بعمرِ الأربعين تدرك ما فات من سنين وتشعر ما اضعت من حنين
تاريخ النشر: 24/07/18 | 15:53في تاريخ ميلادك من عام الى عام، تقف بينك وبين نفسك، تسأل، غالباً مع فنجان قهوتك الصباحية يجوب في خاطرك وتسأل وتتسائل بأهم الاسئلة، ماذا فعلت؟ ماذا انجزت؟ وماذا علي بعد ان انجز، وماذا حققت من طموحاتك واحلامك والتحديات التي واجهتك في الدنيا والتي حتماً ما زالت تواجهك.
في السنين الأولى لسن الاربعين، اي في المنتصف الأول من الأربعين، تشعر في الكثير من التغيرات، الإيجابية والأقل ايجابية، او بلغة اخرى السلبية والمحبطة، واكثر ما قد يلفت نظرك هو التغيير الذي حتماً يحصل في جسمك وفي صحتك وحتى وان كانت صحتك جيداً جداً وعلى ما يرام، فهناك تغيرات لا بد منها، فمثلاً نظر العين في هذا الجيل يضعف، لكن الرؤيا حتماً تبدو اوضح، والنظرة اي نظرة تكون حتماً ثاقبه، التعب يبدو عليك بعد عمل ساعات قليلة خاصة إن عملت عمل جسدي، لكن النشاط يستمر وربما يزداد، وتنفيذ المهامة تكون بشكل منظم، والأوضح من كل هذا وذلك فإن ظاهرياً الشيب يحتل شعرك ويغير لونه شئت ام ابيت، وان لم يكن الشيب فإن تساقط شعر الرأس يصل اوجه في هذا العمر، لكن لون نمطك يبدو اوضح ولونك يبدو افضل مما كان من قبل.
في هذا السن، وهو الوحيد الذي خصه الله تعالى بآية في القرأن الكريم حيث قال في الكتاب العزيز “حتى إذا بلغ اشده وبلغ أربعين سنة” وربما ليس صدفة ان الاشياء الهامة والكبيرة تأتي في هذا الجيل، فنبوئة الرسول العربي الكريم نزلت عليه من الله تعالى في سن الأربعين، ففي هذا السن يشعر الشخص وكأنه على قمة جبل ينظر الى السفح الأول فيرى طفولته ومراهقته وشبابه، واحياناً يرى كبر سنه وشيخوخته، ويجد بلا شك ان جزء كبير من شبابه لا يزال في اعماقه، وكأنه يعمل في منجم كلما تعمق اكثر يجد خامات جيده اكثر.
في هذا الجيل وكان الأربعيني يقف على سفح جبل ينظر الى السفح الآخر من الجبل ليجد ما تبقى من مراحل عمره ويدرك حتماً كم هو قريب منها.
إنه العمر الذي يكون الإنسان قادر فيه على ان يفهم ربما كل الفئات العمرية ويعايشها ويتحدث بمشاعرها يفهمها وتفهمه.
فانت تتحدث مع الاطفال بمنطق الاب وحنينه وتفهمه لاطفاله، وكل طفل قد يذكرك بان لك اطفال، وانهم ينتظروا عودتك الى البيت.
وانت تتحدث مع المراهقين كونك لا تبعد عنهم كثيراً، فانت تسمع منهم كلمة “عمي”، وهنا فأنت تبتسم بينك وبين نفسك وتقول هل انا فعلاً اصبحت كبير في السن؟ ولماذا ينعتوني هكذا؟ وتحاول ان تغضب لكن سرعان ما تهدأ..
وانت تتحدث من الشباب حتى جيل الخامسة والثلاثين كونك ما زلت تنتمي اليهم، وانت تتحدث من جيل الخمسين كونك قريب اليهم، وانت تتحدث الى جيل الستين كونهم ينظرون اليك انك قريب اليهم.
من لم يصل الى سن الأربعين، بعد ويقرأ هذا المقال، قد يفهم لكن من الصعب ان يتفهم حتى ان يصل اليه، ومن قد مر في هذا الجيل حتماً سيقرأ يفهم يتفهم ويبتسم، لأنه عاش وعايش هذا الشعور وهذا الاحساس.
غالباً المنتصف هو اكثر الأمور ايجابية، والنصف الأول من سن الأربعين هو نوعاً ما منتصف الأشياء، فالناس تبدأ بالنظر اليك شخص واعي وناضج، تستمع الى حكمة بالحياة، الى تجربتك، وتمنحك الثقة.
بلا شك فإن الأمور ليس بهذه الأمور الوردية وهناك تحديات ومشاكل ومصاعب، وهناك مسؤولية تجاه بيتك وعائلتك، وهذا من اكبر التحديات التي قد تكون في هذا الجيل.
فأنت تبدأ بالتفكير بمستقبل اولادك وتعليمهم الأكاديمي، تبدأ بوضع امورك الشخصية في اسفل سلم الأولويات، لأن اولادك وعائلتك والدك ووالدتك تراهم بمكان يسبقك، علماً انك تبدأ بممارسة هوايات التي طالما فطرت فيها، علماً ان هناك من ينظر الى هذه الهوايات على انها تصرفات مراهقين نوعاً ما او ما يسمى جهلة الكبر.
من السهل اصداء النصائح في كل موضوع، لكن الصعب تطبيقها، لكن النصيحة الأولى والاخيرة ومن تجربتي في الحياة اهتموا بصحتكم، اكثروا من الضحك، وقللوا من الغضب، باقي امور الحياة ستأتي وتترتب يوماً ما.
جلال بنا