أَرى الأَيَّامَ أَحْداثًا- شعر: محمود مرعي
تاريخ النشر: 28/10/18 | 8:56يُواعِدُني بِمَبْسَمِكِ القَصيدُ.. وَتَصْدُقُني الشَّوارِدُ لا الشُّرودُ
وَتُخْلِفُني الظُّنونُ لِخَيْلِ هَجْرٍ.. بِقَفْرِ الصَّدِّ في عَدْوٍ تَجودُ
وَتَهْتِفُ بي الحُروفُ بِكُلِّ مَعْنى.. سِوى مَعْناكِ يُضْمِرُهُ الصُّعودُ
أَرى الأَيَّامَ أَحْداثًا وَتَمْضي.. شَريطًا بِالوَقائِعِ لا يَعودُ
وَأَنْتِ حَديثُ قَلْبٍ لَيْسَ يُنْسى.. وَلا تَطْوي السُّنونُ وَلا العُقودُ
أُطِلُّ عَلى حُروفِكِ وَهْيَ قَفْرٌ.. كَأَنْ لَمْ تَغْنَ، بَلْ غَنِيَ الجُمودُ
فَأَهْمِسُ في الـمَدى اسْتِدْناءَ نورٍ.. إِذا غَمَرَ الـمَدارِكَ أَسْتَزيدُ
يَحُطُّ بِراحَتَيْكِ غَمامَ غيثٍ.. يَطيرُ كَزاجِلٍ مَعَهُ البَريدُ
لِتُشْرِقَ في مَطالِعِنا حَياةٌ.. لَها في كُلِّ مُخْصِبَةٍ رَغيد
تُصُدُّ لُحونَ لَيْلٍ ساقَ تِيهٌ.. تُداهِمُنا فَيَمْنَعُها الصُّدودُ
وَتَكْشِفُ لِلصَّباحِ دُروبَ عَوْدٍ.. تُعيدُ نَشيدَنا شَمْسًا يَعودُ
وَتَخْضَرُّ الحَياةُ بِكُلِّ نَبْضٍ.. وَيورِقُ في الـمَواعيدِ السُّعودُ
وَتَحْتَشِدُ الحَياةُ بِكُلِّ مَعْنًى.. حَديثِ الخَلْقِ غَيْرَكِ لا يُجيدُ
كَجِذْعٍ هَبَّ مِنْ عَدَمٍ بِأُكْلٍ.. شَبيهِ ثِمارِنا، لٰكِنْ فَريدُ
أُفَجِّرُ كُلَّ آنٍ مِنْ بَديعي.. بَديعًا فيكِ لَمْ يَعْرِفْ مُجيدُ
وَأَرْكَبُ كُلَّ مَعْنًى غَيْرِ مِأْتي.. وَلَمْ يَطْرُقْهُ عَنْتَرُ أَوْ لَبيدُ
فَلا فَضْلٌ إِذا اشْتَبَهَتْ مَعانٍ.. وَلا التَّقْليدُ إِبْداعٌ يَقودُ
وَلَسْتِ سِواكِ خَلْقًا زانَ خُلْقٌ.. وَكُلُّ سِواكِ أَسْواءٌ تَنودُ
أَخُصُّكِ بِانْفِرادٍ وَهْوَ حَقٌّ.. كَما انْفَرَدَتْ عَنِ الدُّنيا الخُلودُ
كَما اشْتَبَهَ الأَنامُ لَدى حَياةٍ.. وَفاقَ الكُلَّ في الشَّرَفِ الشَّهيدُ
وَإِنَّكِ بَعْضُ خَلْقِ اللهِ أَدْري.. وَفينا الحُبُّ يَفْعَلُ ما يُريدُ
وَمَنْ زَعَمَ النَّجا مِنْ سَهْمِ حُبٍّ.. فَذا في العَقْلِ شَيْطانٌ مَريدُ
حَكى في الزَّعْمِ إِبْليسًا غُرورًا.. جَنى العِصْيانَ وَامْتَنَعَ السُّجودُ
وَلَوْ بَصُرَ العَواقِبَ ما تَرَدَّى.. وَحازَ اللَّعْنَ، فَهْوَ بِهِ طَريدُ
وَما تَرَكَ الوَرى عِشْقٌ وَحُبُّ.. سِوى مَنْ ماتَ وَاحْتَوَتِ اللُّحودُ
فَذو التِّسعينِ يَعْشَقُ إِيْ وَرَبِّي.. وَذو العِشْرينِ ذو رَهَقٍ عَميدُ
وَبَدْءُ شَقائِنا مِنْ حُبِّ خُلْدٍ.. عَشِقْنا الخُلْدَ فَامْتَنَعَ الخُلودُ
مُسَمَّى الحُبِّ لا يُحْصى مِثالًا.. وَكُلٌّ في مَواقِدِهِ وَقودُ
هُنا مالٌ، هُنا عِزٌّ وَجودٌ.. هُنا عِشْقٌ، هُنا قَدٌّ وَجيدُ
هُنا تَقْوى، هُنا خَمْرٌ وَسُكْرٌ.. هُنا عِلْمٌ، هُنا قَصْرٌ مَشيدُ
وَأَعْجَبُ ما رَأَيْتُ إِذا تَوَلَّى.. فَأَسْهُمُهُ تَصيدُ وَلا تَحيدُ
كَـما القَدَرِ الـمُنَزَّلِ دونَ رَدٍّ.. وَما يَقْضي يَكونُ، فَلا قُيودُ
فَلا تَأْبَيْ عَلى القَدَرِ امْتِناعًا.. وَعِصْيانًا، وَهَلْ يَعْصي الجُنودُ؟
يَسوقُ جُموعَنا مِنْ حَيْثُ نَدْري.. وَلا نَدْري، فَنَحْنُ لَهُ عَبيدُ
كَشَيْخٍ وَالـمُريدِ لَدى اقْتِداءٍ.. فَأَمْرُ الشَّيْخِ لا يَعْصي الـمُريدُ
تَراهُ مُطيعَهُ في كُلِّ حالٍ.. يُلَبِّي الأَمْرَ، تُنْكِرُهُ الحُشودُ
فَغُضِّي العَقْلَ لا طَرْفًا جَنِيًّا.. بِسَوْطِ العَقْلِ كَمْ قَرِحَتْ جُلودُ
وَعَقْلُكِ قَيْدَ عَقْلِكِ عَيْنُ عَقْلٍ.. جُنونُكِ كُلَّ مَعْقولٍ يَسودُ
مِدادي فيكِ لَيْسَ لَهُ نَفادٌ.. وَشِعْري فيكِ لَيْسَ لَهُ حُدودُ
وَمُخْتَصَرُ الكَلامِ أَتاكِ مَعْنًى.. يَزيدُ وُضوحَهُ سِتْرٌ يُفيدُ
فَلا تَتَسَرْبَلي جَفْوًا وَفُضِّي .. نُيوبَ الهَجْرِ قُرْبًا يَا عَنودُ