مالك بن نبي.. دور المسلم ورسالته
تاريخ النشر: 09/04/18 | 21:57أولا: ظروف المحاضر والمحاضرة … ليست المرّة الأولى التي يقرأ صاحب الأسطر محاضرة “دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين” ومحاضرة “رسالة المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين”، لمالك بن نبي، دار الفكر، دمشق، سورية، طبعة 1986 عن طبعة 1978، من 63 صفحة، فقد مرّت سنوات طوال على قراءتها واليوم يعود إليها وإلى نفس الطبعة القديمة التي قرأها وهو شاب لم يستوعب جيّدا فكر مالك بن نبي، ويعود إليها اليوم وقد قرأ وكتب الكثير عن مالك بن نبي، فكانت هذه القراءة:
1. ألقيت المحاضرة الأولى والثانية بتاريخ مارس و أفريل 1972 أي سنة و 6 أشهر قبل وفاة مالك بن نبي باعتباره توفى بتاريخ: 31 أكتوبر 1973
2. ألقى المحاضرة وهو في سنّ 67 سنة، باعتباره من مواليد 1905.
3. أهمية المحاضرة في كونها كانت في أيامه الأخيرة حيث التأكيد والثبات وعدم التراجع هذا من جهة، ومن جهة ثانية كان في سنّ النضج والكمال العقلي والمسؤولية أمام النّاس والتاريخ والكلمة والحرف.
4. الدّارس ليوميات مالك بن نبي: Les Carnets de Malek BENNAB”” يرى بوضوح أنّه كان في أواخر أيّامه كثير السّفر للمشرق العربي خاصّة سورية لعدّة أسباب[1].
5. ذكر مالك بن نبي أنّه ألقى عدّة محاضرات بسورية لمن أراد أن يعود إليها عبرLes Carnets de Malek BENNAB””، فقد ذكر بتاريخ: 30 مارس 1972 وبعنوان: “محاضرات في دمشق” وحسب ترجمتي: “إقامتي بسورية مكتظّة بالمحاضرات، أحيانا بمعدل 3 محاضرات في اليوم كالبارحة، ساعتين ونصف حوار خاص بـ “حضارة الإسلام”، محاضرة من 3 ساعات ونصف لدى بكري النحاس خلال منتصف النهار، و3 ساعات خلال الأمسية لدى الأخ صلاح الدين الشاش[2].
6. وذكر أيضا وفي نفس الصفحة بتاريخ: 20 أفريل 1972 بعنوان: ” محاضرة بجامعة دمشق” وحسب ترجمتي: “مابين ألفين وثلاثة آلاف مستمع في المدرج الكبير بالجامعة. الموضوع: “مشكلة الثقافة”. نجاح كبير، تأثير كبير لدى العناصر المسلمة المناضلين لجودة سعيد و منيرة كوبريسي، أبولو XVI ستحط بالقمر”[3].
7. فيما يخص محاضرته الأولى[4] “دور المسلم ورسالته” فقد ذكر بتاريخ: 18 ماي 1972 وتحت عنوان: “المسلم في العوالم الاقتصادية” وحسب ترجمتي: “اليوم، علمت بتسليم الدفعة الأولى المتضمنة 15 نسخة من كتابي: “المسلم في عالم الاقتصاد”… و علمت أيضا بتسليم الدفعة الأولى المتضمنة 15 نسخة من محاضرتي: “دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين”.
8. فيما يخص المحاضرة الثانية[5]، قال بتاريخ 22 ماي 1972 وحسب ترجمتي ودون ذكر العنوان هذه المرّة: “تكملة للمحاضرة بنادي الحقوقيين. اليوم، الإثنين، قدّمت آخر محاضرة لي بدمشق. سبق أن وعدت بإعادة المحاضرة في مكان آخر يوم إلقاء محاضرتي في نادي الحقوقيين، نظرا لتأثيرها وطلب الجمهور الكثير الذي لم تستوعبه القاعة. قدّمتها إذن اليوم. لكن عوض أن أعيد نفس المحاضرة، فضّلت أن أضيف لها مكمّلا: “دور المسلم لا بد أن يكون له خصائص المهمة” “.
9. ذكر مالك بن نبي بتاريخ: 28 جانفي 1972 أثناء الحج وحسب ترجمتي: ” سأقضي أسبوعا بمكة حيث سألقي محاضرة “دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين” بـ “الرابطة الإسلامية”[6]. وقال أيضا في الصفحة الموالية وفي نفس التاريخ وحسب ترجمتي: “في الرياض، ألقيت 3 محاضرات: “دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين” و “مشكلة الثقافة”، و “القرآن، حقّ إيجابي وطاقة حيوية”، ويبدو لي أنّ محاضراتي كان لها صدى كبيرا” [7].
10. ما يجب ذكره في هذا المقام وحسب “Les Carnets”، فإنّ محاضرة “دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين” سبق لمالك بن نبي أن ألقاها بمكة أوّلا بتاريخ: 28 جانفي 1972 ، ثمّ أعاد إلقاءها بسورية للمرّة الثانية فيما بعد في شهري مارس وأفريل 1972، وأقف على هذه المعلومة لأوّل مرة في حياتي وأنا أقرأ وأقارن وأترجم.
11. من أراد أن يستوعب المحاضرة جيّدا فليكتفي بعنوان: “دور المسلم ورسالته” دون أن يلحقها بعبارة: “في الثلث الأخير من القرن العشرين”.
12. تعتبر محاضرة ” دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين”آخر محاضرة لمالك بن نبي يلقيها بسورية.
13. من اعتبر أنّ المحاضرة خاصّة بـ: “الثلث الأخير من القرن العشرين” فقد أساء لفكر مالك بن نبي المتّسم ببعد النظر، وحرم نفسه فضائل المحاضرة مع بقاء حقّ النقد لمالك بن نبي وللمحاضرة.
14. محاضرة مالك بن نبي جاءت بعد زيارته للصين كما جاءت صفحة 21.
15. يتحدّث مالك بن نبي في صفحة 28 فيقول: ” فلكم أنتم أيّها الشباب بعد ثلاثين سنة أن تروا الحقيقة سافرة كما هي”، وكرّر مثلها في المحاضرة الثانية صفحة 48 حين قال: “وسينصب قريبا في “سنة ألفين”… لأنّنا لا ندري في الحقيقة كيف تنتهي هذه الحقبة من الزمن”. إذن محاضرته تمتد من الناحية الإحصائية إلى سنة 2002 لكن من الناحية الفعلية مازالت قائمة لحدّ الآن وستمتد لأكثر من ذلك لما تحتويه من فاعلية وفائدة.
16. يتحدّث عن نفسه في صفحة 34، ويقول: “إنّني حينما قرأت لاوّل مرّة ما يسمى بالجغرافيا البشرية وأنا ابن 12 أو 13 سنة كان توزيع أتباع الأديان كما يلي”. يعود بهذه القراءة لسنة 1918 باعتباره من مواليد 1905، ويتذكرها بعد 54 سنة وبدقة بالغة.
17. جاءت المحاضرة بعد أداء مالك بن نبي لـ: “الحجة الأخيرة” كما جاء في صفحة 46.
18. يقول مالك بن نبي في صفحة 55: “كما هو ظاهر لنا مثلا في قضية النفط، خصوصا قبل خمس أو ست سنوات”، ويقصد سنة 1967، حين يحذف القارئ 5 سنوات من سنة 1972.
19. سبق لمالك بن نبي أن زار سورية للمرة الأولى بتاريخ: 20. جوان 1959 كما جاء في Les Carnets de Malek BENNAB ” “[8] وزار يومها مسجد الأمويين وقبر صلاح الدين الأيوبي رحمة الله عليه، وألقى محاضرة بنادي طلبة شمال إفريقيا بدمشق، وبتاريخ 29 جوان 1959 ألقى محاضرة في قاعة المحاضرات بـ “جمعية مكارم الأخلاق”.
ثانيا: محتوى المحاضرة:
تضمّنت المحاضرة عدّة نقاط يحاول القارىء المتتبّع عرضها حسب التالي:
1. يصف سورية في صفحة 13 بأنّها: “معقل من معاقل الإسلام”.
2. دور المسلم محدّد في قوله تعالى: “وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرسول عليكم شهيدا” البقرة 143.
3. يرى مالك بن نبي في صفحة 15 وهو يعدّد الأسباب التي دفعته لاختيار الثلث الأخير من القرن العشرين أنّها “حقبة زمنية استثنائية في التاريخ”. أقول: لا أعتبرها “استثنائية” واعتبرها مرحلة من مراحل التّاريخ تمتاز بما امتازت به عن غيرها وهي امتداد لما قبلها وانطلاق لما بعدها شأنها في ذلك شأن أيّ حقبة.
4. يرى في صفحة 17 أنّ الدول الغربية وبتعبير مالك بن نبي “محور واشنطن – موسكو” “بدأت تشعر جميعها بنفاد رصيدها الثقافي، رصيد مبررات حياتها”. أقول: وهو بهذا يريد من المسلم أن يكون البديل بما هو أهل لذلك.
5. ويحلّل في صفحة 18- 21 “المبررات المفقودة” للغربي بكونه ولد في مناخ استدماري الذي كان “يسود العالم المتحضّر” وقد تجلى في مؤتمر برلين 1881، وكان الطفل ينشئ في جوّ استدماري وتلوّن الخريطة حسب لون الدول الاستدمارية و كأنّها ملك الآباء والأجداد، وكان الجندي الأوربي يقضي واجبه العسكري بإحدى الدول التي احتلها من افريقيا وأسيا، ضف لها الصراع الفكري الذي يصوّر للطفل الأوربي الذي احتّل غيره أنّه أفضل الجميع وأنّ الاخرين أقلّ درجة من الحيوان.
6. يعيش العالم المتحضّر الأنّ الاكتشافات العلمية وكذا العلم والحضارة ورغم ذلك لم يستطع أيّ منهم أن يعوّض المبرّرات التقليدية للأوربي من سطو واحتلال كما كان يفعل من قبل، أي أنّه فشل في عملية التعويض، ولذلك مازال الأوربي يعيش “في حيرة وتيه وقلق”، كما جاء عبر صفحات 21-23.
7. يشرح عبر صفحتي 24-26 الفشل الأوربي في التعويض ليضرب مثلا عن تنامي ظاهرة الانتحار وظواهر أخرى كالتدهور الأخلاقي والإدمان في أوروبا رغم أنّها حقّقت “الضمانات الاجتماعية”، ما يعني أنّ: “البطون إذا امتلأت لا تغني النفوس ولا تشبعها”. أقول: الأمور زادت تدهور وخطورة في أوروبا وامتدت للمجتمعات العربية والإسلامية أيضا.
8. يرى في صفحتي 27-28 وهو يرسم تدهور الحضارة الغربية قائلا: “التجارب الأساسية في التّاريخ لن تبدأ حتّى تفشل قبلها كلّ التّجارب السّابقة التي فقدت أسسها التّاريخية”، وقال أيضا: “يجب أن ينتهي التّاريخ في نقطة ما كي يتجدّد التاريخ من نقطة جديدة”.
9. يتحدّث عبر صفحات 28-33 أنّ الأديان السّابقة فقدت مبرراتها التي يجب أن تقدّمها لشبابها كزواج القسّ بعدما كان الزواج محرّما.
10. وفي نفس الوقت نجد أنّ الإسلام أصبح يكتسح العالم وبأرقام متصاعدة التي ذكرها في صفحتي 34-35. وهو يريد بهذه المقارنة ليؤكّد على أنّ أخطاء الغرب ستمهّد لظهور المسلمين على مسرح التاريخ.
11. تحدّث عبر صفحتي 35-36 عن فشل إحدى مظاهر “عمليات التعويض في العالم المتحضر للمبررات التي فقدها” فيعطي مثالا عن “الشيوعية” وتعامل معها على أنّها: “دين وأنا أتحدّث هنا على أنّها عقيدة ودين تقدّم هي الأخرى مبرراتها”. أقول: نظرة مالك بن نبي للشيوعية كعقيدة ودين ظهرت جليا في أيامه الأخيرة ولم أقف فيما قرأت له أنّه تعامل معها على أنّها كذلك في كتبه الأولى، ما يستدعي من القارىء المتتبّع أن يقف على كتبه الأولى والأخيرة ليكوّن نظرة شاملة ويستطيع أن يقارن وينتقد، وقد سبق أن كتبنا مقال[9] ونحن نتطرق لحوار أجراه مالك بن نبي سنة 1972 المنشور في كتاب:”أزمة العالم الإسلامي” يضم مجموعة محاضرات وحوارات أجراها مالك بن نبي رحمة الله عليه، وقام بجمعها الأستاذ عبد الرحمان بن عمارة ، دار بن مرابط، الجزائر، السداسي الأول 2017 من 140 صفحة،
12. يقدّم عبر صفحات 37-40 القواعد التي يجب على المسلم التقيّد بها ليكون في مستوى التغيير، وهي: أن يحسن السير في اتّجاه التاريخ، وضرورات إنشاء وتشييد في الداخل، وضرورات اتّصال في الخارج، وعلى المسلم أن يبلّغ الإسلام، ويرفع مستواه بحيث يستطيع القيام بدور ريّ الشّعوب المتحضّرة والمجتمع المتحضّر، وأن يرفع مستواه إلى مستوى الحضارة أو أعلى منها.
13. يرى عبر صفحات 43-45 أن المستوى الأخلاقي المتدني والأزمة التي تعيشها الحضارة الغربية والتي “أفقدت الوجود قداسته” رغم تفوّقها العلمي وإخضاعها “كلّ شيء لمقاييس الكم”، و لذلك “أوربا اليوم لا تتنفس التنفس الطليق، بل تتنفس تحت ضغط عالم الأشياء المتراكمة”.
14. يرى أيضا عبر صفحتي 45-47 أنّ المسلم يعيش تخلّفا وانحطاطا وهو في هذه الحالة كالأوربي كلاهما يمثّل “الأزمة الحضارية”.
15. عبر صفحات 48- 62 يحصر مالك بن نبي دور المسلم في النقاط التالية: إنقاذ نفسه وانقاذ الآخرين، والاقتناع والاقناع و “أن يقتنع هو أوّلا برسالته”، ويجب “أن تتوفر لرسالة المسلم كلّ شروط الاقتناع وكلّ شروط الاقناع ولن يتوفر هذا إلاّ بتغيير في داخل المسلم”، وعلينا أن نغيّر “شروط القابلية للاستعمار في نفوسنا”، و “يجب علينا أن نطرح المشكلات بمنطق البقاء، لأنّنا بحاجة إلى رفع مستوى بقائنا، إلى مستوى الحضارة”، وأن يغيّر المسلم “ما بنفسه وتغيير ما في محيطه لأنّه لا يمكنه أن يغيّر شيئا في الخارج إن لم يغيّر شيئا في نفسه”، و “يجب على المسلم بعد أن يعرف نفسه، أن يعرف نفوس الأخرين، وأن يعرّف الآخرين بنفسه ولكن بالصورة المحببة”، و “أن يعرف نفسه من دون مغالطة وأن يعرف نفوس الآخرين من دون كبرياء وتعال”، وأنّ الفكرة[10] الصالحة ليست بالضرورة صحيحة والفكرة الصحيحة ربما فقدت صلاحيتها.
[1] للوقوف على بعض الأسباب، طالع مقالنا بعنوان: ” مالك بن نبي .. السعادة التي وجدها في سورية ولبنان”، بتاريخ: الجمعة 12 ربيع الثاني 1437 هـ الموافق لـ 23 جانفي 2016 [2] Les Carnets de Malek BENNAB””: صفحة 610. [3] Les Carnets de Malek BENNAB””: صفحة 610. [4] Les Carnets de Malek BENNAB””: صفحة 610. [5] Les Carnets de Malek BENNAB””: صفحة 610. [6] Les Carnets de Malek BENNAB ” “: صفحة 607 [7] Les Carnets de Malek BENNAB ” “: صفحة 608 [8] Les Carnets de Malek BENNAB ” “: صفحة 436-437 [9] أنظر مقالنا بعنوان: ” مالك بن نبي.. حوار العام الأخير قبل وفاته”، وبتاريخ: الأربعاء 11 جمادى الثاني 1439 هـ الموافق لـ 28 فيفري 2017. [10] للمزيد فيما يخصّ عالم الأفكار، أنظر كتاب “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” لمالك بن نبي.