في الانتخابات بقلم – يوسف جمّال عرعرة
تاريخ النشر: 12/09/18 | 1:42أ- يا سامعين الصوت !!؟
مغامرات صالح الصابر عبد الباقي في الانتخابات … !!
كانت تمر ثلاث مواسم.. وفي رابعها …. يزورنا المرحوم محمد عبد الباقي ..
ويحضر معه أوراقاً مربعه , بعدد من ” نفج ” وخط الشعر شاربه من عائلتي وما فوق .
كان لا يشرب من قهوتنا .. لانه لا يشربها إلا مخمَّره ومن الدله..!! ,
ونحن لم يكن عندنا لا دله ولا مخمره .!!
يرمي بأوراق التصويت قائلا : ” حطّوا هذول بالصندوق ” , ” ويدير ” لنا ظهره , ولا نرى وجهه, إلا بعد أربعة مواسم .
2
الا في مره واحده … لقد كنا نستعد للذهاب ” للتصويت ” , بعد ان غسلنا عن جلودنا غبار الزيتون , ولبسنا لباس ” الطلعه” واذا به يظهر على باب بيتنا , وكأنه خرج من بئر .
– هات الأوراق .! قال من بين أنفاس لهثاته ..
– شو إلي صار .! مالك يا ابن عمر !؟ قلت وأنا أناوله أوراق التصويت .
– خذ هذول بدالهن .. هذول أحسن ..! , قال وهو يتناول القديمه ويناولني الأوراق الجديده .
نظرت الى الأوراق الجديده بعد ان غادر بيتنا , فوجدتها مثلها , مطابقه لها في الشكل واللون والرائحه , فزاد استغرابي واندهاشي من تصرفات ابن عمي الغبيه .!
ب- من الدوله الى البلد .!
وفي أحد المرات ,ظهر قبل ان يحلَّ الموسم العادي , الذي ياتي به , فاستغربت تصرفه , وسألته عن سبب قدومه في غير موعده .
فقال محاولاً تفهيمي ” ويأخذني على قدر عقلي .!”
– هاي الانتخابات يا ابن عمي , تختلف عن الانتخابات التي كانت في السابق .!
3
نظرت الى الاوراق التي ناولني إياها , فوجدتها مثلها لا يفرق بينها إلا اللون , فلم يمهلني حتى اعبر عن شعوري وإحساسي..
فقال محاولا افهامي ان صبره يكاد ان ينفجر ..
– ان هذه الانتخابات هي للمجلس المحلي.. وأنه مرشح , وعليَّ , أنا وباقي العيله, التصويت من أجل ان يصبح عضواً فيه .
فأشفقت عليه من تطفلي ,وإضاعة وقته الثمين.
وقلت له مطلقاً سراحه :
– بدَّك نحط هذول لوراق بنحطهن .. كل شيئ ولا خاطرك .!
ولما عرضت عليه قهوتي قال لي :
انه لا يشربها الا مخمّره ومن الدله , فأنقذني من مأزق لا يحمد عقباه.!
فالقهوه لم تدخل بيتنا منذ أشهر … فنجح ابن عمي في الانتخابات , وعمل ” طبل وزمر ” ,ولم يدعونا الى الحفله , فلم يحضرها إلا أصحاب العقله الدمشقيه وحطات البلابل ” ودمايات الروزه , ولم يكن عندي مثلها .!
ج- من الابيض المخطط بالازرق الى الاحمر .!
4
بعد عدة مواسم ,جاءني أحد أولادي الصغار راكضا نحوي صائحاً : ” معي علم .. معي علم يا يابا .!” .
فنظرت الى العلم الذي بيده , فوجدته احمراً ,فتذكرت أنني ارى هذا العلم , كل سنه في موسم الحصاد..
فسألته :
– منلّك هالعلم يا ولد .!؟
– من سيدي عمر .. سيدي عمر بوزع أعلام حمر !
فاصابتني الدهشه والاستغراب .. لأني أعرف ان العلم الذي يرفعه ابن عمي دائما علي بيته , لونه ابيض عليه خطين زرق ونجمه زرقه.!
ولما زارني بعد أيام ليسلمني أوراق التصويت , توقعت قبل ان يخرجها من جيبه , ان تكون باللون الأحمر .
ولكن تضاعف استغرابي وغربتي ,عندما كانت بنفسي الألوان السابقه.!.
فسألته والتعجب يخطف وجهي ولساني :
– ليش وراقك مش باللون الأحمر .!؟
فثار وصعك من غباوتي , وصار وجهه, وكأني رميته بالحجاره فأدميته, وصرخ في وجهي :
5
– لوينته بدكم تظلوا أغبياء .!؟ , الأوراق – يا ابن عمي العزيز – بظَّل هي.. هي … بس يتغيروا الناس !
ولما رأى انه لم يستطع ان يمحو علامات الاستغراب عن وجهي أكمل قائلا :
– اليوم انا والشيوعيين أصحاب .. الي عليكم تعملوه هو , تحطوا هذه الأوراق بالصندوق . !!
– ولما نجح , عمل ” طبل وزميره ” ,ودعا اليها رجال بلا حطات ولا عقله ولا دمايات .. ولكن صوتهم خرج من مكبرات الصوت يصم الآذان , وفلم نستطع النوم في تلك الليله, بعد يوم ” قتلنا ” فيه التعب , قضيناه بقطف الزيتون .!
د- من الاحمر الى الاخضر .!
وبعد موسم او موسمين نظرت من شباك بيتنا فاصتدمت عيناي بعلم أخضر , كان يرفرف على سطح بيت ابن عمي ,
بحثت عن العلم الأحمر فلم أجده , فقلت في نفسي : ربما العلم الاحمر “انهرى ” فاستبدله ابن عمي بعلم أخضر وربما الهدف منه التجديد ,او ان زلامه غيروا علمهم.
6
ولما جاء وفت جمع الغله زارني ابن عمي زيارة المواسم ..
فكان يلبس حطه خضراء ,” تزنرها “عمامه خضراء , ويلف جسمه بعباءه خضراء , وتزيِّن وجهه لحيه بيضاء , ذات وقار لم أعهده من قبل , ويحمل مسبحه طولها مئة حبه وحبه , فدخل البيت وهو يبسمل ويحوقل .
ولما تقدمت زوجتي منه , كي تضع يدها في يده , سحب يده نحو صدره ,مفهما إياها انه لا سلام ولا كلام مع النساء بعد اليوم .!
فانسحبت الى مطبخها ,جارة وراءها أذيال الخيبه ,وهي تتساءل ماذا جرى لأبي محمود .!؟ ”
فمدَّ يده الى جيب عمامته , واخرج الأوراق المعهوده.
فقلت محاولاً رسم البسمه على وجهي, بعد ان رأيت بياض لونها :
– ظننتها ستكون خضراء هذه المره ..!
لم تثره كلماتي هذه المره ,بل ظلَّ محتفظاً بوقاره وهدوءه
وقال :
– ستتحول كل الدنيا خضراء باذن الله .! , يا ابن عمي .!
7
ولما تفحصت الأوراق , وجدتها مشابهه للأوراق التي سلَّمني إياها , في المواسم السابقه, فأطمأنت نفسي على ذلك .
– هذه المره – يا ابن عمي – أنا مع الله .. وانشاء الله بنلتقي بالقدس .. بالأفصى .!
– ولما عرضت عليه قهوتي, قال انه لا يشربها الا مخمره ومن الدلَّه. فتركته على راحته , خصوصا وان القهوه , لم تدخل بيتي منذ اشهر عديده .!
ولما فاز ابن عمي ,لم يدعوني الي الاحتفال, الذي دعا اليه في بيته ,فقد اقتصر الاحتفال , على ذوي اللحى والمسابح والعباءات .والعمائم الخضر .!
وارتفعت أصوات التكبير والتهليل الى أعالي السماء ,فتقلبت في فراشي محاولاً النوم لأريح “ضلوعي ” من عناء يومي في قطف الزيتون ,فلم أفلح في ذلك ..وعندما حاولت ان فتح فمي لأتذمر ,صرخت بي زوجتي قائلة :
8
-اسكت يا “زلمي” ..ألا تخاف الله..!!؟ انهم يذكرون اسمه ..!!
فتذكرت انه حي باق لا تدركه سنة ولا نوم ..فسكت .!
ج – مات ألأخضر معه …!!
ولم تمهل ألأيام والشهور ابن عمي طويلا ,ففارقنا والتقى بالرفيق ألأعلى..مات وهو يلبس ألأخضر ,ويمشي في الارض ,وهو يسعى في مناكبها , تحت جناح الدين القويم
..فبكيته بحرقة ,وصحت والناس حولي في جنازته :”من يعطينا الأوراق يا ربي ..!!؟ ”
فبكى الناس معي ,ظانين انني سأفتقد الاوراق المالية ,التي كان يغدقها علي في حياته ,خاصة وانهم يعرفون مقدار حاجتي اليها ,كي تخفف من فقري وعوزي..!! فاذا بابنه البكر ينقض علي ويأخذني في أحضانه ويصيح باكيا بأعلى صوته
-لا…لا..لاتحزن ..ولاتخف يا :عمتاه …أنا سأحل محله ,وسأزودك بما تحتاج بمن ألأوراق ..!!
فتجمع المشيعون حولنا ..نحن نبكي وهم يبكون ..نحن نبكي وهو يبكون ..حتى بحت أصواتنا كلنا نعرف ان “موسم الانتخابات على ألأبواب “..فافتقدني” ابن ..ابن عمي بزيارة كما وعدني .
.فهالني ما رأيت..لقد كان يقف أمامي حليق اللحية بدون العمامة الخضراء والعباءة الخضراء .. , ولا يحمل مسبحة.!
ولما سألته..ما الذي غَّير حاله ,وجعله “يرمي ” اللباس ألأخضر
ويعود الى زينا القديم أجاب :
لقد دفنتها مع أبي .!
لماذا .!؟ سألته والدهشة تتفجر في عروقي..
سنعود لعائلتنا .! قال وهو يفرش رسم شجرة العيلة أمامي ..
لماذا .!؟ سألته مرة أخرى ..
أليوم “موضة “العائلات.! قال وهويناولني أوراق التصويت ..فوجدتها مشابهة لأوراق المواسم السابقة .!
وعندما دعوته ليشرب من قهوتي أعتذر قائلا :”انه لا يشربها الا مخمرة ومن الدلة .!”