وهاجتِ الذِّكرى بقلم: زهير دعيم
تاريخ النشر: 31/08/18 | 18:58يوم كان غيرُنا يتهجّأ الحروف والكلمات ، كُنّا ننظم الشِّعْرَ.
يوم كان غيرنا يدرس في الكتاتيب ، كُنّا نكتبُ النجاوى والخواطر والقصص القصيرة، فنلوّن أديم حياة الشّرق بالإبداع والقيم والشّمائل .
يوم كانتِ الأميّة تبسطُ هيْمنتها على الشّرق، كُنّا في نادي الشّباب الارثوذكسيّ في عبلّين نُحاربها وندحرها بالاصدارات الجميلة ، الهادفة والعابقة بالمحبّة ، الثّملى من خمرة الانسانيّة الجميلة، فتنكمش هذه الأميّة خجلى ، وتنسحب وهي تقول : رحماكم !
وكيف نرحمها وهدفنا الأسمى كان منذ قيام الدّولة وما قبل قيامها، هو أن نُعلّي من شأن الانسان بشكل عامّ والفلسطينيّ بشكلٍ خاصّ ؛ نُعلّيه بالحرف الجميل والقصيدة الهادفة المرنان ، والنجوى العابقة بشذى الحياة.
صدّقوني أنّني لا ألقي الكلام على عواهنه ، ولا أتلفّظ به جُزافًا، فالتّاريخُ يشهد ، والأدلّة تشهد هي الأخرى أنّنا في عبلّين وفي نادي الشباب الارثوذكسيّ على وجه الخصوص أقمنا المسرح والندوات والأهم أصدرنا أوّل اصداريْن بعد قيام الدولة ، أقول: ” شباب ارثوذكسيّ” ولا أقول وزارةً أو سلطة محليّةً!
نعم شباب في زمن العَوز والفقر والحاجة … يومها ومن رحم هذا الفقر وُلِدَ الديوان الأوّل للشاعر المرحوم جورج نجيب خليل
بعنوان : “وردُ وقَتاد “( القتاد : هو الشجرالشائك، الشّوْك) عام 1953 من فرن مطبعة الحكيم – الناصرة فجاء شهيًّا طيّب المذاق … ديون جميل تنساب أشعاره في كثير من غدران الحياة المجتمعيّة فهناك الغزل الرّاقي ، والوصف الدقيق الرفيع ، والمديح الثائر ، والاحداث المؤثّرة ، جاءت كلُّها بسربال قشيب وديباجة برّاقة ، وحِسٍّ هامسٍ تارة وراعشٍ تارات.
وها هي حيفا انموذج :
ماذا أقول وقد عقدتِ لساني وسحرتني بجمالكِ الفتانِ
وتركتني رهنَ الذهول كأنني مستشرقٌ لم أدرٍ كنهَ مكاني
حيفا حَباكِ اللهُ في هذا البها فلتجزِه بالحمد والشكرانِ
ما حلّ حيفٌ فيكِ يا حيفا على مرِّ الحُقوبِ ولاحقِ الازمانِ
ووقيتِ من وقْع الخطوبِ عوابسًا وأمنت شرَّ غوائلِ الحَدثانِ
( أبيات من قصيدة حيفا/ من المجموعة الشعرية ورد وقتاد)
وها هي عبلّين انموذج آخر:
صدّقوني لو ملّكوني الثرَيا ، وطباق السّما ونهر الكوثر
وسفوح المرّيخ والانجم الزهــ ــر ،وقيْد الزمان حتّى وأكثر
لرفضت الدُّنيا اذا لم تكن فيــــها (عبلين)- زهرة الكون- تظهر
لم يكتفِ الشباب الارثوذكسيّ في عبلّين بقصب السّبق ، فعاد ليصدر الكتاب الثاني له والثاني في الوسط العربي والمقصود هو كتاب : ” مع الموكب” للاستاذ والاديب الرّاحل سمعان عزيز دعيم الملقّب بِ ” نجم الشهّر”
وكتاب ” مع الموكب” الصادر ايضًا من فرن مطبعة الحكيم في الناصرة عام 1958 عبارة عن مجموعة من قصص قصيرة هادفة وخواطر اجتماعيّة ونجاوى ، يحكي فيها ويحاكي الكاتب المجتمع آنذاك وكأنه يحكيه اليوم ، فجاءت معانيه ومفرداته ترفل بالجماليات وتعبّر عن الواقع المُعاش .
” “… أما زلنا نعتقد ما اعتقده أفلاطون منذ ألفين وثلاثمائة سنة بأن الناس جُبلوا من طينات مختلفة، فوضع في طينة بعضهم ذهب فكانوا الأسياد، ووضع في طينة آخرين فضة فكانوا الطبقة الوسطى، والباقون وضع في طينتهم حديد فكانوا العامة؟ إن كان هذا هو السبب، فسنبقى مهزلة العصور والأجيال مدى الدهر”.
(سمعان عزيز دعيم، 1958، “مع الموكب”).
جورج وسمعان دُرّتان غيّبهما التُّراب ، ورغم ذلك ظلّا وسيظلّان في ضمائرنا عنادل تُزقزق ، وغيمات ماطرة ، وهمسات تنعش أرواحنا في كلّ صباح ومساء…
أقول ظلّا وسيظلّان في ضمائرنا ، وكم كنتُ أريد أن يظلّا في ضمائر أهل الحلّ والربط في البلدة المتجليّة على خدّ الجليل ، فيُكرّما بتسجيل اسم احدهما على شارع او مكتبة أو دوّار فمثل هذين وأمثالهما في عبلّين وبلداتنا العربيّة والذين وضعوا بصماتهم الجميلة على حياتنا يستحقون أن يُكرّموا وأن يكوكبوا ..
انّها همسة أرسلها ضاجّة آمل أن تلقى آذانًا صاغية .
” ورد وقتاد” و ” مع الموكب” اصداران نرفع بهما رؤوسنا شممًا.