إبتسم.. فرمضان: شهر الفرح
تاريخ النشر: 19/05/18 | 9:45شهر رمضان هو شهر الفرح، عكس ما اعتاد عليه كثير من المسلمين واتخذوه سنة وهم صائمون.نعم، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه” أخرجه أحمد ومسلم، ولأن الصيام طاعة لله وإخلاص له فتلك نعمة باذخة لمن ذاق معناها وتلذذ بنسماتها، وذلك من دواعي الفرح والسرور لا العبوس والنفور ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس:58].
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا حقيقة عميقة الدلالة في سيميائيتها الروحية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة رواه البخاري ومسلم. ولا تكون نفس المرء سخية مجوادا إلا إذا كانت فرحة مرحة منبسطة متفائلة.
ولكن… ولكن العادة تفسد العبادة.
بل أقول: إنها أحيانا قد تقتل معناها وتذيبه في تصورات رذيلة معلولة، يكون تأثيرها على سلوك المرء وأخلاقه ومعاملاته مع الآخرين سيئا مكروها بل ممقوتا. ولعلنا ونحن في شهر الصيام والقيام وقد سبق لنا ان عايشناها سنين مرارا، نلاحظ ذلك المعنى البئيس في إفساد العبادة جليا واضحا، من خلال سلوك الصائمين وأسلوب تعاملهم في نهاره خاصة قولا وفعلا، نلاحظ كيف يستقبلون هذا الشهر بذلك الجشع البطني والهيجان في ضم الطعام إلى الطعام والأصناف إلى الأصناف التي حولت ذلك الشهر من عبادة الى عادة…بل الى أسوا عادة، حولته من شهر الروح إلى شهر الجسد
ومن شهر الزهد إلى شهر الترامي على ملذات المائدة وألوانها المختلفة، ومنها ما لا يوضع عليها في شهر سواه.
ومن شهر تقويم الأخلاق إلى شهر إظهار أسوا الأخلاق وأقمنها بالنفور والاشمئزاز.
ومن شهر الإرادة واليقظة إلى شهر الكسل والنوم والتراخي.
ومن شهر التقوى إلى شهر الرياء وحب الظهور، حتى إن البعض ليحب أن يُظهر نفسه صائما بالعبوس وتقطيب الحاجبين وإرسال النظرات الغاضبة العاتبة، كأنه في خصام لدود أو عراك ممدود، أو كأنه يتقرب إلى الله مرغما أو يساق إلى طاعته متبوعا بالسياط.
واني لأستغرب من مثل هذا الصائم الغاضب العاتب العبوس، وقد يراه على تلك الحال من ليس بمسلم، كيف يحبب له معرفة هذا الدين وفهم شعائره وهو يرى ويسمع مثل هذا يصوم على تلك الحال كأنه يكره هذه العبادة أو يظهر الكراهة منها أو فيها؟؟ كيف يتشجع الغريب عن الإسلام وهو يرى لفيفا من المسلمين تتغير أخلاقهم إلى الأسوأ أو سلوكهم إلى العدوان وهم يمارسون تلك الشعيرة الجميلة شعيرة الصيام؟؟ بل كيف يحببها الى أبنائه الصغار أو من هم في طور اليفع، وهم يلمسون انحطاط إرادته وأخلاقه وجهامة سلوكه في هذا الشهر الرائع المبارك؟
هنا نتذكر قول رسول الله محذرا: إن منكم منفرين. بل إن منا من صار التنفير عنده يقوم مقام سماحة الدين وجمال معناه وعظمة شعائره، بل تزداد أسهم التنفير عنده في هذا الشهر المبارك خاصة.
إن في صيام رمضان كثيرا مما يدعو إلى الفرح بكل معانيه لقوم يتأملون ويتفكرون، ولعل أهم ما يمكن رصده منها و أولاها بالاهتمام هو ما كان مرتبطا بكينونة الإنسان، وما كان دالا على ما يميزه عن غيره من المخلوقات التي تعج بها الأرض، والحقيقة أنني لا أرى مثيلا لذلك وبرهانا أفضل من إحساس الصائم بإرادته وشعوره بعملها في جسده عملا محسوسا مجسدا، وفي نفسه أيضا…
وهل هناك أقوى من غرائز الجسد حين تسطو على الإرادة البشرية فتستحوذ عليها…؟؟
وهل هناك أعتى من رغبات النفس في شهوات الدنيا ولو كان فيها أذى للآخرين؟؟ ولذلك فانا أرى أن السيطرة على مارد تلك الغرائز النافذ أمرها في أحوال ومقامات عديدة، أرى أن ذلك يشعر الصائم المتفكر المتدبر بلذة النصر والاستعلاء، كأنه خرج من ميدان معركة طاحنة، وهو مرفوع الهامة وضيء الجبين ممتلئ بفيض الإرادة حاملا شارات العزيمة والعنفوان.
إن قدرة الصائم على مواجهة النفس في نزغاتها البعيدة الأثر وسطواتها الشديدة القبضة لتلهم صاحبها المضي في باقي أيامه على تلك السنة الحازمة والعزيمة الماضية في مواجهتها دائما، لكي يخلو له وجه الحق والعدل والكرامة والإنسانية، فاقع البهاء موفور النور دون دخن أو ظلمة.
وهل يسود وجه الحياة غير دخَن الظلم ولوثة الباطل وعفونة الهوان وانحطاط الإنسانية وضلال معالمها في حيوات الناس وعلاقاتهم وأفاق انتظارهم الحبلى بالأمل والخير وبشائر الكرامة؟؟
ولست في حاجة إلى تعداد باقي معاني الفرح التي يستبطنها هدا الشهر العظيم، ولكنني أجد في نفسي رغبة في أن أهمس للصائم قائلا: ألا تعلم أن رسول الله كان دائم الْبِشْرِ وأكثر الناس تبسما، فاتخذه مثلا وقدوة في كل وقت؟؟ ألا تعلم أن الصدقة تربو في رمضان وتكتنز وتزداد قيمتها وأجرها؟؟ فهل لك في صدقة لا تستدعي ما في جيبك ولكنها تستدعي ما قلبك ؟؟ إنها الابتسامة وخاصة في رمضان شهر الفرح والحبور بالصيام ونعمة العبادة والقرب من الله… وقد قال رسولنا الكريم: (تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة). رواه الترمذي وقال ايضا: (كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق) رواه الترمذي. فاحصد الحسنات سهلة ميسورة بعمل يسير ولكن اثره عظيم على الفرد والجماعة.
فابتسم وغير تصورك لشهر الصيام.. فاجعله شهر فرحة وحبور.. وتبسم.
ذ. مصطفى بن عمور – بريس