطنك فلسطين . عندما سئلت من احد الاصدقاء في بيروت قائلا كيف ستعيش في دولة اليهود وترافع في المحاكم الاسرائيلية ؟ اجبته: سأكافح حتى ننال حقوقنا بالمساواة ويمارس حق العودة لشعبنا الفلسطيني وتقوم دولته الفلسطينية وكنت صادقا وواثقا من موقفك وقرارك .
لقد كان الطريق شائكا يا ابا طوني صمدت ودافعت عن الانسان الفلسطيني في قضايا الهويات الحمر وعن الارض بكل بسالة وقوة وعناد . أذكر عندما كنت اعمل في مكتبك كيف كنت تشرح وتغرس العزيمة في قلوب موكليك كي لا يستسلموا ولا يصدقوا الوعود لأنها كاذبة وماكرة واذكر كيف كنت تقول لهم “خَشِّب” ومنهم من كان يخضع للضغوطات ويسحب توكيله معتذرًا بان السلطة هددته بفصل إبنائه من عملهم وغيرها من الاساليب الخسيسة. لكنهم كانوا يعودوا بعد فترة معتذرين بائسين مع خيبة امل من الاكاذيب والنفاق .
اني متأكدة بانك كنت تشاء ان تحتفل مع الرفاق وابناء شعبك في احياء ذكرى يوم الارض الاربعين وكنت تشاء ان تكون أحد الخطباء لتُذكِّر الجيل الجديد ماذا حدث وكيف تطورت الاحداث وعن المخطط لتجريد شعبنا عن كل شبر من ارضه ولكن على الرغم من ذلك دافعت وصمدت بعناد محاولا عدم التنازل عن كل شبر من ارض هذا الوطن . أذكر مدى حزنك على الشهداء الذين سقطوا في يوم الارض وكنت تذكرهم فردا فردا وكأنهم ابنائك.
لا تقلق يا والدي فرفاق دربك أوفياء يواصلون المشوار الشائك ومجموعة من الشباب كلهم طموح وثقة بصدق قضيتنا . جميعهم وغيرهم أيضا قيادات شعبيه يواصلون المشوار في النضال والدفاع عن قضايا شعبنا واخوتنا في الاراضي المحتلة في الضفة وغزة . وكذلك لا نزال نؤمن بالنضال المشترك مع الفئة الضئيلة من اخواننا اليهود كما كنت تؤمن انت ورفاق دربك .
اما على المستوى القانوني يوجد محامون مخلصون يدافعون عن حقوق الانسان الفلسطيني امثال محامي عدالة وغيرهم يتشبثون بالأرض والجذور من الجليل الى النقب.
يا والدي: إن الجيل الحالي مثقّف وواع امام جميع الاعيب السلطة التي تعهدها فلقد تعلم الدرس القاسي من الاجيال التي سبقته فهو عنيد وجريء وترى في عينيه التحدي والطموح والصمود والصلابة.
قبل أن أنهي رسالتي اود ان اخبرك بأخبار سارة وهي تجديد نشاط النادي الارثوذكسي الوطني في حيفا الذي كنت ترأسه قبل 1948، وذلك بدعم الطائفة حاليا وبنشاط ورئاسة المحامي فواد نقارة ابن اخيك مفيد وزميله المحامي حسن عبادي ومجموعة مثقّفة وطنية معه اقمنا نادي حيفا الثقافي فأحيينا ناديك ودعمنا الحياة الثقافية في حيفا التي اصبحت منبرا للأدباء والشعراء والكتاب . كما واقمنا كذلك نادي الكتاب حتى نشجع القراءة والمطالعة التي كنت تمارسها وتؤمن بأهميتها .
تجري الفعاليات في قاعات الطائفة الارثوذكسية التي بنيت مؤخرا مع الكنيسة الجديدة في قلب الحي العربي بالقرب من المبنى القديم لدار المجلس .
لا تقلق يا ابا طوني فبحر حيفا لا يزال يتذكّرك وشعبك يتذكّرك ويذكرك في يوم الارض وكل مناسبة وطنية اخرى. كن مرتاح البال وطمأن من حولك بان العدل والسلام آت الى الوطن على الرغم من الاضطهاد والتمييز وستقوم الدولة الفلسطينية قريبا على الرغم من التطرّف والظلم والاحتلال وسيعيش الطفل الفلسطيني حياة امنه يطمح فيها الى التفوق والامتياز.
كما كنت تردد قصيدة ابي القاسم الشابي :
اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر .
تصبح على خير يا والدي الحبيب، سأزور ضريحك بيوم الارض وضريح الوالدة واخي الحبيب طوني ابو حنا…..
ابنتك الوفيه نائله نقاره-ابومنه 17/3/2016
البارحة زارني الوالد بالمنام وطلب مني ان انهض لنتحدث.
أعلمني بأنه التقى بالرفاق وبأنهم زارونا في بيتنا في شارع الخوري، الرفيق توفيق طوبي واميل توما واميل حبيبي وتباحثوا كالعادة في شؤون وهموم شعبنا الفلسطيني .
لقد ارسلوا تحيه الى شعبنا في يوم الارض ال 42
اوصوا بالثبوت امام جميع الضغوط والتهديد والعنصرية وأكّدوا ان الطريق الوحيد هو الكفاح لأجل الحصول على حقوقنا .
لقد أوصوا بوحدة الصف في الداخل والضفة والقطاع لأن الوحدة قوه ولأن سياسة المحتل كانت دائما سياسة فرق تسد .
اوصوا ايضا بالحفاظ على القدس العربية فهي قلب فلسطين وعاصمتها ولن ينجح الرئيس ترامب في مخططاته لان الحق والعدل مع شعبنا.
اوصوا الجيل الجديد الصاعد بتعلّم تاريخهم والاهتمام بلغتهم وثقافتهم لان هذا يقوّي هويتهم وانتمائهم وان يتعلموا ويتميزوا لأن العلم قوة .
وفي الختام ودّعني قائلا انه متعب وعائد الى القبر ليرتاح مردّدا: عاش شعبنا الفلسطيني ويوم الارض وعاش الشعب العربي الحر.
نائله نقاره أبومنه
(ألقيت في الأمسية الثقافية بمناسبة يوم الأرض في نادي حيفا الثقافي يوم الخميس 29.03.2018)