هذيان الصباح
تاريخ النشر: 24/06/18 | 14:05هي بضع ساعات قليلة استرقتها من جيب الليل حتى تمكنت من النوم بعد أن تصالحت مع سريري، انتزعتني من فراشي صرخات الأرض المجاورة لبيتي، لا يفك ذاك العامل ينهش جسدها ويمزقه بتلك الآلة اللعينة(القمبريصة) يبتر أعضاءها، يصفع وجهها، تاركا فيه ندوبا قبيحة، فتصرخ غاضبة معترضة على هذا الجور، دون أن يستجيب العامل لصرخاتها.
صرخاتها تلك تتسلل إلى رأسي تملؤه ضجيجا، أفتح عيني الدبقتين لبرهة بصعوبة بالغة، أتحسس جسدي، وجهي، كل شيء مكانه كما أودعته ليلا إلا رأسي لا أجده، تحتل مكانه صخرة كبيرة، تشدها جاذبية قوية نحو الأرض، وأما عيناي أحيلتا إلى حجارة قُذفت بمغيطة بعيدا خارج حدود وجهي، تتحسسان طريق العودة إلى مقدمة وجهي عبثا، يضلان الطريق.
هناك فكرة خبيثة تتسلل إلى يدي تمسكها، تجبرها على تحسس السرير والكوميدينا والجوارير باحثة عن قلم وورقة فلا تجد، تجبرها على انتزاع تلك الصخرة وذاك الجسد والنهوض من السرير، تنسى أن عيني ضلتا الطريق، أسير بلا عينين، لا شيء أراه سوى العتمة، سواد كثيف، أنزل الدرج أتوجه صوب غرفة المكتب، وتواصل الفكرة حث يدي على البحث عن قلم حتى أجده غاف في زاوية المقعد، تنتزعه يدي من غفوته وتعود بي حيث أتيت إلى سريري، أتمدد، أسند ظهري، كيف استطعت السير دون أن تخونني قدماي وأتعثر؟!
الآن أنا ممدة، أحمل صخرة بين كتفي، وحجرين فارين منها كانا يوما مصدر ضوئي.
ينهض قلمي متثاقلا، يرتدي أصابعي، يخاطب الفكرة التي أرقتنا جميعنا:
– ماذا الآن؟ ماذا تريدين من وراء هذه الجلبة كلها؟
– أريدك أن تقتل إحدى شخصيات الرواية التي بدأتها سماح منذ فترة قصيرة.
– هل جُننت؟ ألا يكفي أنك أقنعتها بهجر روايتها الأولى وعدم تقديمها للقراء بحجة أن بنيتها ضعيفة وأن عليها أن تنتظرها حتى يشتد عودها؟ والآن تريدينني أيضا أن أغدر بأحد شخصيات روايتها التي شُفيت من مرضها أخيرا. لا لا يمكنني ذلك، عليك أن تستشيري سماح.
– كيف أستشيرها؟ انظر إليها إنها بلا رأس ولا عينين، مغيبة تماما عن الوجود، يجب أن أقتنص هذه الفرصة وأقتل البطلة قبل أن تستعيد رأسها وعينيها وتعود بذاكرتها إلى الوجود، وتتعاطف مع شخصياتها فأنا أعرفها جيدا، قلبها رقيق ولا يمكن أن تسمح بقتل البطلة.
– وأنا لا يمكنني ان أغدر بها، دعينا ننتظر.
تعود الفكرة إلى مخدعها خائبة، تعيد يداي أعضاء جسدي مكانها مرتبة على السرير، تضع تلك الصخرة على الوسادة، تستقطب الحجرين اللذين ضلا طريقهما، تعيدهما مكانهما.
– نامي الآن يا سماح واطمئني عزيزتي، شخصيات روايتك لا زالت بخير.
سماح خليفة/فلسطين