اَلضَّادُ أُمُّ لُغاتِ الأَرْضِ- شعر: محمود مرعي
تاريخ النشر: 06/09/18 | 9:09(في الدِّفاعِ عَنِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ في عامِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ)
تَرْقى الـمَمالِكُ ما اعْتَزَّتْ بِماضيها.. وَتَسْحَبُ الفَجْرَ ما عَزَّتْ مَواضيها
وَتَعْصِبُ الغَيْمَ فَوْقَ الهامِ تَعْقِدُهُ.. وَفي الثَّرى خَطْوُها يَحْكي أَمانيها
أَشِعَّةُ الشَّمْسِ عِنْدَ الزَّحْفِ صَهْوَتُها.. وَحَيْثُما بَلَغَتْ رَزَّتْ عَواليها
مَدارُ عِزِّكَ لا مالٌ وَلا حَرَسٌ.. لكِنْ بِعِزَّةِ نَفْسٍ فيكَ تَحْميها
تَذودُ عَنْها الَّذي إِنْ هَمَّ هِمَّتُهُ.. في جَعْلِها الدَّهْرَ نَعْلًا وَهْوَ حاذيها
لَمْ يُغْزَ في الأَرْضِ قَوْمٌ في دِيارِهِمُ.. إِلَّا وَذَلُّوا وَهَدَّ الدَّارَ بانيها
وَشُتِّتَ الشَّمْلُ وَانْدَقَّتْ مَفاصِلُهُ.. وَصارَ والي الرَّعايا مِنْ مَواليها
وَالشَّيْءُ بِالشَّيْءِ لِلتِّبْيانِ نَذْكُرُهُ.. لَعَلَّ عِبْرَتَهُ تُجْدي مَعانيها
هُوِيَّةُ القَوْمِ تَبْدا مِنْ لِسانِهِمُ.. فَإِنْ أَعَزُّوهُ عَزُّوا، أَوْ جُزوا تيها
وَما اللِّسانُ مَتاعًا كَيْ تُقايِضَهُ.. أَوْ تَسْتَعيرَ بَديلًا عَنْهُ تَرْفيها
إِنَّ اللِّسانَ وُجودٌ صُنْهُ ما وَسِعَتْ.. مِنْكَ الحَياةُ حَياةً حَيَّ مُحْييها
وَانْظُرْ إِلى أُمَمِ الغَبْراءِ ما تَرَكَتْ.. عِزَّ اللِّسانِ بِها عِزًّا يُعلِّيها
وَفي حِمانا أَرى مَسْخَ اللِّسانِ بِنا.. فَالبَعْضُ لِلْأُمَمِ الأُخْرى يُواليها
يُعْلي مَفاخِرَها رَغْمَ العَوارِ بِها.. لكِنْ بِأُمَّتِهِ يُبْدي مَساويها
بادي العُقوقِ دَعِيٌّ حينَ تَخْبُرُهُ.. هاجي الحُداةِ وَمَدَّاحٌ نَواعيها
حِلْفُ التَّأَفُّفِ ما اسْتَغْنَتْ حواضِرُها.. بِها فَغَلَّتْ وَما جَفَّتْ سَواقيها
يُريكَ أُمَّتَكَ الغَرَّاءَ مارِقَةً.. وَغَيْرَها أُسُسَ العَلْيا، صَواريها
يُمَطِّطُ الحَرْفَ تَغْنيجًا وَيَقْبِضُهُ.. وَزادَهُ الـمَطُّ وَالـمَمْطوطُ تَسْفيها
وَيُكْرِمُ اللَّفْظَ إِعْلاءً لِعُجْمَتِهِ.. وَيَخْسِفُ الضَّادَ، وَهْيَ الحَقُّ، تَشْويها
وَيَدَّعي كَذِبًا حِرْصًا عَلى لُغَةٍ.. وَيَمْتَطي سَفَهًا غَيًّا لِيُلْغيها
فَكَيْفَ يَزْعُمُ حُبَّ الضَّادِ مُرْخِصُها.. أَمامَ شانِئِها، قُلْ تَبَّ شانيها
يُغْضي حَياءً لَدى الـمُسْتَشْرِقينَ وَما.. كانوا الحُماةَ لَها بَلْ مِنْ أَعاديها
يُرْغي وَيُزْبِدُ إِذْ يَعْلو مَنابِرَها.. وَيَخْفِضُ الصَّوْتَ ذُلًّا عِنْدَ مُقْصيها
يَعْزو إِلى الضَّادِ نَقْصًا مِنْ خِيانَتِهِ.. وَيَبْتَغي سَنَدًا مِنْ غَيْرِ أَهْليها
يَأْتيكَ بِاللَّفْظِ لا يَرْقى لِشاهِدِها.. مِنَ الأَعاجِمِ مِنْ وَهْمٍ سَيُغْنيها
وَلا يَسوقُ سِوى مَسْخٍ لِعاطِلَةٍ.. عَنْ حِلْيَةٍ غَنِيَتْ، وَاللهُ مُغْنيها
عَزَّ الشِّفاءُ لَهُ في نَفْسِهِ وَغَدَتْ.. داءً عَياءً فَلا يُرْجى تَعافيها
بِغَيْرِ كَيٍّ فَذا أَشْفى لِعِلَّتِهِ.. وَالكَيُّ أَوْجَبُها إِذْ عَزَّ شافيها
أَتَسْنُدُ الضَّادَ أَلْفاظٌ قَدِ انْسَلَخَتْ.. عَنْها قَديمًا وَحالَتْ عَنْ مَبانيها؟
وَابْحَثْ عَنِ الأَصْلِ تَلْقَ الأَصْلَ مِنْ عَرَبٍ.. كَرَّتْ عَلَيْهِ دُهورٌ فَهْوَ عافيها
أَمْسى سَقيمًا بِلا حَوْلٍ وَما نَهَضَتْ.. بِجِسْمِهِ السَّاقُ أَوْ يُرْجى كَعاديها
وَلا يَقومُ سَقيمٌ بِالصَّحيحِ وَكَمْ.. تَأْتي السِّقامُ أَصِحَّاءً تُشافيها
اَلضَّادُ قَدْ صانَها رَبٌّ وَأَكْرَمَها.. بِالوَحْيِ ذِكْرًا فَلَمْ يُدْرَكْ تَساميها
وَلا تُرَتَّلُ آياتُ الكِتابِ سِوى.. بِها إِذا ما تَلا الآياتِ تاليها
اَلضَّادُ أُمُّ لُغاتِ الأَرْضِ قاطِبَةً.. وَهْيَ البِدايَةُ في الدُّنْيا وَتاليها
كُلُّ اللُّغاتِ بِلا أُمِّ اللُّغاتِ تُرى.. عَرْجاءَ قاصِرَةً وَالعُقْمُ باديها
وَقَدْ بُلينا بِعُمْيٍ في بَصائِرِهِمْ.. وَفيهِمُ حَوَلٌ عَمَّا يُجَلِّيها
جَهْلًا قَدِ اسْتَبْدَلوا الأَدْنى لَدى العَجَمِيِّ بِالَّذي هُوَ خَيْرٌ في خَوابيها
وَأَظْهَروا حُبَّها ما اسْتُنْطِقوا عَلَنًا.. وَأَضْمَروا بُغْضَها سِرًّا وَما فيها
رُقُّوا مَنابِرَها بِالغَصْبِ في زَمَنٍ.. غُلَّتْ أَيادي بَنيها وَهْيَ تَفْديها
وَقُدِّموا بِاسْمِها في كُلِّ مُحْتَفَلٍ.. مِنْ كُلِّ مُحْتَقِنِ الأَحْقادِ وافيها
وَوُسِّدَ الأَمْرُ عَنْ عَمْدٍ لِشِلَّتِهِمْ.. فَأَرْخَصوها وَسيئَتْ في نَواديها
كَمْ مُظْهِرٍ وُدَّها مُسْتَشْرِقٍ أَشِرٍ.. وَفي الحَنايا بَراكينٌ يُخَفِّيها
وَلَّاهُ مُسْتَعْمِرٌ أَرْقى مَراتِبِها.. فَأَسْنَدَ الأَمْرَ مَقْلِيٌّ لِقاليها
فَراحَ يَقْطَعُ أَجْذاعًا بِلا كَلَلٍ.. وَيَنْطَحُ الصَّخْرَ ما اخْضَرَّتْ بَواقيها
وَقَيَّضَ اللهُ فُرْسانًا لِنَهْضَتِها.. مِنْ بَعْدِ كَبْوٍ تَجَلَّى في غَواليها
سَمَوْا بِها فَتَسامَتْ في سُمُوِّهِمُ.. وَوَسَّدوها عُروشَ العَقْلِ ساميها
وَأَخْلَصوا النُّصْحَ لِلْآتينَ بَعْدَهُمُ.. وَوَرَّثوها مِنَ الأَبْناءِ فاديها
وَأَمْهَروها مَدى أَيَّاِمِهْم دَمَهُمْ.. فَأَزْهَرَتْ وَزَكَتْ جودًا مَغانيها
مَدَّتْ أَزاهِرُها الأَعْناقَ فَاشْتَجَرَتْ.. خَمائِلُ الرَّوْضِ وَازْدانَتْ نَواحيها
وَعادَ غابِرُها يَرْقى بِحاضِرِها.. يَرْوي الـمُتونَ وَلا يُظْمي حَواشيها
عادَتْ سَفينَتُها مِنْ بَعْدِ غَيْبَتِها.. وَالفَجْرُ عادَ مَناراتٍ بِشاطيها
وَعادَ صَوْتٌ قَديمٌ كانَ غَيَّبَهُ.. صَوْتٌ دَخيلٌ تَداعى في تَداعيها
وَالـمُدْلِجونَ إِلى مَنْجاتِهِمْ قَفَلوا.. لَـمَّا تَراءى الضِّيا مَهْوى نَواصيها
سَواجِعُ النُّورِ في أَلْحانِها انْطَلَقَتْ.. سَواهِدُ العَتْمِ قَدْ فاضَتْ مَراثيها
وَاللَّيْلُ عَنْ دَرْبِها قاصٍ وَمُرْتَحِلٌ.. مُذْ حاطَها النُّورُ وَاسْتَرْقَتْ رَواقيها
غَدا بَنوها عَلى أَحْلامِها حَرَسًا.. وَعْدُ السَّماءِ جَلِيٌّ في مَراقيها
تَعاهَدوها فَقامَتْ في مَعاهِدِها.. يَتيمَةَ الدَّهْرِ رَيًّا حينَ تَأْتيها
نَجِيُّها القادِمُ الـمَوْعودُ آثَرَها.. بِما يُكِنُّ لَها عِزًّا يُعَزِّيها
عَنْ غابِرٍ طَمَسَ الأَبْناءُ صَفْحَتَهُ.. لَـمَّا تَنادَوْا وَقاموا تاجَ ناديها
وَعَرْقَبوا كُلَّ ذي ضِغْنٍ يَهِمُّ بِها.. في الرَّحْبِ مِنْ قاعِها أَوْ بَطْنِ واديها
وَأَنْزَلوها جَبينَ الدَّهْرِ مُفْرَدَةً.. بِالعَرْشِ وَالتَّاجِ وَالدُّنْيا تُواليها