ماذا بعد اعادة الطفل المختطف؟
تاريخ النشر: 15/07/18 | 12:36من حق الجمهور ان يعرف الحقيقة كاملة
لا شك ان الفرحة التي عمّت المجتمع العربي بشكل عام والمشاركين بموكب استقبال الطفل كريم العائد الى حضن عائلته يوم امس، كانت فرحة تلقائية، عفوية تنم عن مشاعر صادقة، ولم يعب على هذه الاحتفالات الآ حركات جذب الانتباه التي قامت بها بعض الشخصيات الاعتبارية التي تواجدت في المكان. ومن حسن حظ هذه الشخصيات ان الشاعر احمد مطر قد رحل منذ سنوات، ولو عاصرها، لتحرك قلمه، حتمًا، ليكتب وصفًا دقيقًا لهذه الحالة، وقد يدرجها في مربع قصيدته “لن انافق”. وقد تكون مشاعرهم صادقة ولكن تصرفاتهم وحركاتهم وصلت احيانًا الى حد التهريج، علمًا انه لم يكن لهم أي صلّة بتحرير الطفل من بين يدي خاطفيه والفضل بذلك يعود للحاج كريِّم الجاروشي، الذي تسلم زمام الأمور وبالتنسيق مع الشرطة وكان حلقة الوصل ما بين سلطة القانون وبين الخاطفين وهو اول من اعلن قائلًا ” قلنسوة بايدينا” بعد ان استلم الطفل من الوسيط الفلسطيني مستوحيًا ذلك كما يبدو من مقولة الجنرال الإسرائيلي “موطي غور” بعد احتلال الأقصى “جبل الهيكل بايدينا”، ومن ثم اتبعها بصورة سيلفي مع الطفل. إعادة الطفل كريم سالمًا يعتبر انجازًا شخصيًا للحاج كريِّم الجاروشي وسلط عليه الأضواء، ويبدو ان هذا الامر زجّ هذه بالقيادات الى زاوية ضيّقة وابعدها عن مركز الاهتمام والحدث الحقيقي وشعور بالعجز وتضييع فرصة أخذ دور البطولة الرئيسي واكتفوا بادوار ثانوية الامر الذي دفعهم للظهور كما ظهروا يوم امس ولربما بهدف التنفيس عن خيبة أملهم وربما لكسب النقاط في وسط الجماهير المتواجدة في المكان والأخرى المتابعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام، وهذا وصل الى حد التهريج ولا يخفى على احد ان التهريج في السياسة سببًا بتخلف العملية السياسية العربية التي حولها البعض الى مسرحية “العيال كبرت.
والآن عودة الى عملية الاختطاف التي اشغلت الراي العام في البلاد على مدار عدة ايام، وبعد ان انتهت دون الحاق اي ضرر جسدي بالطفل المخطوف وبالمقابل حتمًا تركت ضررًا نفسيًا لديه قد يلازمه كل ايام حياته. بعد كل هذا علينا ان نسال ماذا بعد ولماذا حدث هذا؟ اليس من حقنا نحن الجمهور العريض الذي عاش مأساة الطفل وعائلته بكل جوارحه وتعاطف معهم بكامل قواه؟ ولماذا اقدم الجناة على اختطاف هذا الطفل دون سواه؟ واذا كان هدف الاختطاف الحصول على فدية مالية، لماذا اختاروا هذه العائلة بالذات دون غيرها وكلنا نعلم ان هناك المئات بل الالاف من رجال الاعمال والمقاولين ميسوري الحال والاغنياء الذين يتنقلون بحرية هم وعائلاتهم دون حراسة او مرافقة امنية؟
اليس من حقنا ان نعرف الحقيقة والحقيقة فقط ولا نطلبها من اعضاء الكنيست ولا ننتظر منهم الوقوف مع الحق وسيصمتون كما صمتوا ازاء فساد لجان الحج والعمرة والقضاء الشرعي وغيره.
لن نطلب الحقيقة من ادارة بلدية قلنسوة لان لها مصلحة سيما وان الانتخابات على الابواب، ولن نطلبها من الصحافة العربية والاسباب معروفة ولا حاجة لذكرها علمًا ان الصحافة هي كلب الحراسة على الديموقراطية وراس الحربة بمحاربة الفساد بشتى اشكاله، ووظيفتها ان تضع الحقيقة بين يدي الجمهور انطلاقًا من مبدا حق الجمهور ان يعرف.
ولن نطلبها من الشرطة والتي كان عليها ان تتصرف كما تتصرف في احداث مماثلة في المجتمع اليهودي وعلى سبيل المثال اقامة غرفة عمليات ميدانية وتنظيم مؤتمر صحفي بعد العثور على الطفل المخطوف…ولكن يبدو ان الشرطة لم تفعل ذلك تجنبًا للاسئلة المحرجة التي قد يوجهها لها الصحافيون لليهود (واؤكد على اليهود) ومن هذه الاسئلة المحتملة كيف ولماذا اختارت الشرطة التعاون مع الحاج كريِّم الجاروشي؟ او ليس هذا يدل على عجز الشرطة؟ وما هي المعلومات المتوفرة لديها حول الدافع للقيام بعملية الاختطاف ومنها الاحاديث التي يرددها الشارع على خلفية نزاع مالي؟ ولا بد من الاشارة الى ان من تابع تسلسل الاحداث ودقق فيها لا بد ان يستنتج انه ومنذ الوهلة الاولى من وقوع عملية الاختطاف كان هناك “طرف خيط” حول هوية الجناة المشتبه بهم بتنفيذ الاختطاف وهذا مما سهل عمل الشرطة التي اعتقلت بعضهم في منطقة باب الواد اثناء عودتهم من منطقة القدس والتي احرقت فيها السيارة التي نفذت عملية الاختطاف وكانت تحمل لوحات ترخيص مزيفة..
هذه الاسئلة قد يكشفها للجمهور رجل واحد فقط الآ وهو الحاج كريِّم الجاروشي الذي سهر الليالي وتكبد عناء السفر وبذل جهدًا كبيرًا وواجه للخطر حتى تكللت جهوده بالنجاح بتحرير الطفل، وباستطاعته اظهار الحقيقة وازالة الاسباب التي ادت الى عملية الاختطاف.
وكلمة اخيرة لا بد منها اذا كان مجسرًا واحدًا قد نجح بحل مشكلة تعتبر من اصعب المسائل التي عصفت بالمجتمع العربي، هل هناك حاجة لوجود ثلاثة عشر ممثلًا عربيًا في الكنيست؟!
كتب سعيد بدران