تهديدات في سورية والعِراق كانَت وراء قَرار ترامب سَحب قُوّاتِه من سورية..
تاريخ النشر: 19/04/18 | 23:43تُراوِدنا شُكوكٌ كَثيرة حول تَجاوُب أيٍّ من الدُّول العربيّة التي اتّصل بِها جون بولتون، مُستشار الأمن القَومي الأمريكي، لإرسال قُوّات إلى شمال شرق سورية لتَحِل مَحَل القُوّات الأمريكيّة التي يُقَدَّر تِعدادها بحَواليّ 2000 جُندي التي باتَ انسحابها مُؤكَّدًا بسبب المَخاطِر التي ستَشهدها في الأسابيع المُقبِلة، كرَدِّ فِعلٍ على العُدوان الثُّلاثي على سورية.
الرئيس ترامب سيَمضِي قُدمًا في تَنفيذ تعهّداتِه الانتخابيّة التي أطلَقها في نيسان (إبريل) عام 2016، وتَعهّد فيها بإعادَة القُوّات الأمريكيّة المُتواجِدة في سورية، وأكّد عليها مُجدَّدًا قَبل ثلاثة أسابيع ضَارِبًا عَرض الحائِط بتَحذيرات جِنرالاته، وكاشِفًا أنّ بِلاده أنفَقت 70 مِليار دولار في سورية دُون أيِّ فائِدة.
ما يُقلِق الرئيس ترامب التَّقارير الاستخباريّة التي وَصلت إليه من المُخابرات المَركزيّة الأمريكيّة وتُفيد أنّه بعد قَضاء الميليشيات العَسكريّة المُوالِية لإيران على تنظيم الدَّولة في المُوصِل، وحَصرِه في جيب يَمتد على طُول 15 كيلومترًا على طُول شَرق الفُرات جَنوب الحَسكة السُّوريّة، باتَت هذهِ المِيليشيات تَستَعِد لمُهاجَمة القُوّات الأمريكيّة على الأرض من خِلال حَرب عِصابات مُكَثَّفة.
لواء الباقر، أحد الميليشيات الرئيسيّة، التي حارَبت إلى جانِب الجيش السوري ضِد الفَصائِل المُسلَّحة، ويُقَدَّر تِعداد رِجاله بأكثَر من 5000 مُقاتِل، والمَدعوم من إيران والجِنرال قاسم سليماني، أعلنت قِيادته رَسميًّا عن البِدء في حَرب عِصابات ضِد الجَيش الأمريكي في سورية والعِراق، وفَعلت حركة النُّجباء التي كانت جُزءًا رئيسيًّا من الحَشد الشعبي الذي قاتَل تنظيم “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش” في العِراق، أنّها ستَفعل الشَّيء نفسه في الأسابيع المُقبِلة، وأن الاستعدادات بَدأت في هذا الصَّدد، وتَملُك هذهِ الحَركة، حسب تقديرات غير رسميّة حواليّ 15 ألف مُقاتِل، ومَحطّة تلفزيون، وقِيادتين عَسكريّة وسِياسيّة داخِل العِراق، ولا ننسى “حزب الله” اللُّبناني.
***
صحيفة “وول ستريت جورنال” المُقرَّبة من البيت الأبيض أثارت زَوبعةً في المِنطَقة عندما كشفت أنّ الرئيس ترامب يُريد إحلال قُوّات عربيّة مكان قُوّاتِه المُنسَحِبة من سورية، خاصَّةً من دُوَل مِحوَر الاعتدال، أي مِصر والسعوديّة وقطر والأمارات والأردن، والدُّول التي لا تُريد إرسال قُوّاتِها عليها المُساهَمة في دَفع أربعة مِليارات دولار لتَمويل هذهِ القُوّات وتَجهيزِها عَسكَريًّا.
السيد عادل الجبير، وزير الخارجيّة السُّعودي، فاجَأ الكَثيرين عندما أعلن استعداد السعوديّة للمُشاركة في القُوّات المَطلوب إرسالها إلى سورية، ولكنّه اشترط أن تَكون في إطار التَّحالُف الذي تَقوده الولايات المتحدة إذا صَدر قرارٌ بِتَوسيعِه.
لا نَعتقِد أنّ مِصر التي رفضت إرسال قُوّات إلى اليمن، سَتُلبِّي طَلب جون بولتون، مُستشار الأمن القومي، الذي اتّصل بمُدير مُخابَراتها عباس كامل وطالبه بإرسال قُوٍات إلى سورية يُمكِن أن تكون هَدفًا لحَرب عِصابات تخوضها ضِدها مِيليشيّات مَدعومة مِن إيران، وفي مَناطِق خارِج سَيطرة الحُكومة السُّوريّة، ودَعمًا لمَشروعِ انفصالٍ كُرديّ.
تنظيم “الدولة الإسلاميّة” “داعش” الذي يَخوض حَربًا دَمويّة ضِد القُوّات المِصريّة في سيناء سَيجِد في وجود أيِّ قُوّاتٍ مِصريّة شرق الفُرات صيدًا ثَمينًا أيضًا، حيث تقول التَّقديرات أنّه ما زالَ مَوجودًا بِقُوّة في هذهِ المِنطقة، وأنّ تعِداد مُقاتِليه يَصِل إلى 15 ألف مُقاتِل في جيب يَبدأ من جَنوب الحَسكة ويَمتَد حتى البوكمال على الحُدود العِراقيّة.
لا نَعرِف ما هِي الأُسس التي اعتمد عليها السيد الجبير عندما أبدى استعداد بِلاده التي تَخوض حَربًا شَرِسَة في اليمن طِوال السَّنوات الثَّلاث الماضِية لإرسال قُوّات إلى سورية، فإذا كانت المملكة لم تُرسِل إلا أعداد مَحدودة من قُوّاتِها للقِتال داخِل اليمن، وحَصَرتها في الحَد الجنوبي فقط، فكيف ستُرسِل قُوّات إلى سورية، الشيء نفسه ينطبق أيضًا على الإمارات، شريكَتها في حرب اليمن، وكذلك قطر التي تَخشى من اقتحام دُوَل التَّحالف الأربَع المُقاطِعة لها لعاصِمتها وتَغيير النِّظام فيها.
***
الأمر المُرجَّح أن تكتفي هذهِ الدُّول الخليجيّة الغَنيّة بتَقاسُم مبلغ الأربعة مِليار دولار الذي طَلبه الرئيس ترامب، وأن يتم إنفاق هذا المبلغ على قُوّات من مُرتَزقة شركة “بلاك ووتر” التي تُقاتِل بعض وحداتِها في اليمن حاليًّا، مِثلما قاتَلت إلى جانِب القُوّات الأمريكيّة في العِراق.
إيريك بنس، رئيس شركة “بلاك ووتر”، اعترف أنّه بدأ اتّصالاته مع مَسؤولين خليجيين لتَقوم وَحدات عَسكريٍة من المُرتَزقة لمَلأ الفَراغ الذي قد يَنجُم على انسحاب القُوّات الأمريكيّة، والمَسألة مَسألة أموال، وهي جاهِزة على أيِّ حال، خاصَّةً إذا أمَر بِها الرئيس ترامب فمَن يَستطيع أن يَرُد طَلباتِه؟
حديث ترامب عن الانسحاب من سورية والبَحث عن قُوّات عربيّة، أو مُرتَزقة، للإحلال مَحلّها تحت ذَريعة مُحاربَة تنظيم “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش”، ومنع إيران وحُلفائِها من مِلئ أيِّ فَراغ هو اعترافٌ بالهَزيمة أوّلاً، وصُدور قرار أمريكي بالانسحاب من مِنطَقة الشرق الأوسط تَدريجيًّا أو كُلِّيًّا، وتَرك السَّاحةِ السًّوريّة للحَليفين الرُّوسي والإيراني ليَرتعا فيها كيفَما أرادوا.
العُدوان الثُّلاثي قد يَكون الذَّريعة لهذا الهُروب الأمريكي المُتوقَّع من سورية، وتَرك الفَصائِل السُّوريّة المُسلَّحة وحُلفائِها في الخَليج وتركيا يُواجِهون مَصيرَهُم، وأقدارَهُم لِوَحدِهم.. والله أعلم
عبد الباري عطوان