خير هدية في الزمان كتاب
تاريخ النشر: 18/04/18 | 12:33الكمال لله! مشاعر الغيرة لا تراودني البتة اتجاه ما يملكه كل من حولي مهما عظم، الأمر الذي يمنحني الراحة والسكينة في هذه الحياة الصاخبة بالشكليات والمظاهر. لكني أعترف بكل صدق أن شيئا واحدا يشعل أحاسيس الغيرة عندي وهو عندما يروي لي صديق عن كتاب مميز قرأه وأنا لم أفعل ذلك! أشعر أن صديقي قد خاض تجربة روحانية رائعة مع الكاتب انا لم أخضها، وأنه قد اكتسب معلومات جديدة أنا لم أعرفها! أو زاد من مهارته الحياتيه وأنا لم أزدها!
كأي منكم، حصلت في مناسبات عديدة على هدايا جميلة ومنها الثمينة، إلا أن هدية كتاب كانت ولا زالت الأجمل ! تنتابني سعادة طفل أثناء فتحه لهديته حين أحصل على كتاب مُوقع من مؤلفه او مُرفق بملاحظة إهداء ومودة من صديق قدمه لي. فالأخير عندما يهديك كتابا، يريد مشاركتك تجربته، أحاسيسه، شغفه النابع من قراءته لهذا الكتاب، الأمر الذي أقدره وأرغبه كثيرًا. مؤخرًا عدت لبعض من هذه الكتب لأعود بذاكرتي للحظات الإهداء الجميلة أو تواقيع الكتّاب المؤثرة! ومن أجملها كان ما وصلني قبل ما يقارب السنة من المحرر الرئيسي لأحد المجلات العلمية المرموقة. كان ذلك على أثر حديث دار بيننا خلال وجبة عشاء فعرف من خلالها عن رغبتي بقراءة كتاب “أزرار نابليون”. وكانت المفاجأة أن بعد مرور أسبوعين قام بإرسال نسخته الشخصية مع كلمات رائعة, الأمر الذي أسعدني جدًا.
احتفاءً بمناسبة يوم الكتاب العالمي الذي يصادف في الواحد والعشرين من الشهر الجاري عدت بالذاكرة إلى قراءاتي الأخيرة لأشارككم بأجمل ما قرأت مؤخرًا. فوقع اختياري على كتاب “اخلع حذاءك” لياسر حرب والذي يحوي على مقدمة من باولو كويلو تقديرًا للكاتب وكتابه. وهو كتاب يشبه القصة القصيرة يحتوي على تأملات في أمور عديدة كالأحلام، العقلانية، السفر ،الانسان وما يدور من حوله. وقصة اسم الكتاب تدور حول مفهوم السعادة وفلسفتها من وجهة نظر الكاتب! ويكتب :” يحكى أن ضابطين كانا يأخذان أحذيتهما من قسم الملابس في الجيش استعدادًا للسفر والقتال في حرب تخوضها بلادهما. طلب أحدهما من العامل أن يعطيه حذاءً أضيق برقم واحد من مقاسه الأصلي. وعندما كانا في طريقهما إلى الجبهة سأله صديقه عن سبب فعلته، فقال: لكي أشعر بالسعادة عندما أخلع حذائي كل ليلة” . ويضيف الكاتب قائلا: “تكمن السعادة أحيانا في ترك الأشياء أكثر من الحصول عليها .” وقد انتبهت أنه بعد قراءة هذه الخاطرة، صرت أحس بسعادة أكبر عند خلع الحذاء وكأن سيكولوجية الكلمات فعلت فعلها!
وفي تأمل آخر بعنوان ” كيف تسلق بيضة” يعلق الكاتب على قلة شغف مجتمعاتنا العربية فيما يتعلق بالبحث عن المعلومة وكيف لذلك من أثر هائل على الابتكار والابداع فيقول:” قرأت مرة على تويتر أن المجتمعات المتقدمة لا تحقّر أية معلومة، وحتى وإن كانت حول سلق البيض! وعندما بحثت في يوتيوب عن جملة” كيف تسلق بيضة” بالانجليزية وجدت أكثر من ٨٠٠،٠٠٠ فيديو. عدت وبحثت بالعربية فلم أجد شيئا. لا أريد من العرب أن يتعلموا سلق البيض، ولكنني أتمنى ألا يُحقّروا من أخذ على عاتقه تعليم الناس ولو بسيطًا، فلقد اجتهد عندما تكاسل الآخرون.”
يستغرق سنوات عديدة لإنهاء تأليف كتاب ما بحيث يتم احيانًا ذلك بعد أبحاث مُكلفة وحاجة إلى تجربة طويلة وغنية للكاتب. لكن من خلال قراءته في غضون أيام قليله يمكن الاستفادة من كل نتائجه، عبره ، وتجربة الكاتب. ولا شك أن كتابًا رائعًا يمكنه أن يغيّر من فلسفتك للحياة، طريقة تواصلك مع بيئتك، إنجاح مشروعك، إلهامك وزيادة سعادتك! فحين تقرأ كتابك فكّر بغيرك، وحين تنتقي هديتك القادمة فكّر بكتابك المفضل، وأكتب بداخله ملاحظة مودة من كلامك الجميل، معطرة بأحاسيسك الراقية، واجعل تجربتك منه الشريط الأحمر الذي يلفه. فأنت لا تدري كم سيكون لذلك أثر على صديقك حتى ولو بعد حين !
تحياتي،
بروفيسور أشرف إبريق
عالم وباحث في مجال الكيمياء
معهد التخنيون- حيفا