الحرب على الابواب…الرَّد الانتقاميّ الإيرانيّ باتَ وَشيكًا..والسُّؤال حول حَجمِه ورُدود الفِعل عَليه
تاريخ النشر: 08/05/18 | 7:40تَزدَحِم الصُّحف وأجهزةُ الإعلام الإسرائيليّة بالتَّصريحات المَنسوبة لوزراء ونُوّاب كنيست وقادة “صُقور” في حزب الليكود الحاكِم وتَحمِل تَصريحاتٍ صَريحَةٍ باغتيالِ الرئيس السُّوري بشار الأسد في حالِ سَماحِه باستخدام الأراضي السُّوريّة لتَنفيذ هَجماتٍ إيرانيّة ضِد دَولة الاحتلال انتقامًا للغارةِ التي استهدفت مطار “التيفور” العَسكري وأدَّت إلى مَقتَلِ العَديد من المُستشارين العَسكريين الإيرانيين.
أربعةُ تَهديداتٍ، أو مُطالبات بالاغتيال صَدرت “اليوم” فقط، يُمكِن أن تُقَدِّم أرضيّةً ضَروريّةً للدِّراسةِ والتَّحليل، لمَعرِفة ما يُمكِن أن يَحدُث في المِنطَقة في الأيّام القَليلةِ المُقبِلة، ومَعاني هذهِ التَّهديدات ومَدى جِدِيَّتِها، وإمكانيّة تَطبيقها:
ـ الأوّل والأهم: جاء على لِسان يوفال شطاينتس، وزير الطَّاقةِ الإسرائيلي، وعُضو المجلس الوزاري المُصغَّر الذي يُوصَف بأنّه من أبرز قادة حزب الليكود اليميني، وطالب حَرفِيًّا بإطاحَة الحُكومة السُّوريّة وقَتل الأسد وإنهاءِ نِظامِه.
ـ الثَّاني: تهديد أطلقه الجِنرال احتياط يواف غالانط الذي كان مُرشَّحًا لرِئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، وقال فيه أنّه حانَ الوقت لاغتيال الرئيس الأسد للتَّركيزِ على رأسِ الأفعى، أي إيران.
ـ الثَّالِث: ورد في مقالٍ كَتبه يسرائيل هارئيل، أحد أبرز زُعماء المُستوطنين، في صحيفة “هآرتس” الذي أكَّد أنّ الرئيس الأسد يَجِب أن يُواجِه مصير الرئيس العِراقي الرَّاحِل صدام حسين، وفي أسرعِ وَقتٍ مُمكِن.
ـ الرَّابع: تَحليل نشره “البروفيسور” ارييه ارداد، النائب السابق في الكنيست في صحيفة “معاريف” وأكَّد فيه أنّ الحَل الوحيد لإنهاءِ الحَرب في سورية هو اغتيال الرئيس الأسد.
***
التَّهديدات المُتزايِدة لاستهداف الرئيس الأسد، وغير المَسبوقة في كثافَتها، وتَعدُّد مَصادِرها، تَعكِس حالةَ الرُّعب التي تَسود دولة الاحتلال الإسرائيلي هذهِ الأيّام، تَحسُّبًا لرَدٍّ إيرانيٍّ “مُزلزِل” تُؤكِّد مُعظَم المصادِر الإسرائيليّة والإقليميّة أنّه باتَ حَتمًا ولا رَجعَة عنه، ولكن ما هُو مَوضِع تَكَهُّنات، توقيتِه الزَّمنيّ، وحَجمِه، وأهدافِه، وكيفيّة الرَّد الإسرائيلي عَليه.
الإيرانيّون يَلتزِمون الصَّمت، ويَترَكون الحديث والثَّرثرة للإسرائيليين القَلِقين الذين قالت مَصادِرهم الأمنيّة أمس أنّ الجِنرال قاسم سليماني، قائِد فيلق القُدس في الحَرس الثَّوري الإيراني، هُو المُكلَّف بالإشراف على الرَّد الإيراني الانتقامي، وأنّه جَهًّز “خليّة” تَضُم عناصِر من “حزب الله” والحَرس الثوري، والمِيليشيات الشِّيعيّة تتولَّى تنفيذ التَّعليمات وإطلاق سَيلٍ من الصَّواريخ مِن الأراضي السُّوريّة على أهدافٍ في العُمق الإسرائيلي.
الآن، وبعد انتهاء الانتخابات البَرلمانيّة اللُّبنانيّة بفَوزٍ كَبيرٍ لتيّار المُقاومة الذي يتزعَّمه السيِّد حسن نصر الله، بات “حزب الله” جاهِزًا للرَّد، وربّما يَكون وَشيكًا، وقد يكون توقيته قبل الانتخابات البَرلمانيّة العِراقيّة الأُسبوع المُقبِل، للتَّأثير “إيجابيًّا” في نتائِجها لمَصلحة الكُتَل والأحزاب المُقرَّبة من طِهران، والسيِّد هادي العامري، رئيس الحَشد الشعبي، تحديدًا، المُنافِس الأقوى للسيِّد حيدر العبادي، رئيس الوزراء الحالي، والذي يُوصِف، أي العامري، بأنُّه مُرَشَّح إيران.
لا نَعتقِد أنّ القِيادة الإسرائيليّة تَجرؤ على اغتيال الرئيس السوري الذي يُعتَبر خَطًّا أحمر بالنِّسبةِ إلى موسكو، والرئيس فلاديمير بوتين أوّلاً، ولأنّها ستَفتَح على نفسها “نار جَهنَّم” لأنّ الرَّد سَيكون بإطلاقِ مِئات الآلاف مِن الصَّواريخ، وربّما اقتحام مِنطقة الجليل وهَضبة الجولان، وتَدمير مُعظَم المُدن الرَّئيسيّة في فِلسطين المُحتلَّة.
القاعدة الأمنيّة “المُقدَّسة” تقول “أنّ من يُريد أن يُقدِم على عمليّة اغتيال لا يُقدِم على تَهديد الخَصم.. وإنّما يُنَفِّذ فَورًا”، أو على رأي المَثل الشَّعبي المُتداوَل “من يُريد أن يَضرِب لا يُكَبِّر حجره”، وهذا يَنطَبِق على القِيادة الإسرائيليّة التي تُدرِك جيّدًا أنّ تهديداتِها هذهِ لا يُمكِن أن تُرهِب الرئيس الأسد وتَدفَعُه إلى مَنع الضَّربةِ الانتقاميّة الإيرانيّة.
***
الصَّواريخ الإسرائيليّة اغتالت الشُّهداء السُّوريين والإيرانيين في قاعِدَة “التيفور” العَسكريّة الجَويّة قُرب حمص، وقِمّة الوَقاحة أن تُهَدِّد القِيادة الإسرائيليّة باغتيال الرئيس الأسد إذا ما انطلقت الصَّواريخ الانتقاميّة الإيرانيّة من الأراضي السُّوريّة فالجَريمة وَقعت على هَذهِ الأراضي، ومِن الطَّبيعي أن تَنطلِق الصَّواريخ الانتقامِيّة من قواعِد عَسكريّة سُوريّة، شاءَت إسرائيل أم أبَت، وليس من حَق المُعتَدي أن يَفرِض على الطَّرف المُعتَدى عليه كيف يَرُد ومِن أيِّ أرضٍ يَنطَلِق الرَّد.
زَمن الغَطرسة الإسرائيليّة العَسكريّة يتآكَل بِسُرعة، ويُوشِك على نِهايته، لأنّ هُناك رِجالاً لا تُخيفُهم التَّهديدات، ولا يَتردَّدون في اتِّخاذِ قرار الحَرب دِفاعًا عن النَّفس، وانتقامًا للعُدوان، وإلا لما أُصيبَت القِيادَة الإسرائيليّة ومُستَوطِنيها بحالةِ الهَلع الحاليّة التي يَعيشونَها.
الانتقام قادِم، ومَشروع، وقَد يكون وَشيكًا، وسَيُغَيِّر الكَثير من المُعادَلات “القَديمة في المِنطَقة.. والأيّام بَيْنَنَا.
عبد الباري عطوان