مع كتاب ” أدب السجون ” للدكتورة لينا الشيخ حشمة
تاريخ النشر: 30/07/18 | 0:00الكتابة عن التجربة الاعتقالية ليست جديدة في المشهد الثقافي العربي والفلسطيني، لما تمثله من صورة حية وواقعية للمعاناة في الزنازين المعتمة وخلف القضبان الحديدية. وتبقى الكتابة الابداعية للسجناء الفلسطينيين هي الأكثر شمولية من حيث الكم والكيف بين تجارب الشعوب وحركات التحرر.
وقد صدرت قديمًا وحديثًا العديد من الدراسات والأبحاث عن الأدب الاعتقالي، منها كتاب خليل بيدس ” أدب السجون ” الذي صدر في زمن الانتداب البريطاني، بالاضافة الى ما اصدرته حديثًا الشاعرة والباحثة الفلسطينية ايمان مصاروة من كتب عن أدب السجون في فلسطين، وما كتبه الباحث الغزي ناهض زقوت عن التجربة الادبية الفلسطينية في المعتقلات الاسرائيلية، فضلًا عن اضاءة كاتب هذه السطور شاكر فريد حسن على أدب السجون، وكتاب ” أدب السجون ” الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وحرره الشاعر والناقد شعبان يوسف وغير ذلك.
وبين يدي الآن كتاب ” أدب السجون في مصر،سورية، العراق- الحرية والرقيب “، للأستاذة لينا الشيخ حشمة، الصادر عن مجمع القاسمي، ومكتبة كل شيء في حيفا، ومكون من ٤٨٧ صفحة.
وصاحبة الكتاب لينا الشيخ حشمة، من مواليد شفاعمرو العام ١٩٧٦، خريجة جامعة حيفا، وهي باحثة وناقدة أكاديمية قديرة عميقة، وطاقة هائلة، وتمثل احدى البيلوغرافيات في الزمن الثقافي الراهن ببلادنا في مجال الدراسات والأبحاث والنقد الأدبي، وذات مستوى أكاديمي وثقافة شمولية وذوق ثقافي رفيع.
والكتاب هو موضوع معدل لأطروحتها للدكتوراة، ويلقي الضوء على أدب السجون في مصر وسورية والعراق بمنهجية أدبية وتاريخية هي الأشمل والأعمق في موضوعها وموضوعيتها، عبر دراسة للخصائص المميزة لهذا الأدب، والعوامل التي ساهمت في خصوصيته الفنية.
واقر أنني فوجئت ببحث الدكتورة لينا، بالعرض والاستنتاجات والاعتماد على الحقائق الموضوعية، واتباع النهج الأكاديمي العلمي، الذي ينسحب على كل فصول الكتاب وأبوابه، وهي لا تترك أي فكرة أو معلومة دون أن تدعمها بآراء الباحثين والدارسين.
وغني عن القول، أننا أمام دراسة غير مسبوقة، ومرجعًا عامًا لا غنى عنه، وبحث يتسم بالعمق والشمولية، ويعتمد على المعايير والمقاييس العلمية البحثية.
يتضمن كتاب الدكتورة لينا شيخ حشمة ثلاثة فصول تناقش الحرية الابداعية وعلاقتها بالثالوث المحرم، السياسة، الدين والجنس، وتتناول سلطة الرقيب في هذه المجالات الثلاثة، والآليات الرقابية المختلفة التي ينتهجها ويمارسها من مطاردة وملاحقة المبدعين والمثقفين والأدباء وسجنهم، ومنع نشر ابداعاتهم ومصادرة كتبهم، وسوى ذلك.
ثم تتحدث عن أدب المعتقل والسجن الذي يكتب خلف الزنازين المظلمة، ويصور ما يعانيه المعتقلون تحت وطأة التعذيب والألم النفسي والجسدي.
ويعالج الفصل الثاني من الكتاب أبعاد أدب السجون خلف النص الأدبي، ويرصد علاقة النظام السائد في الدول المذكورة بالانسان المثقف، وتجارب الكتاب والأدباء الشخصية، فتتعرض لثلاثة حقب في مصر، عبد الناصر والسادات ومبارك، وفي سورية حقبة حافظ الأسد وابنه بشار، وفي العراق عن حقبة صدام حسين. وتشير الى أساليب القمع والقهر والسجن وسلطة الرقابة بأنواعها المختلفة، السياسية والدينية والاجتماعية، وتتحدث عن المرأة وحريتها في هذه الدول والأقطار، منوهة الى عدم مصادرة نتاج أي كاتبة عراقية، لأنها لم تجرؤ على الكتابة في العراق، وانما آثرت الهجرة والكتابة في المنفى، ومثلها فعلت الكاتبة السورية لكن بنسبة أقل.
فيما يتناول الفصل الثالث من الكتاب مضامين أدب السجون وتقنياته الفنية، وترصد آليات القمع والاعتقال كما تجلت في النصوص الأدبية المدروسة، والعلاقة بين السجان والسجين، وصور التعديب الجسدي.
وتختتم كتابها باجمال ما توصلت اليه في بحثها، وتثبت قائمة جداول بالمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها، وهي تجمل ملامج أدب السجون باللجوء الى التوثيق لادانة وتعرية قمع النظام السياسي، وتسليط الضوء على السجين السياسي المثقف الداعي للتغيير الجذري والنوعي، ووصف السجان وعنف الجلادين ووحشيتهم مقابل اصرار السجناء على التمسك بمواقفهم، ولجوء كتاب السيرة الى الأدب التسجيلي لتوثيق الأحداث عبر المذكرات والشهادات اليومية.
ويبقى القول أن كتاب الدكتورة لينا الشيخ حشمة يستحق الاهتمام والقراءة لما يتميز به من جدية الطرح والعمق والشمولية، وهو يشكل اضافة نوعية ويثري المكتبة الفلسطينية.
فتحية من القلب للأستاذة والأكاديمية الباحثة والناقدة لينا حشمة، ومزيدًا من التألق والعطاء المتواصل في مجال النقد والدراسات والأبحاث الأدبية، والى الأمام.
بقلم: شاكر فريد حسن