"فشْخرة" ما قبلَ الزواج..تُغرقُ "العسلَ" بالديون!
تاريخ النشر: 17/09/11 | 0:20سَنَدَ رأسَه بذراعيهِ محاولاً أخذ وضعٍ مريحٍ على “وسادة الأرق”، فقد صرَعه النعاسُ لكن شيئاً ما منعه من الاستسلام لنومٍ هادئ..أغمضَ عينيه بشدَّة علّه يرتاح قليلاً من عالم اليقظة، ليغطَّ في سبات “موتٍ” مؤقتٍ يشقُّه ضوء الصباح.. لكنه فشل!.
وكيف ستنام يا هذا وعلى صدرك يجثم جبل من الدُّيون؟!، ها أنتَ الآن “تتلّقى وعدَك”..أوَ نسيتَ المال الذي أنفَقته في حجز “شاليه” على شاطئ البحر ليومٍ كامل، كي تُومئ لوالد خطيبتك أنك لستَ أقل منه؟!.
لقد أضعتَ أُجرةَ عدة أيامٍ من عملك الطويل في يومٍ واحد فقط تخلَّله وجبة غداءٍ وبعض الشراب والمكسرات!! أتظنُّ أنَّ أحداً سيذكر هذا اليوم؟!.. بالطبع لا..
وأنتِ يا “شريكة المستقبل”.. لم يُعجِبكِ فستان الزفاف ذاك.. بالرغم من أنه غايةٌ في الرَّوعة، أترفضينه لمجرَّد أنه عُرِضَ في محلٍ بسيط وليس في محلٍ ذي اسم لامع؟!.. إنها القشور لا اللُّباب.
ليس إلا ..”الفخامة”
ذات يومٍ أخبرتني صديقةٌ أنها على خلافٍ مع خطيبها وكلَّما طلب محادثتها رفَضَتْ، وإن عرف السبب بطلَ العجب، حيث قالت:”حجز الصَّالة التي سنُزفُّ فيها ولم يستشرني”، قلت لها بنصيحة الأخت:تغاضَي عن الصغائر يا رفيقة فحبّكما أكبر وأجمل من أي صالة.. فالصغائر تذيبُ الحُبَّ إن كثُرتْ”، استنكَرَتْ عليَّ قولي وقالت بحزم: إن لم يغيِّرها لن أتزوج، فأنا لن أقبَل أن أزَفَّ في صالةٍ ليست بالفخامةِ التي أريدها..”.
لم أدرِ كيف تم الزَّواج وما تفاصيله، وفي أيِّ صالةٍ زُفَّت، لم أعلم سوى أنها أصبحت تشكو من الدَّين لكثرة ما بحثت عما سمَّتْهُ “فخامة”.
“وداعاً لك يا أيام العزوبية كم كنتِ رائعة وخفيفة، كنت أدخل (المحل التجاري)، وأنتقي أشهى وأطيب ما أرى، لم أفكِّر للحظة كم أنفقت؟ وكم سأنفق؟ فراتبي لا يسألني عنه أحد، إنه ملكي فقط.. لا أضّيع نصفه على سداد دينٍ وبناء بيت، فلم يكن هذا بحسباني يوماً، أما اليوم فأنا حين أدخله انتقي ما يملأ المعدة بأقلّ الأسعار، فربما لم يَكْفِ ما في الحقيبة لشراء كل ما أحبّ!!”.
أليس هذا ما تودّين قوله يا “مرام” ؟ السيدة مرام العطل، الجديدة في عالم النساء لم تكن تتخيل أن تكون الحياة الزوجية بتلك القسوة “حسبما وَصَفَتْ”، لكني أقول لها:”إنها المسئولية لا القسوة فشتان بين الاثّنتين..”.
مرام دائماً، وفي فترة خطوبتها بالذات، كانت مُبذرة بشكلٍ لافت، وليس هذا قولي إنما اعترافُها، لم تقبل على نفسها أن تظهر بالمظهر العادي أمام خاطبها، فكانت تقصد أن تُظهِر له حياةً غنيَّة، تملؤها أفخر الملابس وأفخم الأطعمة، ولماذا؟ كي تعوّده على هذا النَّمط من الحياة ويكون هو الدّارج في حياتهما، ممتثلةً للمثل القائل:”ابنك على ما تربيه، و”جوزك” على ما تعوديه..”!!.
واجب الخطيبة على خاطبها أن تدلَّه على الطريق الصحيح، فلا تسعد إن رأت منه إسرافاً، ولا تبتئس إن رأته حريصاً على المال بشكلٍ معقول، فالقرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود وبعد الزواج، أصبحت “مراماً” أخرى..كيف لا ؟! و”الدَّين أشقاها”..وعلَّمها قيمة المال..
القصص حول هذا الموضوع كثيرة فلا أذكر أحداً تزوَّج ولم يقع في حفرة الدَّين العميقة إلا من نَدَر، ولكن لا مجال للمقارنةِ بين من كان سبب دَينِه بقصد “الفشخرة” السابقة، ومن كان دينُه لسببٍ مقبول كقلة دخلِهِ أصلاً.
“نعْـرات”
على غير عادة دارجة تقوم عائلة إحدى الفتيات بإرسال “دعوةٍ” لبيت قريبتها وصديقتها المقربة لحضور حفل عرس “إشهار” تلك الفتاة، وفعلاً حضرت الصديقة وكان الحفل جميلاً ولذيذاً أيضاً.. تقول:”قطع “الجاتوه” التي قُدِّمت كانت أشهى مما نتخيل، وعلى ما يبدو تم دفع مبلغٍ كبيرٍ لشرائها..”
بعد بضعة أشهرٍ جاءت الدعوة الثانية” إنها حفل الزَّفاف “الواااو”.. لم تكن بطاقات الدعوة عادية وبدت مُكْلِفة بوضوح، ومتكلفّة أيضاً في تصميمها.
وتستكمل:”هناك قدموا قطع “الكيك” وبعضاً من المعجنات الفاخرة والمشروبات الغازية، وتمَّ الزفاف..”، ومن كل قلبها.. تمنت الصديقة لصديقتها السعادة.
حتى في يوم “أسبوع” الزوجين وصلتها بطاقة دعوة!! تضيف:”تخيَّلت أن صاحبيها أميران، ليس أنا فحسب إنما كثيرٌ ممن وصلتهم البطاقات شعروا بشعوري، فبدا الأمر وكأن فيه “فشخرة” فعلاً، إذ كل ما فعلوه كان ظاهراً للعيان أنه غير معتاد وفيه نوعٌ من التباهي والكِبر..”.
بعد ما يقارب الشهر، وبعد أن كُشِف “المستور” باعت العروس كل ما لديها من صيغة، ليسدِّد عريسها بها تكاليف زفافهما!، والأغرب من هذا أن سُمِعَ أنه اقترض مبالغ طائلة من بعض المقرَّبين ليسدَّ بها ديون الأغراب!” قالت بعجب، وواصلت:”ناهيك عن النجار الذي فصَّل طقميِّ النوم والكنب، لقد بدأ يطالب العروس بدينه مطلع كل شهر.. يا إلهي كم كانت كلماتُ النجار مؤثرة عندما خاطبه:”إذا أنت مش قد الدين ليش تتفشخر؟”!!.
بالله عليك..أتستحقّ منك “الفشخرةُ” أن تضحي بهناءِ بالِك؟، أما كنتَ تعلَم أن العاقبةَ ستكون على غير ما يُرام، حين تنغمس في وضعٍ أنت من صنعته؟.. ألم تكن ترى أن كل “النعرات” التي حاولتَ الظهور بها في عرسِك ستنقلب فوق رأسِك؟!. للأسف، لقد صارت قصة هذين الزوجين على كلِّ لسانٍ ممن لم يتمنَّ الخير لهما.
نقصٌ في صاحِبِه
الدكتور داوود حلس، أستاذ التربية المساعد في الجامعة الإسلامية أرجع أمر “الفشخرة” وحب الظهور إلى نقصٍ في نفسِ فاعلِه، كالغيرة من شخصٍ ما أو عائلة معينة، وحباً في الظهور، والرغبة في الاختلاف والتميز عن باقي الناس، ومن ثم تجده يبحث عن طريقةٍ لتعويض هذا النقص من خلال “الفشخرة”، وتبذير المال الذي قد يكون بحاجةٍ ماسةٍ له لتغطية متطلبات أهم بكثير من مجرَّد إقامة حفل فخم، أو عمل وليمة يتحدث عنها الجميع وغيره.
وأضاف:”المتواضع هو الذي لا يكلف نفسه أكبر من طاقته من أجل أن يُقال عنه أنه صاحب مال أو ذوق أو ما شابه، فالله تعالى في كتابه العزيز قال:”لا يكلف الله نفساً إلا وسعها”، وكم هو سيئ أن يبذر الشخص بماله ومن ثم يضع نفسه وزوجته وربما أولاده أيضاً في دوامة الدين التي لا تُطاق”.
ومن ثم يرى د. حلس أن واجب الخطيبة على خاطبها أن تدلَّه على الطريق الصحيح، فلا تسعد إن رأت منه إسرافاً، ولا تبتئس إن رأته حريصاً على المال بشكلٍ معقول، فالقرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود، والله تعالى وحده العالم بالقادم.
كل ما هو زيادة على ما ورد في سنة رسولنا الكريم ونهج الصحابة لا يمتّ للإسلام بصلة بل ويدخل في باب التبذير، والأصل أن تبدأ الحياة الزوجية الجديدة باسم الله تعالى وباسم البركة والخير العمور
متابعاً: “الآثار السلبية لا تنعكس على الرجل فقط إنما على زوجته أيضاً فحياتهما ستكون شراكة، ومالهما واحد ومن ثم همُّهما واحد، لذا وجب على الزوجة أن تكون حريصةً على مال زوجها منذ خطبتها، فلا تصمت إن وجدت منه تبذيراً ولا ترهقه بالطلبات أيضاً”.
فعلٌ من الشيطان
أما الدكتور محمد العمور رئيس قسم الدراسات الإسلامية وعضو الإفتاء بجامعة الأقصى، فقد عزا أسباب تلك الظاهرة لأمرٍ واحدٍ فقط ألا وهو إتباع خطوات الشيطان، الذي يعنى جاهداً وبكل الطرق أن تكون حياة الإنسان بائسة شقية.
وقد استنكر العمور هذا الأمر على اعتبار أنه ليس فعلاً من أفعال الرسول قائلاً:”عندما تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صفية بنت حيي فقد أولم عليها بسويقٍ وتمر، والسويق هو طعام يصنع من القمح أو ما يسمى اليوم “جريشة”، وهذا إن دلَّ على شيءٍ إنما يدل على تواضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-“.
وأضاف:”كل ما هو زيادة على ما ورد في سنة رسولنا الكريم ونهج الصحابة لا يمتّ للإسلام بصلة بل ويدخل في باب التبذير، والأصل أن تبدأ الحياة الزوجية الجديدة باسم الله تعالى وباسم البركة والخير، لا أن يكون الزواج بدايةً للغرق في الديون، والعسر في الحياة التي لا تكون إلا بفعل الشيطان”.
ويؤكد د. العمور أن الإنسان هو من يعسر على نفسه ويضعها في تلك الضائقة التي تنغصّ عليه وعلى زوجه، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال بخصوص المهر:”التمِس ولو خاتماً من حديد”، ومن حيث السكن اكتفى بأن يسكن وأهله فيما يقيه حر الصيف وبرد الشتاء، ومن الأكل ما يأكل هو، أما عن التكاليف الزائدة فهي بُعيدة عن الدين الإسلامي ولا تمتّ له بصلة”.
ويكفينا أن المبذرين هم إخوان الشياطين لقوله تعالى في كتابه العزيز:”إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً- نقلاً عن د. العمور-، إلى جانب الحياة الضنكا في الدنيا وتحقيق مراد الشيطان