الهجرة النبوية تحمل أعظم الدروس لتنمية البشرية
تاريخ النشر: 02/09/18 | 16:36تلوح في الأفق ذكرى هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لاحت طلته لاهل المدينة وارتاحت انفسهم وراحوا يهتفون فرحا ” طلع البدر علينا من ثنية الوداع” وفي هذه الذكرى المباركة التي هي تجديد للحياة، يجدر بنا ان نعلم انها كانت تنمية لنفوس البشر وارواحهم وعقولهم واجسادهم، وبهذا التوازن لدى الكائن البشري، كما يقول علم التنمية البشرية :يصبح الانسان فرحا ناجحا مبدعا صابرا … ولعل هذه التعابير التي لم تأت بطريق الصدفة بحاجه الى تفسير حيث قدمها لنا علم التنمية البشرية بعد تجارب وتخطيط وتدبير .. الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمها لنا منذ عشرات السنين بتوجيه من رب العالمين فيا لفرحتنا نحن المسلمين ان عرفنا عظمة ما يقدمه لنا هذا الدين .. وإليكم التبيان والشرح والبرهان لينتفع كل من يقرأ معنا الان ،وينقل هذا المعنى للاهل والصحب والخلان … يقول العلم ان الانسان مكون من اربع مركبات كلها تحتاج الى تغذية حتى يصبح متوازنا، فإن كل ما في الكون يقوم على التوازن ولا ينجح الا به، وما لم يكن فيه توازن ففيه خلل..والمركبات الاربعة للكائن البشري هي العقل والنفس والروح والجسد .. والعقل غذاؤه المعرفة والدراية حتى يتمكن الانسان من التخطيط على بينة . والنفس غذاؤها العلاقات والتواصل مع بني جنسها من البشرية لتبادل مفاهيم الحياة والاستمرار البشري .. والروح غذاؤها القيم والمعتقدات والايمانيات حتى يكون ثبات وقوة وطاقة وارادة وعزيمة وارتباط علوي يعطي هذا الكائن ان يستنفذ افضل ما فيه ويرسم معنى اخر للحياة .. والجسد غذاؤه الطعام والكساء والصحة والممتلكات ليبقى قائما بعظمه ولحمه ومحتويات صحة جسده ..
ومن هذا المنطلق حينما تدرس رحلة الهجرة النبوية تجد :
اولا :المعرفة: حرص النبي صلى الله عليه وسلم بالتعريف بهدف الهجرة الرباني لاصحابه ،وعرفنا بمكانة مكة في نفسه ، وحرص على معرفة المكان الذي سينزل فيه وهو المدينة، وكان له سفير اليها ،وحرص على الالتقاء باهل هذا المكان ومعرفة استعدادهم، ومعرفة الطريق وحيثياتها باتخاذ الدليل ، وبناء مخطط للطريق ، واطلاق هجرة اصحابه قبل هجرته ، والتقدير لمهاجمته في مكان نومه واستبدال علي رضي الله عنه مكانه، واتخاذ مكان الاستراحة .. وكل ما اوسع من ذلك ومما فتح الله عليه من رؤية مستقبلية للاسلام بعد الهجرة .
ثانيا : العلاقات: قسم النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة الى افواج حفاظا على اصحابه، واتخذ رفيقا له في طريقه وهو ابا بكر الصديق رضي الله عنه .. وتواصل مع علي رضي الله عنه لينام مكانه .. وكانت اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنها من عناوين التواصل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بلده ، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة احترام سادة من المدينة ومنحهم احترامهم وسيادتهم والف بينهم ، ثم وصل الى المدينة فآخى بين المهاجرين والانصار .. ولم يفضل النزول في بيت احد حتى لا تتأذى نفس الاخر وكانت الناقة مأمورة وكان بيت رسول الله ومسجده حيثما نزلت .
ثالثا:الايمانيات: وكانت الهجرة بمجملها ترك الدنيا والنجاة بمعاني الدين .. وفوق ذلك كانت المواقف الايمانية في الغار “لا تحزن إن الله معنا” ، وتحمل الصحابة رضوان الله عليهم الم الفراق وعناء السفر طاعة لله ولرسوله ونجاة بعقيدتهم وكانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم تحمل قيم الاصرار والعزيمة والصبر، وتجلت نتيجة هذه المعاني باقامة كيان يرفع فيه نداء الاسلام .. وترفرف لا اله الا الله ..
رابعا :اللوازم الجسديه: لقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم راحلة له ولصاحبه .. وتلقى الطعام في طريقه من اسماء ذات النطاقين، وأوى الى غار يستريح فيه ، وقام ابا بكر رضي الله عنه بشق ثوبه واغلاق ثقوب الغار .. الا واحدا حينما وضع قدمه فلُدغ وبكى ونزلت دموعه على وجه النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم في حجره وكان ابا بكر بحاجة الى دواء فكان دواؤه ريق النبي صلى الله عليه وسلم .. ومعاني الحاجة الجسدية تجلت حينما وصل النبي صلى عليه وسلم المدينة واطلق مبدأ المؤاخاة بين المهاجرين والانصار فقد تقاسموا المسكن والزاد ..
ولعل ما ذكرناه هنا من خلاصة حول الاهتمام باكثر من جانب في الهجرة النبوية هو من باب المثال لا الحصر .. ففي الهجرة دروس لتجديد الحياة … ففي ذكرى الهجرة النبوية اعقد النية لتجديد حياتك الانسانية بتغذية مكوناتك البشرية (علمية انسانية ربانية وصحية) تصبح فرحا ناجحا مبدعا صابرا ولك منا كل تحية وسلام
بقلم : د.هاني طه اغباريه