نتائج اجتماع الخماسية الدولية.. والتحول الأبرز في العلاقات الدولية
تاريخ النشر: 14/07/18 | 7:22الخماسية الدولية تعزل أميركا في معركة الحفاظ على التزام العالم بالاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الايرانية، هذا ما يمكن أن نستنتج من الاجتماع الخماسي للدول الموقعة على الاتفاق وهي روسيا،الصين،بريطانيا،ألمانيا وفرنسا،التي اجتمع وزراء خارجيتها بحضور وزير الخارجية الإيرانية ومسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي، لتقرير مدى استعداد الاتحاد الأوروبي بالالتزام بتطبيق الاتفاق وترجمة ذلك إلى خطوات عملية تقطع الطريق على قرار واشنطن تدمير الاتفاق عبر فرض عقوبات اقتصادية ومالية على إيران وكل شركة دولية ترفض الانصياع لمثل هذا القرار وتستمر في التعامل مع إيران.
ومن يدقق في نتاىج الاجتماع الخماسي، بدلا من الاجتماع السداسي، الذي كان يضم اميركا، يتبين له عدة نتاىج هامة تشكل نجاحا للدبلوماسية الإيرانية من ناحية، وضربة موجعة للسياسة الأميركية التي أردت أن تجر الدول الأوروبية وراءها بإجبارها على الخروج من الاتفاق النووي والالتزام بفرض الحصار الاقتصادي والمالي على ايران، وهذه النتائج يمكن تلخيصها بالاتي:
النتيجة الاولى: نجاح طهران في دفع الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي في حسم موقفها من مسألة استعدادها مواصلة الالتزام بتنفيذ الاتفاق وبالتالي تأمين كل الضمانات العملية التي تترتب على ذلك. وتجلى ذلك في البيان الذي صدر عن اجتماع القوى الخمس الكبرى المشاركة في الاتفاق النووي بعد مفاوضات مع ممثلين عن إيران في فيينا والذي اكد التزام هذه الدول بتنفيذ كامل وفعال لجميع بنود الاتفاق النووي وبذل جهود مشتركة للحفاظ عليه. وقد جاء البيان الختامي الصادر عن الخماسية الدولية عددا من البنود الهادفة لحماية الاتفاق وتعويض طهران عن الخسائر المترتبة على انسحاب الولايات المتحدة منه، وأهمها:
– مواصلة توريدات النفط والمنتجات النفطية والبتروكيميائيات والغاز من إيران.
– حماية مصالح الشركات المستثمرة في إيران من التبعات الناجمة عن العقوبات الأمريكية، لا سيما الثانوية.
– دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية – التجارية مع إيران وتوسيع نطاقها.
-الحفاظ على القنوات المالية الفعالة مع إيران ودعمها.
-العمل مع الشركاء الدوليين لإنشاء آليات لحماية الروابط الاقتصادية مع إيران.
-دعم عملية تحديث مفاعل “آراك” وتحويل منشأة “فوردو” إلى مركز نووي وفيزيائي وتكنولوجي.
-تحل بريطانيا محل الولايات المتحدة بصفة الرئيس المشارك (إلى جانب الصين) في فريق عمل لتحديث مفاعل “آراك” للأبحاث.
-تحديث ولاية بنك الاستثمار الأوروبي من أجل مواصلة الإقراض الخارجي لإيران التفافا على العقوبات الأمريكية السارية.
-استمرار التعاون مع إيران في مجال المواصلات البرية والبحرية والجوية.
وفي حال تم تنفيذ هذه البنود فإن ذلك سوف يقنع إيران بجدوى مواصلة الالتزام بالاتفاق طالما أن مصالحها قد جرى احترامها وتأمينها.
النتيجة الثانية: تحول الخماسية الدولية لتكون أول إطار دولي يضم الدول الكبرى المؤثرة من دون الولايات المتحدة الاميركية، التي أصبحت في مواجهة مباشرة، ليس فقط مع الصين وروسيا، وإنما أيضا مع الدول الأوروبية الحليفة لها والتي جعلها موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالخروج من الاتفاق النووي، في مواجهة مباشرة معه لأنه لا يحترم الالتزامات الدولية من جهة ولا يأخذ بالاعتبار مصالح أوروبا من جهة ثانية.ولا حتى يستشيرها. هذا الوضع الدولي يحصل للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ونشوء الحلف الأميركي الأوروبي في مواجهة الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية.
النتيجة الثالثة: وضع اول خطوة عملية في طريق كسر النظام الاقتصادي والمالي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وأهمية هذه الخطوة تكمن في أنها تأتي في لحظة دولية فاصلة تسعى فيها مجموعة دول البريكس بقيادة روسيا والصين الى تأسيس نظام دولي اقتصادي ومالي جديد يضع حدا لنظام الهيمنة الاميركي.
النتيجة الرابعة:وضع أميركا في ما يشبه العزلة الدولية. فهذه هي المرة الأولي التي تقف فيها الدول الكبرى بما فيها اوروبا في ضفة، وأميركا في ضفة أخرى كون الاخيرة تعمل على الضرب عرض الحائط مصالح هذه الدول مجتمعة.
النتيجة الخامسة: حصول الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ما يشبه الإجماع الدولي في التصدي للحصار الأميركي الذي يسعى ترامب إلى فرضه على إيران، فهذا الموقف الدولي يمكن إيران من مواصلة تصدير نفطها وبالتالي الحصول على عاداته من العمليات الاجنبية، وقد جاء موقف الهند لعزز موقف الخماسية الدولية حيث أعلن وزير خارجيتها دارمنرا برادان “بأن العقوبات الأميركية تشكل تحديا وان مصالحنا الوطنية تأتي في الأولوية وقرارنا سيكون وفقا لها”. هذا الموقف الهندي يجعل مهمة ترامب لفرض الحصار النفطي على إيران مهمة صعبة التحقق لاسيما وأن أحد الرهانات الأميركية في بلوغ هدفه هو استمالة الهند.
النتيجة السادسة: إن التمرد الأوروبي على القرار الأميركي بالسير في العقوبات ضد ايران ساعد عليه إعلان ترامب الحرب التجارية ضد الدول الأوروبية وهو ما دفع الأخيرة أيضا إلى الاقتراب أكثر من الصين لتوطيد علاقاتها في مواجهة هذه الحرب. وتجلت ذلك في الزيارات المتبادلة للمسؤولين الصينيين والأوروبيين وآخرها زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لي كيكيانغ إلى المانيا والذي أوضح أن تبادل الزيارات “تعكس العلاقات الجيدة بين البلدين وتطلعاتهما المشتركة لتعاون اوثق”. فيما عبر رئيس قطاع التجارة الخارجية في غرفة التجارة والصناعة الألمانية فولكر تراير عن أبعاد هذا التطور في العلاقات الثنائية بالقول:”بعدما تزايدت صعوبة العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية بصفة مستمرة أصبح عملاق الاقتصاد الآخر، الصين،حتما أكثر أهمية بالنسبة إلينا”.
في ظل سياسة إدارة ترامب القائمة على محاولة إخضاع العالم للسير وراء سياساته الأحادية في السياسة والاقتصاد ضاربة بذلك مصالح جميع الدول بما فيها الدول الأوروبية الحليفة لاميركا، من البديهي أن تندفع الدول الكبرى المتضررة من هذه السياسة الأميركية إلى الانتفاضة ضدها، والتكتل والتعاون لحماية مصالحها الاقتصادية، ولهذا يصعب على واشنطن إخضاع العالم لرغباتها، بل أن هذه السياسة الأميركية تعجل في إسدال الستار على زمن الهيمنة الأميركية، ورسم خارطة دولية جديدة. والطبيعي أن تستفيد إيران من ذلك، وهو ما كان في صلب قرارها البقاء في الاتفاق النووي طالما بقيت أوروبا ملتزمة فيه، لأن ذلك يساعد على زيادة الشرخ في العلاقات الأميركية الاوروبية، وهذا ما بدا من اجتماع الخماسية الأخير الذي أكد التمسك بالاتفاق النووي والوفاء بالالتزامات التي ينص عليها. إنه التحول الأبرز في العلاقات الدولية.
حسين عطوي – الوطن