مثقّفو الرفاه
تاريخ النشر: 23/10/18 | 23:01قبل فترة وجيزة اتصلت بنا صديقة واقترحت ترتيب أمسية ثقافيّة تكريميّة لكاتب ثمانينيّ، وعدّدت مناقبه؛ له إصدارات متعدّدة في القصّة والشعر والمسرح وميوله وطنيّة قوميّة وجدير بأمسية تليق بمشروعه الأدبيّ. كعادتي، تشاورت مع صديق عزيز له باع طويل في المشهد الثقافيّ المحليّ فأجابني ساخرًا: “هذا كاتب بلاط، كتب في حينه أنّه يكره حرف الفاء لأنّه أوّل حروف كلمة فلسطين!”. ذكّرني بالمثل الشعبيّ “بفزع بعد ما تخلص الطوشة”.
خلال فحص وتقصّي الأمر جاءني ما كتبه سعيد نفّاع: “قسم كان ماشي “الحيط الحيط ويا ربّ السترة”…صار هؤلاء ربّ النضال بعد أن تمكّنوا…أين كان وأين كانت الوطنيّة؟ هو في القطب الجنوبيّ والوطنيّة في القطب الشماليّ… أتذكر؟ روح اسمعه اليوم… الوطنيّة عليه صغيرة… وطنيّة رفاه هذه؟… أنا أفهم المرجلة الوطنيّة والسياسيّة منها، وقت دفع الثمن… مش عند ما تصير ببلاش… الوطنيّة اللي ببلاش هذه… وطنيّة رفاه… بعد ما يترفّه الإنسان يصير وطنيّ… فاهم؟!” (روانصّية “وطني يكشف عُرْيِي” ، ص. 147-148).
كثيرون من أبناء شعبنا من ناضل وكافح في سبيل القضيّة منذ النكبة، وعلى مرّ السنين، قالوا كلمتهم بصوتٍ عالٍ ودفعوا الثمن غاليًا، إذ أُعتقلوا، سُجِنوا وفُصلوا عن عملهم، ومنهم على سبيل المثال، لا الحصر، حنّا أبو حنا، نمر عيسى ريحاني، شفيق حبيب وغيرهم كُثُر، لم يُرض خطّهم السياسيّ الحكومة فتربّصت لهم المخابرات الإسرائيليّة بالمرصاد ووجّهت لهم تهم أمنيّة، حوكموا وتبع ذلك فصلهم من وظيفتهم والتضييق عليهم، ولكن الكثيرون أيضًا مَن هادنوا وتعاونوا مع السلطة لتمرير سياستها التجهيليّة ضد أبناء شعبنا.
لم يتوقّف الشاعر لوركا عن إنشاد قصائد الحريّة في مواجهة رصاص الإعدام من زمرة فرانكو؛ وبابلو نيرودا خاطب جنود بينوشيه حينما داهموه أنّه لا يملك سلاحًا بل سلاحه شعره، لم يقتلوه فورًا حتى لا يصنعوا منه بطلًا، بل سمّموه حتّى الموت.
دفع غسّان كنفاني حياته ثمنًا لضميره وقلمه، مثله كمال ناصر، علي فودة، ناجي العلي وغيرهم، وكذلك الحال مع الشاعر عبد الرحيم محمود الذي قال:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإمّا حياة تسر الصديق وإمّا ممات يغيظ العدا
واستشهد في الميدان.
هناك طبقة إنتهازيّة باعت ضميرها وقلمها للسلطة، صارت بوقًا لها ضدّ مصالح شعبها، وأخذت “تُلحوِس” للسلطة وتروّج لسياستها القمعيّة، تبوّأت المناصب لتيسير وتسيير أمور الدولة بما يتماشى مع مصالحهم الشخصيّة وفسادهم، أصبحوا نخبة وصوليّة فاسدة متسلّطة على زمام الأمور. أحاطت نفسها بمجموعة من “السحّيجة” والبكّاءات، أصحاب النفوس الضعيفة والرخيصة، تصرفّت تجاه الغير باستعلاء وكأنّ كلّ شيء مُتاح لها، حلّلت وحرمّت بحماية أسيادها وأصابها جنون العظمة، متعامية عن قضايا شعبها، همومه اليوميّة وطموحاته.
هؤلاء لا يستطيعون العيش إلّا كمتسلّقين على أكتاف غيرهم، يحصدون ثمار ما زرعوا، ومهارتهم في خطف الأضواء لقناعتهم بمرض النسيان الذي يتيح لهم تغيير مواقفهم حسب التيّار، فهم هلاميّون بدون عامود فقريّ، تكمن مهارتهم بالصيد في المياه العكرة لتلويثها علّها تغطّي عيوبهم وعوراتهم، مستغلّين قدرتهم على فذلكة الكلام المعسول.
هذه الطبقة مارست الانتهازيّة بحرفيّة مستغلّة أزمة أبناء شعبنا، متلوّنة ومنافقة، طُفيليّة مراوغة، متسلّقة لأبعد الحدود، وما أن تصل سنّ التقاعد وتعتزل الوظيفة حتّى تقلب جلدها رأسًا على عقب. تلعب دور المثقّف الانتهازيّ، يغطّي تواطؤه بالكلام المعسول والمزاودة، ويبدأ بالشعارات الرنّانة ليتسابق إلى المنصّات الوطنيّة علّه يبيّض بعضًا من ماضيه. من المؤسف حقًّا أن منصّاتنا الوطنيّة تمنحهم تلك الفرصة الذهبيّة للظهور وتلميع صفحتهم!
تناول الروائيّ زياد أحمد محافظة في روايته “حيث يسكن الجنرال” خطط جنرالاتنا لتأمين مستقبلهم هناك، ولكنّ ماضيهِم والهُنا يُلاحقهم ويعذّبهم سائلًا: هل تشعرون بالراحة والاطمئنان والسكينة والسعادة في حياتكم، رغم ما ارتكبتم من “الجرائم” بحقّ شعبكم؟ وظلمتم من الناس ما لا يُعدّ ولا يُحصى؟؟ وهذا هو حال “مثقّفينا” الذين “لحوَسوا تا فلّسوا”، باعوا ضمائرهم ويتهافتون إلى المنصّات حاملين الشعارات الرنّانة ويتنادون بالوطنيّة، بل ويزاودون على مَن ضحّوا بالغالي والرخيص في حملهم هموم وراية شعبنا، ويجب أن لا ننسى أنّ المثقّفين الأنقياء حوربوا من قبل مثقّفي بلاط السلطة.
أبدع إدوار سعيد حين قال في كتابه “المثقّف والسلطة” أنّ المثقّف هو صوت الجماهير العريضة الذي يستعمل المعايير الأخلاقيّة التي تخدم الحقّ والعدل كما يقول فولتير، هي أسلوب حياة، إنّها صراع السيف والقلم، غسّان كنفاني وناجي العلي نموذجًا.
المحامي حسن عبادي
(نُشرت المقالة في العدد الثالث، السنة الرابعة، أيلول 2018، مجلّة شذى الكرمل، الإتّحاد القطريّ للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل)
ايها الكاتب احسنت الكتابة ولكنك تتحدث عن الوطنية كانها سلعة للاستهلاك تقيم بها وترفض من تشاء تحت بند هذا وطني وذلك لا
كلامك هذا يذكرني بسنوات السبعينات عنها كانت المقولة اذا انت رفيق بالحزب فانت جيد اذا فانت جاسوس
تقيم الناس بهذا الشكل غير لائق للناس والكتاب تجارب في الحياة يمكن ان تعدل او ان تجذر من مواقفهم فمن انتم لتحكموا على نتائج التجربة لكل شخص
واذا كانت وطنيتك مطلقة فلماذا لا تعود الى بلدك لتخدمها من تجربتك ام ماذا…………؟؟؟؟؟؟