أوهام وأكثر
تاريخ النشر: 09/06/18 | 17:30تعجّ وتمتلىء فضائياتنا في هذه الايام بالمسلسلات الرمضانيّة وكلها حبّ وخيانة زوجيّة وعِشق خارج القفص وفساتين من باريس كما : الحبّ الحقيقي ، الحبّ جنون ، الحبّ لا يفهم الكلام ، حدوتة حُبّ ، سيرة حبّ وجوليا والحبّ وتانغو الحبّ … ووقتنا والذي من المفروض ان يكون ثمينًا يُهدر جزافًا في اغلب الاحيان في مشاهدة هذه المسلسلات التي تجرح المجتمع ومشاعره وتحكي فقط عن الزواج والحبّ والخيانة والحب المحرّم وكأن الشرقيّ يعيش البحبوحة ولا ينقصه الا الحبّ يتمرغ فوقه وعليه ، فلا نفايات ، ولا جوع ، ولا مشاكل في الكهرباء والصحّة والحياة برمتها..نعم الكل متوفّر وبوفرة فلا بأس من التمرّغ وصرف وقتنا في ” النعنفة”..
قبل عدّة أيام وبالصدفة تابعتُ مع زوجتي أحد المسلسلات إيّاها وإذا صبيّة سوريّة جميلة كما العادة تنحني الى الارض لتلتقط فيما أذكر عقدًا سقط منها ، فتكشّف النقاب عن وجهها …فيا للعار والشنار ويا للهول ويا للمصيبة العظمى !!! فقد شاهدها شاب كان هناك وتبادل معها النظرات .. ولم ينته الامر عند هذا الحدّ ويا ليته انتهى، فالطامة الكبرى أنّ احدى السيّدات رأت هذا المشهد “الحرام” فحملته الى الحارة بنسائها ورجالها وأطفالها ، فملأ الاستياء والقيل والقال كل نفس وانتفضت الحارة وثارت كما فارت الدماء في العروق .
وقضيت ثلاثة أرباع الساعة من العمر في قضية الوجه المكشوف والعينين المكحولتين والشاب ّ مختلس النّظَر.. هذا الوجه وهذه العينان التي التقت صدفة او عن غير قصد بعينين خشنتين كانت مدار الاحداث في ذاك المسلسل الذي نسيت اسمه !
حقيقة.. بحر من المسلسلات يجعل الغوّاص الماهر والمتمرّس ان يغرق ؛ مسلسلات كلّها تصبّ في ذات الفكرة : المرأة ، الزواج ، الإشاعة ، الطلاق ، الخيانة الزّوجيّة ، الزواج من ثانية وثالثة والعادات الجميلة !!!! التي أكل عليها الدّهر وشرب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ماذا تفيدنا هذه المسلسلات في هذا الزمن الراكض نحو الاختراعات في كلّ ساعة ، ونحن خاملون نلوك الماضي ونجترّه ونبكي الفقر والفقراء ، في حين نصرف ملايين الدولارات عليها هباءً منثورًا ، وكان بمقدورنا أن نوزّعها على فقراءنا الذين ملأوا الأرض والبحار.
لقد بات الأمر عادةً وادمانًا ومخدِّرًا ، وأضحت القنوات الفضائية المزروعة في شرقنا بكثافة مهولة ، أضحت إمّا للمأكولات والطبخ وإمّا للمسلسلات البائتة التي تعدو بنا الى الوراء والى رسم الواقع بالوان الخيال.
شرّ البليّة ما يُضحك ! فنحن نضحك على نفوسنا وعلى شعوبنا ، فنلوك الماضي ولا نتجرّأ أن نقابل الحاضر والآتي لئلا نظهر في عين الشمس والحقيقة ، ولئلا نُصدَم ، فحالنا بائس وأكثر ، وحالتنا تستدرّ العطف والشّفقة …
حمدًا للربّ دومًا ..وحمدًا جزيلًا له لأنّنا سنعيش بدءًا من الرابع عشر من هذا الشهر( حَزيران) سنعيش عرس المونديال في سانت بطرسبورع وموسكو، فعلى الأقلّ هناك مُتنفّس وبارقة أمل وهناك مخرج ، فمباريات كرة القدم فيها من الزركشة شيء جميل، ففيها ميسي ورونالدو وصلاح وكروس وغيرهم …شهر جميل وعرس انيق يأخذك بعيدًا بعيدًا الى العطاء والبذل والمنافسة الشريفة والجهاد الحَسَن ،
وأخيرًا أقول – وأنا أعلم أنّ هناك من سيخالفني الرأي – أنّ هذه المسلسلات او معظمها بزخمها وفيضانها تسرق أحلامنا منّا وتدفن آمالنا وطموحاتنا وتزرع في نفوس شبابنا وصبايانا روح الكسل والخمول والخيانة الزوجية والعشق المحرّم وتصوّر لنا الدنيا باّنها جنّة عدن فالكل جميل وكلهن ساحرات فاتنات يرفلن بالفساتين الباريسية ويتأنقّن ويتبرجن ويتبخترن بدلال فلا هموم ولا يحزنون .
قال احدهم مرّة : أوهام…
زهير دعيم