الصّراحة جارحة
تاريخ النشر: 19/12/18 | 10:51هذا الأسبوع…استمرّت سلسلة جرائم القتل التي لا تنتهي، وخرجت ناشطات نسويات في تظاهرات واحتجاجات غاضبة في الناصرة وسخنين وحيفا ويافا تدعو إلى وقف جرائم قتل النساء ومعاقبة المجرمين، وكالعادة لم نعرف الكثير من التفاصيل عن الجريمة، ماذا حدث؟ لماذا حدث؟ كيف؟ ومن؟
لا شيء.
عرفنا فقط أن إمرأة أخرى قُتلت، بعد أسبوعين فقط من العثور على جثّة الفتاة يارا (16 عاما) في حاوية للقمامة في قرية الجش، وقد شُوّهت بوحشيّة، تلك الجريمة المروّعة التي هزّتنا جميعا ولم نكد نستفيق منها حتى صدمتنا الجريمة التالية.
وما زلنا نتساءل: إلى متى؟
إلى متى هذا القبح؟
هذا الأسبوع أيضا…
كنتُ في حيفا لحضور أمسية أدبيّة من أمسيات نادي حيفا الثقافي التي تقام أسبوعيّا، ولم أتمكّن من حضورها منذ مدة طويلة بعض الشيء. حيفا التي تزيّنت أحياؤها العربية بالأشجار والأضواء وهي تستقبل أعياد الميلاد المجيدة بالفرح، رغم كل شيء، بدت في أجمل وأبهى صورة، وقد عجّت بالزّوار الذين وقفوا يلتقطون الصّور لها ومعها، ورغم أن موقف السيارات التي قرب مكان الأمسية كان ممتلئًا، إلا أن الحضور في القاعة كان أقلّ من العادة.
«لمن أمسية اليوم؟» سألت إحدى زميلاتي التي تحرص على الحضور كل أسبوع، حتى دون أن تعرف موضوعها. أجبتُها إنها لكاتب جزائري ومناقشة روايتين له، ثم خطر لي أن ذلك قد يكون سبب قلة الحضور، فالأمسيات تكون عادةً للكتّاب المحلّيين، وهم كُثر، ولكن جميلٌ أن نتعرّف أيضا على إصدارات الكتّاب في الدول العربية، وحبذا لو يفعلون هم نفس الشيء معنا، نحن كتّاب فلسطينيّ الداخل، لكن نعرف أن الأمر معقّد وما زلنا متّهمين بالتطبيع والأسرلة ومختلف الاتّهامات التي لا أحد حقا يفهم معناها أو جدواها، وذلك لمجرد أنّنا ولدنا ونعيش في أرض محتلّة ونحمل الهويّة الإسرائيلية.
لكنّ الكاتب الجزائري حسّان أحمد شكاط لم يأبَه بذلك. وقد تناول د. أليف فرانش روايته «ذاكرة عالقة» مركّزا على جوانبه النفسية، وتناولت د. لينا الشيخ حشمة رواية «عين الغراب» بشكل موضوعي، ناقد ولاذع، ثم عُرض فيديو مسجّل للكاتب الذي تحدّث عن الروايتين.
قبل أيام…
أرسلت لي صديقة فيسبوكية رسالة خاصة تطلب مني فيها أن أكتب لها عنواني البريدي لأنها تريد أن ترسل لي كتابها الأول الذي صدر حديثا. لا أعرف الكثير عن تلك الصديقة الفيسبوكية، إلا اسمها وأن لها محاولات في الكتابة، فقد أرسلت لي عدة مرات نصوصًا كتبتها وسألتني عن رأيي فيها.
كتبتُ لها ما أرادت، وفعلا، وصلني كتابها، الذي هو عبارة عن قصة للأطفال، فأخبرتُها بوصول الكتاب في رسالة خاصة وشكرتها جدا.
بعد أيام تواصلتْ معي وسألتني عن رأيي في كتابها.
لا أذكر إن كنتُ قد تردّدتُ في إجابتي، ربما شجّعني قولها إنها ترحّب بالملاحظات فهي تتعلّم منها، حقا لا أعرف ماذا فكّرتُ بالضبط، ولكن ما أعرفه أنني فيما يخصّ الأدب لا يمكن أن أقول إلا الحقيقة ولا يمكنني المجاملة بعض الشّيء، احترامًا للأدب الذي أحبّ، فقلتُ لها بصراحتي إنني لستُ خبيرة ولكن كقارئة لم أجد في قصتها أيّة قصة. لا يوجد فيها صراع أو مشكلة أو موضوع معيّن. وقلتُ لها إنني أظنّ أن الإبداع أكثر من ذلك. كما أضفتُ بأنني ربما أكون مخطئة ونصحتُها بالتعلّم في دورة للكتابة الإبداعية والتعمّق أكثر في تعلّم الكتابة.
ثم سألتُها إن كانت قد عرضت قصتها لأحد الكتّاب قبل نشرها؟ وهل راجعها أحد؟ فقالت طبعًا إنها لم تنم وتستيقظ وتقرّر نشرها!
لم تتواصل معي بعد ذلك اليوم، ورغم أننا لم نكن أصلا على تواصل إلا بضع مرات سألتني فيها عن الكتابة، إلا أنني قرّرتُ محادثتها بعد ذلك بعدة أيام حين رأيتها أونلاين.
أحسستُ من كلامها أنها غاضبة. قالت إنها لا تدري كيف ولماذا خطرتْ على بالي؟! على أساس أننا لم نتحدث أبدا من قبل؟ وقالت ها هي تسمعني فماذا لديّ من قول؟ فقلتُ لها إنني أظنّ أنني جرحتُ مشاعرها بملاحظاتي على كتابها واعتذرت منها.
أجابتني بأنها حزنت على أسلوبي واستغربت أنني من أهل الكتابة ولم أدعمها مثلما فعل غيري معها وسمّت لي كاتبين معروفين في أدب الأطفال دعماها وشجّعاها. فاعتذرتُ منها مرةً أخرى وقلتُ لها إنني لم أقصد التجريح وتمنّيتُ لها كل التوفيق.
شكرتني وسألت: هل ترغبين بقول شيءٍ آخر؟
لا. طابت ليلتك.
بعد ذلك الحديث، جلستُ طويلا أفكّر بيني وبين نفسي، ولا أدري لماذا تذكّرتُ ما يُقال عن الصّراحة بأنها… راحة.
هه! لا أدري ماذا فكّر من قال ذلك، أما أنا فأقول: الصّراحة جارحة… ما فيها أي راحة.
بقلم: حوا بطواش
كفر كما/الجليل الأسفل