مع تحياتي مجدَّدةً .د.حاتم عيد خوري
تاريخ النشر: 16/09/18 | 9:40كعادتنا ايام السبت صباحا، كنتُ وزوجتي نستعرض مع قهوة الصباح ، جرائدَ نهاية الاسبوع ومنها الاسبوعيتان العربيتان الحيفاويتان: “حيفا” و”المدينة” الصادرتان بتاريخ 7 ايلول 2018 .
قرأت في “حيفا” مقالا كتبه رئيس جمعية مساواة الصديق السيد جعفر فرح، بعنوان “إنتخابات بلدية حيفا فرصة لتشكيل مجموعة عمل بلدية…”، يدعو فيه الى”تشكيل مجلس لعرب حيفا، يلتقي شهريا ويناقش تحدّيات عرب المدينة على جميع المستويات…وذلك لضمان الحوار والتاثير على متخذ القرار الحيفاوي …بالتعاون مع المنتخَبين الرسميين في المجلس البلدي” . كما قرأتُ في الجريدة ذاتها، خبرا بعنوان “جمعية التطوير الاجتماعي تُعدّ ورقة مهنية لقضايا المجتمع العربي في حيفا”، والحديث هو عن: “ورقة مهنية مفصلة..تشمل مطالب جماعية تخصُّ مكانة المجتمع العربي في حيفا على مستوى المشاركة في اتخاذ القرار، وتعزيز التمثيل والمساواة الفعلية في البلدية.. لا سيما (كما جاء على لسان مديرة الجمعية الصديقة المحامية جمانة اغبارية همام) وان “الانتخابات البلدية هي فرصتنا للتاثير من اجل مستقبل افضل”. امّا في “المدينة” فلقد قرأت مقابلة مع “عضو المجلس البلدي التجمّعي جمال خميس”. يعدّد فيها الانجازات التي حققها، منوّها: “على الرغم من كوني بالمعارضة فانني اعمل المستحيل من اجل الناس الذين انتخبوني والذين لم ينتخبوني..” مشيرا الى ان “عمل البلدية صعب جدا” وداعيا الى خوض الانتخابات البلدية القادمة في الثلاثين من تشرين الاول(اكتوبر) 2018، في قائمة تحالفية تجمع بين الجبهة والتجمع.. .
لاحظت زوجتي كما يبدو لي، ابتسامة عريضة طغت على وجهي، ممّا اثار فضولَها فسالتني: “علام تضحك؟”. فاجبتها على الفور: “لقد تذكرت طرفة الرابي يحزقيل الذي كان موضع ثقة اليهود المتدينين في حيّه السكني والاحياء المجاورة في مدينة بني براك، فبات بيتُه محجّة يقصدها المتنازعون لسماع رايه والعمل بنصيحته. ذات يوم وبينما كان الرابي يجلس مع زوجته في غرفة الاستقبال في منزلهما، طرقت الباب سيدةٌ محتدّة باكية تشكو سوء تصرف زوجها… بعد ان اصغى الرابي طويلا لشكواها قال لها: “الحقّ معكِ”. ما ان انصرفت السيدة، حتى قرر الرابي ان يضرب حديدا حاميا، فاستدعى زوجها على عجل، مستوضحا الامر. سرد المدَّعى عليه قصته، فقال له الرابي:”الحقّ معكَ”. ما ان غادر الرجل بيتَ الرابي، حتى انتصبت الربانية (زوجة الرابي) قائلة لزوجها بحنقٍ بيّنٍ وبعتاب مبطَّنٍ باحتجاج شديد:”لقد قلتَ لكل من الطرفين: الحقّ معك، فكيف يمكن هذا؟”. فاجابها الرابي مبتسما: “وكمان انتِ الحق معكِ”.
نعم، الحقّ مع جعفر في سعيه لتشكيل مجلس لعرب حيفا يمنح الاعضاء العرب في المجلس البلدي، عمقا استراتيجيا وركيزة جماهيرية يُعتمَد عليها في نضالهم الديمقراطي داخل المجلس البلدي. والحقّ ايضا مع جمانة في جهدها الخيّر لاعداد ورقة مطالب معتمِدة على نتائجِ بحثٍ وتحليلٍ ومسحٍ تخطيطي، باعتبار ان مثل هذه الورقة تساعدنا قطعا في تسليط الاضواء الكاشفة، إن لم تكن الفاضحة، على النواقص في الخدمات البلدية التي نعاني منها كجمهور عربي، من منظورٍ موضوعيّ ومن خلال رؤية واقعية. كما ان الحق ايضا مع جمال في دعوته الى “الجبهة” لخوض انتخابات بلدية حيفا، في قائمة واحدة مع “التجمع”، معربا عن يقينه بان “هذا التحالف سيكون له تاثير غير مسبوق في البلدية” ومؤكدا ان “التجمع لا يبحث عن منصب ولا عن نيابة”.
هذا الموقف الذي يبديه التجمعُ بلسان جمال يسرني جدا، لكنه يعيدني في الوقت ذاته الى المربع الاول الذي كنّا فيه قبل خمس سنوات وتحديدا عشية الانتخابات السابقة لبلدية حيفا سنة 2013، يوم سعيتُ ولا ابالغ إن قلتُ إستمتُّ بالتعاون مع المرحوم الاستاذ حسين اغبارية ولجان الاحياء، الى توحيد الصوت العربي في حيفا في قائمة واحدة تضم الجبهة والتجمع وكافة القوى السياسية والشعبية الاخرى غير الممثلة في المجلس البلدي…
لا اريد لجراحي المندملة ان تُفتح من جديد، ولا اريد ان اعيد نشر المقالات العديدة التي كتبتُها في حينه بهذا الصدد، ونشرتُ البعضَ منها في كتابي “ماسيّات”(ص83-102)، لئلا تصبح كلماتها ملحا اذروه على تلك الجراح، او ربما لئلا يصيبني ما اصاب الفيلسوف الساخر برنارد شو الذي كان قد مرّ امام حانوت لبيع الكتب المستعمَلة، فلفتت انتباهَه في واجهة الدكان، نسخةٌ من كتابٍ له أي من تاليفه. فدخل فورا الى الحانوت طالبا ان يتصفح الكتاب. وسرعان ما لاحظ ان هذه النسخة بالذات كان قد اهداها قبل عدة سنوات، الى احد السياسيين المعروفين في بلدته، وكتب عليها بخط يده: “الى السيد وليم ريتشاردسون. مع تحياتي. برنارد شو”. اثار هذا الامر فضوله، فسأل صاحبَ الحانوت عن كيفية وصول هذه النسخة اليه. اجاب صاحب الحانوت: “لقد باعني اياها وليم ريتشاردسون بنفسه، بسعر عالٍ، لكونها تحمل توقيع برنارد شو”. لم يكن صاحب الحانوت على معرفة شخصية ببرنارد شو، ولم يفصح الاخير عن هويته، لكنه قام(اي برنارد شو) بشراء النسخة بسعر باهظٍ وغادر الحانوت، متوجها فورا الى اقرب مركز بريد، حيث قام بارسال هذه النسخة من جديد الى وليم ريتشاردسون، ولكن ليس قبل ان يكتب تحت الاهداء السابق: “مع تحياتي مجدَّدةً”.