عُمْلاَقَان يَرْحَلان سوِيًّا
تاريخ النشر: 29/03/14 | 2:00بقلم: حاتم جوعية
فقدت مصر قبل 21 سنة عملاقين من عمالقةِ الفنِّ هما: أحمد فؤاد حسن وعبد الله غيث، اللذين توفيا في يومين متتاليين (الثلاثاء والاربعاء – آذار سنة 1993) مِمَّا أثارَ الحزنَ في نفوس الفنانين والجماهير التي تعرفُ مكانة َأحمد فؤاد حسن وعبد الله غيث في الحياةِ الفنيَّةِ وفي تاريخ النهضةِ الحديثةِ في الموسيقى والتمثيل.
الموسيقار أحمد فؤاد حسن كان علاّمة بارزة في فنِّ الموسيقى، وفرقته التي أسَّسَها منذ أكثر من ستين سنة هي أكبر فرقه موسيقية في الوطن العربي واكثرها كفاءة وأعزها انتاجًا، إذ صاحبت هذة الفرقة كبارَ المطربين مثل : أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفايزة احمد وورده وغيرهم في العديد من أعمالهم الناجحة وقدمتها في أفضل صورة. لقد قدمت الفرقة الماسية التي يقودها أحمد فؤاد حسن صورة ًحيَّة للموسيقى العربية الأصلية الراقية في الكثير من عواصم العالم في رحلاتِها الى هذه العواصم والبلدان العديدة. والجديرُ بالذكر ان الموسيقى العربية دائمًا مطلوبة في جميع انحاء العالم، لأن العربَ لم يتركوا عاصمة كبرى ولا بلدًا معروفاً من بلدان ِالعالم إلا ورحلوا وهاجروا إليه من أجل العلم أو العمل، ففي كلِّ مكان من أنحاءِ الدنيا وكل بقعة ٍ من بقاع الأرض توجدُ جالياتٌ عربية كبيرة تحنُّ وتتلهفُ إلى الموسيقى العربية وتحبُّ أن تستمعَ إليها.. هذا بالاضافةِ الى عشراتِ ومئات الآلف من عشاق ِ الموسيقى العربية من أبناءِ الشعوب والأمم الأخرى من الشرق والغرب… وهذة الحقيقة كان يعرفها أحمد فؤاد حسن ويُحِسُّ بها، وكان شديدَ الثقةِ بالقيمةِ الفنيَّةِ للموسيقى العربية، شديد الحماس لها، حريص على الأستمرار المتواصل في خدمتها والتفاني من أجلها لإظهارها على خير صورةٍ.
كان أحمد فؤاد حسن إلى جانبِ موهبتِهِ يمتلكُ علمًا غزيرًا بتاريخ الموسيقى العربية. وجميع أصدقائِه ومعارفِهِ يعرفون هذا الجانبَ من شخصيته. فقد كان حديثهُ عن تاريخ الموسيقى العربية وأعلامها ومدارسها المختلفه متعة من المتع الكبرى التي يسعدُ بها كلُّ من عرفه أو اقترب منه. والى جانب ذلك كله كان أحمد فؤاد حسن على خلق ٍ رفيع، وكان لأصدقائهِ وفيًّا أشدّ الوفاء وعونا ً لزملائه لا يتوقف عن العطاءِ والمساعدة، ولذلك اختارَهُ أصدقاؤُهُ الفنانون نقيبًا للمهن ِالموسيقيةِ فأدَّى في النقابةِ دورًا واسعًا وهامًّا في خدمةِ أعضائِهَا وكان أخا ً ووالدًا للجميع.
أما الفنان عبد الله غيث فهو عملاقٌ آخر من عمالقةِ الفنِّ ولم تشهد المسارحُ الفنيَّة لأحدٍ على النبوغ والعبقريَّةِ مثلما شهدت لعبد الله غيث، بقامتِهِ المديدةِ وصوتهِ القويّ وأدائهِ الأنساني الفذ، وإخلاصه غير المحدود لأدوارهِ المختلفةِ والمتناقضة، حتى أصبحَ نموذجًا فريدًا ومُمَيَّزًا للفنان ِ المسرحي المتميز، الذي يُقيّمُ فنه من منطلق ِموهبةٍ نادرةٍ وقلب عامر بالمشاعر والأحاسيس، وقدرة غير عادية على أداءِ الأدوار الصعبةِ التي كان عبد الله غيث يتألقُ فيها بأستمرار… إنَّ الحياة َ الفنية في مصر والوطن العربي خسرت عَلمين كبيرين من أعلام الفن. ولكن الفن لا يموتُ، فهو باقٍِ مدى الأزمان والأجيال. فعبد الله غيث وأحمد فؤاد حسن هما وردتان باقيتان على مرِّ الأزمان، لا يمكن ان يختفيا في حياتنا ابدًا، وسوف يبقى أسمُهُمَا في كلِّ قلبٍ ولسان، ما بقيَ الفنُّ الجميلُ الذي يتجدَّدُ جيلا ً بعد جيل.