من عالميات وهيب وهبة “علبة من ذهب” بالإنجليزية
تاريخ النشر: 16/05/18 | 5:30تتحدّث “علبة من ذهب” عن الأميرة التي يرافقها الساحر من فوق عباءته ويطوف بها أصقاع المسكونة، فيزوران أنواع الشعوب والأمم والخلائق. وتتعرف الأميرة بواسطة الرحلة والأغنية على المهمّات والأهداف التي ترغب بتحقيقها عن قناعات وتحدّيات. ويستعرض لنا الكاتب تلك الأعراف والتقاليد والعادات التي تتميّز بها كل أمّة تحت السماء وتحت المياه وفوق الأرض. وفي كل زيارة للساحر والأميرة يعرض لنا الكاتب القيم الاجتماعية والأخلاقية والأدبية الجديدة، أو التي يرغب بأن نتعلمها أو نمارسها نظرًا لأهميّتها وحسن نتائجها. وهي تعود على المجتمع عمومًا بالخير والنظام، وعلى مجتمع الأطفال خصوصًا بالعلم والمعرفة.
وتكثر في هذه القصة التنقّلات التي تتنوّع فيها الاستعراضات الشكلية والضمنية. ومحاولة نقض بعض المفاهيم والبديهيات التي تقول إن الساحر أو الساحرة يجب أن يكون شرّيرًا، طمّاعًا، حسودًا، حقودًا، يضمر الشرّ ويقاوم الخير. ولكن الكاتب وهيب وهبة عكس كل تلك المفاهيم، وغيّر دور الساحر والسحرة وعملية السحر برمّتها، فجعل هذا الساحر طيّب القلب، حسن المعشر، دمث الأخلاق، مربّيًا ناجحًا، موجّهًا حكيمًا، ذا فطنة وذكاء، وليس ذا حنكة ودهاء.
ونصادف في هذه القصة تداعيات لا بدّ من التطرّق إليها، وذات صلة بالأساطير العالمية، مثل قصص الأساطير المأخوذة عن “ألف ليلة وليلة”، ودور السحر وعالم السحر والجن والأحلام والخرافات، وكذلك دور السندباد البحري الذي يجوب العالم على متن السفينة، والتي تمخر عباب البحار والمحيطات ويصادف من التجارب والمغامرات ما تقشعرّ له الأبدان، وتشيب له الأطفال والأولاد. وكيف نبعد عن بساط الريح الذي ينقل على متنه المسافرين ويحلّق بهم في أجواء السحر والتاريخ والجغرافيا. فكما أن هذا البساط، البساط السحري، يحمل من يعتليه، فكذلك الساحر يحمل الأميرة التي تطويها عباءته وينقلها بكل سهولة، تمامًا كالبساط السحري.
وعلى عكس دلالات أساطير “ألف ليلة وليلة”، فإن “علبة من ذهب” تقوم بدور تربوي، متفهّم، موجّه، معلّم. في سياحة شيقة وإرشاد محفّز على اكتشاف المجهول، والصمود في مواجهة العقبات والصعوبات وسائر التحديات. فالشخصيات مهذّبة، مؤدّبة، تعنى بالأخلاقيات، تهتم بالإنسانيات، تدأب على أن تظهر بوجه حسن وقالب جميل ومظهر مقبول.
لا شك بأن التداعيات إلى سائر الأعمال الأدبية العالمية الأخرى تنحصر في مواضيعها، وتتقيّد بأساليبها، وتأخذ المضامين الإنسانية والعاطفية والحسّية بشكل محدّد وواضح ومعروف، وصحيح أنها بلغت المستوى العالمي نتيجة لإنسانيتها، ولكن بقيت في إطار واحد ذي أبعاد متفاوتة، وذي رواسخ تنتمي إلى مدارس شتى وأنماط أدبية مغايرة، وتجعلنا نتّخذ موقفًا منها. وهكذا حرص وهيب على تقديم أسطورة أخرى، من أدب آخر وثقافة يعيشها ويدركها تمام الإدراك.
وفي “علبة من ذهب” نجد أن وهيب هذه الأسطورة يمضي إلى حد أبعد مما سبق في سائر أعماله، حيث كنا نطالع كتاباته ونسبر أغوار كلماته، ونشطح مع أفكاره، ونتيه في صحاريه بحثًا عن أي واحة تنقذنا من سراب الوهم والخيال. وهنا استطاع وهيب أن ينقلنا عبر هذه العوالم الجديدة، القديمة التي بسببها نظنّ لأول وهلة أننا نرى ونصادف حياة أخرى من كواكب جديدة، وشخصيات لا تمتّ إلينا بصلة، فلا نعرفها من قبل ولا نعيرها أي اهتمام، ولكن بعد إمعان النظر والتأمل مليًا، تتضح لنا طروح فكرية هي بمثابة حياتنا اليومية، ونجد أن هذا العالم، الأسطورة هو الفضاء الذي نعيش فيه، وهو محيطنا. كما أننا نتمنى أن نحيا فيه ونبني مستقبلنا في ثناياه، ولذا لا يتطلّب الأمر منا سوى رؤية واقعنا والانتباه إلى سلوكنا والتطلّع إلى تصرّفاتنا وإعادة النظر في عادتنا وتقاليدنا. إن وهيب يحملنا على عباءة الساحر الذي يلعب دوره هو في هذه الأسطورة، ويأخذ أبناءنا وبناتنا، أميراتنا وأمرائنا، لكي نطلعهم على هذه الدنيا ومسالكها ودروبها، لعلهم يشقّون طريقهم بسهولة، ويقتنون من تجاربنا ما يحملونه معهم زادًا وزوادةً لغذائهم الروحي والفكري والحضاري. واستطاع وهيب أن يتقمص دور الساحر الذي يغيّر المفاهيم والأفكار والعادات التي يتألف منها هذا المجتمع، وكأنه مصلح اجتماعي، أو مرشد روحي، أو موجّه تربوي. وإذا توخّينا أعمالا لوهيب تميل إلى العالمية، فها هو يطلقها مرّة أخرى مترجمة إلى الإنجليزية، كي تطّلع عليها شعوب أخرى، وتجد فيها المتعة المرجوّة.
بقلم: نايف خوري