سلسلة أيامي5: زيارة بوتفليقة لجامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف
تاريخ النشر: 07/11/18 | 6:11من عاداتي في عالم الكتابة، أن أكتب عن الشخصيات التي أراها لأوّل مرّة، ومنها زيارة بوتفليقة لجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف سنة 2008، الذي رأيته أوّل مرّة رأي العين. كانت الزيارة حينها تتأخر وتتأجّل، وفي كلّ مرّة تعاد الأشغال من جديد وكأنّها لم تكن من قبل.
كنت في مكتبي حين دخل علي المكلّف بالأمن الرئاسي أو بعبارة أصح المكلّف بتأمين زيارة الرئيس، وكان طويل القامة كامل البنية الجسدية. طلب منّي في البداية أن أرافقه لدورة المياه، وبعدما تفقّد التي على اليمين والتي على الشّمال، اختار التي تقع على الشّمال، وأخذ المفتاح وأصرّ على أن تهيّئ حيث قد يستعملها رئيس الجمهورية إذا أراد ذلك، وأصبحت من تلك اللّحظة وخلال الزيارة ملكا للرئاسة والقائمين على الأمن الرئاسي لا يقربها أحد مهما كانت منزلته. وفعلا تمّت تهيئتها وأصبحت دورة مياه من خمسة نجوم بعدما كانت سيّئة وسخة متدهورة لا تصلح لأيّ شيء.
في المساء طلب منّي مفاتيح مكاتب الأساتذة والعمال قصد تشميعها، فكانت مفاجأته كبيرة له حين علم أنّ أسرة الجامعة بما فيها الأساتذة والعمال ونوادي الطلبة يأخذون مفاتيحهم معهم، وقال لي حينها: لا يحقّ لأيّ موظّف كان أن يأخذ مفتاح مكتبه بعد الانتهاء من العمل، لأنّه بعد الانتهاء من المدّة القانونية للعمل يصبح مكتبه ملكا للدولة وليس للشخص، ثمّ أضاف: تخيّل لو حدث حريق في مكتبه، أو مياه اجتاحت المكتب، أو القاضي أمر بتفتيش المكتب، ثمّ قال: يضم مكتبي في رئاسة الجمهورية ثروة من المعلومات والوسائل الثمينة جدّا، وحين ننتهي من العمل نضع المفتاح تحت تصرّف الإدارة، فكيف بمكاتبكم التي لا تحتوي شيئا ثمينا مقارنة بمكاتبنا.
هدّد بعدها القائمين على كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير وجامعة الشلف بكسر أبواب المكاتب التي لم يسلّم أصحابها مفاتيح المكاتب قبل مدّة قصيرة جدّا حدّدها بنفسه. وفعلا، اتّصل كلّ بزميله وبمن تربطه به صداقة، فأحضر الجميع مفاتيح مكاتبهم، و وضعوها تحت تصرّف القائمين على تأمين زيارة الرئيس.
من الأمانة التي يجب ذكرها والتأكيد عليها، أنّه وبعد انتهاء زيارة بوتفليقة، وضعت مفاتيح المكاتب بجوار باب المكتب، ولم يتم مسّ محتويات المكتب، وكلّ المكاتب ودون استثناء لم تشهد ضياع أيّ شيء صغر أو كبر، ولم يمسّ بسوء ولا تخريب أبدا.
كان أحد المكلّفين بتأمين زيارة الرئيس يحمل كلبا صغيرا مكلّف بالبحث بمسح مساحة الجامعة والتأكد من أنّها لا تحتوي على ما يزعج ويقلق الزيارة. سألته عن الكلب، فأجاب: أهمية هذا الكلب الذي يبدو لك صغيرا، أنّ الزيارة لا تتم إلاّ بعد أن يتأكّد بنفسه أن الجامعة آمنة، والمكان الذي يحيط بها آمن، والمدرج الذي تلقى فيه المحاضرة آمن، فعلمت حينها ورأيت رأي العين مكانة الحيوان وأهميته في مثل هذه المواقف والزيارات.
حين دخل الرئيس جامعة الشلف الواقعة بحي السّلام من النّاحية الرّسمية، و”البقعة” من الناحية الشّعبية، كان أوّل ما لفت الانتباه هو لون بدلته السّوداء والشّديدة السّواد، ويختلف لونها عن جميع الوزراء والمرافقين له، حيث كان الرئيس يظهر بجلاء و وضوح بفضل اللّون المميّز لبدلته الذي لم يحمله أيّ أحد من مرافقيه.
رأيت رأي العين كيف أنّ “سلال” الذي لا أعرف أيّة وزارة كان يتقلّدها يومها سقط أرضا وهو الطويل العريض، حين أراد دخول المدرج الرئيسي لكلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، لأنّه كان هناك خلق كبير يريد أن يدخل القاعة رفقة الرئيس، وكانت مهمة الحرس الشخصي للرئيس هي ضمان دخوله شخصيا وبمفرده بسلام وأمان، وهذا ما تحقّق فعلا، وأنجزت المهمة على أكمل وجه.
قبل مجيء الرئيس، امتلأت ساحة كلية الاقتصاد وطابقها الأرضي والأوّل عن آخرها، ورأيت رأي العين كيف أنّ أحد المكلّفين بتأمين زيارة منع أحد المصورين من التصوير لأنّه لم يكن له ترخيص بالتصوير، ثمّ هدّده ثانية بتحطيم آلة التصوير إن هو واصل التصوير وهو الذي لا يملك الترخيص. وكانت تلك من الأخطاء التي وقعت فيها الجامعة، لأنّها لم تتقدّم بطلب الترخيص بالتصوير، ويكفي أنّها اشترت صور الزيارة بمبالغ ودفعت ثمنها لمن كانوا أذكياء وسباقين في طلب الترخيص بالتصوير، وكان عليها أن يكون لها صور الزيارة خاصّة بها لو تفطنت لمسألة طلب الترخيص المعمول به دوليا.
امتاز حراس الرئيس الذين عايشتهم طيلة أسبوع قبل الزيارة وأثناء الزيارة، بـ: الهدوء، وضبط الأعصاب، واحترام تعاليم مسؤوليهم بدقة متناهية، وجمال الصورة، وكمال الجسد، والتفاني في حماية الرئيس الذي كلّفوا بحمايته، وخفّة الشباب، ورشاقة الرياضي، وقلّة الكلام، والاعتماد على النظرة في تمرير الرّسائل.
من الأمور التي أتذكرها جيّدا أنّ مدير جامعة الشلف حينها وهو برتبة “بروفسور” اجتمع بالموظفين العمال رفقة والي ولاية الشلف يومها، وحذّرهم من أن يقدّموا رسالة شخصية لرئيس الجمهورية، وهدّدهم بعقوبات صارمة إن علم بذلك، وأخبرته عيونه بالموظف الذي قدّم الرسالة للرئيس.
معمر حبار