القائمة المشتركة و”المثلية الجنسية” في الكنيست
تاريخ النشر: 01/07/18 | 15:49عرفت المجتمعات البشرية ظاهرة “المثلية الجنسية” منذ بداية تكوّناتها الاجتماعية، بيد أن شعوب الأرض لم تتفق على موقف موحّد إزاءها؛ فشواهد التاريخ تظهر تباين مكانتها واختلاف طرق استيعابها وتعريفها.
فهل هي مرض ؟ أم نزعة مكتسبة؟ أم حالة/ جينات مولودة مع صاحبها، تمامًا كلون العيون او لون البشرة؟
قد يكون الخوف على انقطاع النسل، منذ البدايات، سببًا لاستعداء الظاهرة واحتسابها “شذوذًا” ؛ مع أن البشرية عرفت حقبًا استساغت مجتمعاتها وضع المثليين والمثليات كمعطى اجتماعي مقبول، فخلّدت أدابُها وفنونُها قصصَ هؤلاء العشاق لمعشوقيهم والعاشقات للمعشوقات، ومنهم الأميرات والمغنيات والشاعرات والابطال والفلاسفة وكبار القادة وأشهر الحكام.
في الماضي وقبل التاريخ حرّمت الديانة اليهودية ” الجماع المثليّ” وأثّمت من يمارسه، ثم تبعتها الديانة المسيحية فأبقت على ذلك التحريم، مع أننا شهدنا مؤخرًا تبديلًا طفيفًا في موقف البابوية في هذا الشأن . وتلاهما الاسلام، رغم تباين مواقف الفقهاء حول مصير من يضبط متورّطًا بهذه “الخطيئة”.
لن نعالج في هذه المقالة كيف ولماذا حاربت بعض المجتمعات هذا “الشذوذ” وكيف، بالمقابل، تكيّفت، أحيانًا، معه وتساهلت مؤسساتها مع من يمارسه؛ لا سيّما إذا عرفنا أن حجم انتشار الظاهرة، في عصور عديدة، واختراقها لمجتمعات الشرق والغرب على حد سواء كان كبيراً؛ وكذلك إذا قرأنا ما توصل إليه علماء اليوم ونتائج أبحاثهم التي ينزع معظمها، من دون تأكيد علمي قاطع، إلى أن الإنسان لا يختار “شذوذه” المثلي إراديًا، إنما يولد معه، سواء مع جينات خاصة أو عن طريق أي تفاعل فيسيولوجي دماغي أو غيره.
البعض لا تثيره الدراسات الغزيرة التي شهدها عصرنا رغم مسعاها إلى سبر غور الظاهرة وتشخيصها علميًا وكشف مسببات حدوثها ؛ ويصرّ هؤلاء أن لا فائدة من وراء التفتيش عن “مسبب حصول الحالة” لأن من حق المثليّ/ة في عصرنا أن ينادي ويقول : “من حقي بأن أكون مثليّاً، سواء وُلدت هكذا أو صرت هكذا بعد ولادتي”.
بهدي هذا النداء وبروح عصر الحرّيات الفردية، بادر النائب الجبهوي دوف حنين إلى سن قانون يحظر التمييز على أساس “الهوية الجندرية” أو “المثلية الجنسية”. مع هذا وباستثناء رفاقة نواب الجبهة الديمقراطية لم يوافقه شركاؤه في القائمة المشتركة ولم يصوّتوا معه.
لم تكن مبادرة النائب حنين الأولى من نوعها; فقبل أعوام نجح بتمرير قانون حظرت بموجبه التفرقة ضد الطلاب في مدارس الدولة على أساس “الهوية الجندرية” أو “الميول الجنسية المثلية” ، أما اليوم فيطمح مشروع قانونه إلى حظر هذا النوع من التمييز لا في المدارس فقط، بل في جميع مناحي الحياة ومؤسسات الدولة والمجتمع.
لم يصوّت نوّاب القائمة المشتركة مع مشروع قانون زميلهم رغم محاولات اقناعهم بأن القضية هي قضية حقوق ومبدأ ، “فجميع بني البشر سواء رغم اختلافاتهم ..” كما أكدت لهم النائب عايدة سليمان توما مضيفةً، ربما في إشارة إلى مواقف زملائها في القائمة قائلة “أنا اعتز بهذا الموقف وأستغرب وأستهجن التساؤلات والجدل الذي يدور حول المفهوم ضمنًا بنظري أن يحصل الناس على حقوقهم وفرصهم بشكل متساوٍ وعادل”.
بعكس نواب الجبهة فانّ الشريعة الاسلامية وتعاليمها تحدد موقف نواب الحركة الاسلامية من قضية المثليين، ولذلك فقد عارضوا المبادرة ولم يصوتوا معها.
كلا الموقفين متوقعان, فنوّاب الجبهة كانوا أمينين على مبادئهم من قضايا “الأقليات المضطهدة “وقضايا” المختلفين الآخرين “وعلى ضرورة دعم مساواتهم” كما أكد النائب حنين، حين صرّح بأن حظر التمييز ضدهم “يجب أن يكون مطلقًا وبدهيًا عند كل انسان يسعى للعيش في مجتمع سليم ويعامل أفراده باحترام كبني البشر” . وبالمقابل متح موقف الحركات الإسلامية ، كما قلنا، من عقيدتهم وايمانهم بأن المثلية، الذكورية والأنثوية، هي حالة شذوذ مرفوضة، أو كما عبر عن ذلك النائب مسعود غنايم موضحًا: “نحن ضد هذه الظواهر والمظاهر، ولا نؤيدها بأي شكل من الأشكال” .
غاب موقف الحركة العربية للتغيير عن المشهد، ويبدو أن قادتها آثروا الاستجارة بخيمة الصمت أو “الجلوس على السياج” في موقف ضعيف يفيض “ديبلوماسية مزركشة” وهشّة, لكنه حتمًا سيحسب عليهم. بينما لم يكتف نوّاب حزب التجمع بالامتناع عن التصويت، بل حاولوا تبرير قرارهم بما يعتبره كثيرون “كعذر أقبح من ذنب” ، وذلك بعد أن أوضح رئيس الحزب النائب جمال زحالقة في موقف هلامي ، أنهم “ليسوا مع القانون وليسوا ضده” !! فهذه المسألة “ليست من أولوياتنا”.
قد يعتقد البعض فعلًا أننا في صدد مسألة هامشية، خاصة إذا عدّدنا أصناف المخاطر الجسيمة التي يواجهها المواطنون العرب في إسرائيل؛ لكنني، لا أوافق هؤلاء بل أرى أن الاختلاف حول هذه المسألة، كما مارسته القائمة المشتركة، والنظر في خلفياته ومبرراته، كما أعلنت أو كما أخفيت، يعكس، كما قلت مرارًا، استحالة تحول هذه القائمة المشتركة إلى قوة سياسية مؤثرة وقادرة على الدفاع عن حقوق المواطنين العرب في إسرائيل، وهي إذا لم تتغير جوهريًا ،كما اقترحنا مرارًا، ستبقى عاجزة عن حماية المجتمع وانقاذه من سوء المصير .
الدفاع عن الحريات الانسانية الأساسية لا يتجزأ؛ ومن يبرر رفض وقوفه ضد التمييز بين مجموعات من البشر بتحسس مفرط وخضوع لذهنيات وتقاليد موروثة، لن يكون قادرً ا على الدفاع عن حريات الجماهير المستضعفة، ومن يهادن جيوبًا يحسبها من مصوتيه في المستقبل قد تنزعج من قضية ما زالت تعتبر ملتبسة الجذور بعد أن قيّدتها محابر الزمن الأغبر ، في سجل ” التابوهات” المحظورة، سيجد نفسه حبيس تلك “الجيوب” وأسيرًا في عراها; ومن لا يقف إلى جانب “المختلف” و”الآخر” في محنته ومن أجل حريّته على جسده وأحلامه، سيبقى هو “الآخر المختلف” المهزوم على أرصفة العجز والأوهام.
يصرّ البعض أن يبقي قضية الجندرية والمثلية في أقبية الخيام وعلى الاسرّة في غرف النوم، وآخرون يسوّقون حروبهم الطاحنة ضدها بذريعة كونها سلعة غربية امتهنها الاعداء عبر الزمن السالف، ويمارسها اليوم الكفار؛ وعلى الرغم من رواج دعاياتهم وطغيانها في بعض المساحات، ستبقى الحقائق نزيلة في خزائن الأدب ومحفورة في بطون التاريخ؛ فقوائم الكتب العربية التي تعاطت مع تاريخ معاشرة الذكور للذكور وفنون حب السحاقيات والغزل في الغلمان والجواري، لا يعد ولا يحصى .
كما بدأنا سنختم ونقول: تاريخ البشرية مليء بقصص المثليين والسحاقيات وبانتشار الظاهرة في بعض المجتمعات وبملاحقتها في أزمنة أخرى. لن نعود الى زمن الفراعنة ويكفي أن نتذكر عهد افلاطون وجميع فلاسفة الإغريق ثم الاسكندر المقدوني، ومرورًا بعهد الرومان وفارس حتى شيوعها في قصور بني امية وبني العباس والفاطميين والموحدين والمرابطين وغيرهم؛ فمن امبراطورية لأخرى أضحى حب الغلمان إسرافًا في الترف وعلامة من علامات المجتمع المخملي وازدهاره في قصور الأغنياء والأمراء وقصائد الشعراء.
لم تعد أخبار تلك الليالي والأيام مكتومة لأنها تملأ صفحات الكتب والمجلدات وذلك من “زمن التبر” حتى زمن ” الخبز الحافي” .
المثلية الجنسية ليست مرضًا ولا شذوذًا، وهكذا يجب أن يتعامل معها كل من لا تملي عليه عقيدته الدينية موقفاً مغايراً. وهي ليست من أمور “السلطان” ولا من شأن الأفراد ، وإذا قبلنا ذلك سيصبح تخيّلنا لما يقوله لنا المثلي/ة سهلًا؛ فهو مختلف عنا ولا يريد منا حسنة أو قناعًا ولا أن ننمطه في خانة من الخانات، بل يطالبنا وبكل بساطة بأن ندعه / ندعها يعيش/ تعيش وأن لا نقرر عنه ومن أجله؛ فالمثليون يعيشون بيننا ومثلنا، وكثيرون منهم عاشوا ويعيشون كأصدقاء لنا، فرحنا لأفراحهم وبكينا لأوجاعهم وحزنّا عندما فارقونا ورحلوا.
فلماذا عندما تصيرون قادة و”سياسيين” تتنكرون لذواتكم ؟
جواد بولس