بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (1)
تاريخ النشر: 02/10/18 | 6:53بداية .. إن معجزة القرآن الكريم الذي نزل بلغة العرب وأعجزهم عن الإتيان بمثله ، لها وجوه عدة ، أولها البلاغة ، وكونه فصيحاً بلسان عربي مبين ، قال تعالى : (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) .. وقد عجزت العرب رغم فصاحتهم بالإتيان بمثله لما فيه من حسن بلاغة وقوة في المعاني ، وبراعة في الألفاظ ، ودقة التشبيه ، وحن ترابط وتسلسل .
والتحدي في الإعجاز لم يكن للعرب فقط ، ولم يكن في فترة الرسالة فحسب ، وإنما استمر التحدي حتى يرث الله الأرض بمن عليها .
هذه السلسلة (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) تضم من المعاني الدقيقة والأسرار والفوائد البليغة التي تتعلق بلغة القرآن وبلاغته من أصول لغوية ، وأساليب قرآنية .. اقدمها لكم بأسلوب مبسط مستعيناً بموسوعة ” الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم ” للعلامة الشيخ الدكتور احمد الكبيسي – حفظه الله – ، لعلي بهذا العمل الذي ارجو فيه مرضاة الله سبحانه وتعالى أكون قد قدمت للقارئ الكريم شيئاً يضاف إلى الدرس اللغوي في الفروق والإعجاز وأسرار الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم الذي لا يزال إعجازه يتجدد كل حين حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
أبّ – والد …. كلمة أبّ ووالد ومثلهما كلمة أم ووالدة تدخل في نفس المعنى .
أبّ : كلمة أبّ في القرآن الكريم لها معناها الخاص بها والذي يؤدي المعنى المطلوب في الآيات القرآنية . وكلمة أبّ تدل على الأبوة بحكم تربية الأبّ لأولاده . والأبوة هي باعتبار قدرة الإنسان على تربية أولاده ومسؤوليته عنهم ورعايته لهم . وكذلك الأم تسمى أماً باعتبار رعايتها لأولادها وتربيتها لهم وقيامها بواجباتها نحوهم . ولذا جاء في الحديث ” الجنة تحت اقدام الأمهات ” ولم يقل الوالدات . والأبوة فيها اختلاف ولا يتساوى اثنين في أبوتهم لأبنائهم فهناك الأب الحنون والأب الظالم والأب المتسامح والأب المفرط والأب الفوضوي وغيرهم ، إذن فالأبوة غير منضبطة وهي امر خاص بكل إنسان . ويسمى كل من كان سبباً في إيجاد شيء أو صلاحه أو ظهوره أباً ولذلك سمي النبي صلى الله عليه وسلم أبا المؤمنين ولهذا قال تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .
والد : كلمة والد في القرآن الكريم تعني كل من هو قادر على الإنجاب وأي رجل قادر على الإنجاب يسمى والداً وأي امرأة قادرة على الإنجاب تسمى والدة . إذن الوالدية منضبطة وفيها يتساوى كل القادرين على الإنجاب والكل ينجب بنفس الطريقة والكل متساوون من حيث كونهم والدين . وليس كل والد أباً وليس كل والدة أماً . ومن هذا المعنى لكلمة الأب والأم والوالد والوالدة نفهم الآن الحكم الشرعي في قوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..) لأن البر يجب أن يكون للوالدين الذين أنجبا مهما حسنت تربيتهما لأولادهما أو ساءت ولو قال تعالى : (بالأبوين إحساناً) لما استحق كل الآباء والأمهات البر .
ومما سبق نلاحظ أنه بدون التفريق بين الكلمات وأخواتها في القرآن الكريم لا يمكننا الوصول إلى حقيقة الحكم الشرعي .
محمود عبد السلام ياسين