عيد ونبيذ وأطفال المُخيّمات
تاريخ النشر: 19/12/18 | 23:26توقفت فجأة زخّات المطر في هذا المساء خلافًا لكلّ التوقعات ، وظلّ البرْد يرفع رأسه متجوّلًا بين الشباب والصّبايا والأطفال في ” عقودة” آل ناصرفي عبلّين حيث وُلدت وترعرعت القدّيسة مريم بواردي ، وحيث تقيم كما عادتها جمعية ” البيت الدافيء ” في ليالي الميلاد مشروعها الجميل ” عيد ونبيذ”..
تجوّل البرد الى حين ، وسرعان ما فرّ لا يلوي على شيء ، فرّ تطارده الأنفاس والحشود والحركات والمأكولات والابخرة والمخبوزات اللذيذة ،والنبيذ الساخن ، والقصص والحكايا والشّعر الجميل والموسيقا والوعظ الهادف المنادي بالمحبّة… فهنا لحن جميل ، وهناك موعظة رائعة ، وهنالك قصيدة تسمو بك الى الآفاق…
وفي كلّ زاوية من هذا الصَّرح التليد حيث التاريخ والامجاد والقداسة، تعلو روائح المأكولات الساخنة واللذيذة يتناولها الكبار والاطفال على مهل دون أن يفتح أحدٌ جزدانه أو يمدّ يده الى جيبه ، اللهمَّ إن شاء أحدهم أن يلقي ببعض ما تجود به نفسه في صندوق كُتب عليه ” مغبوطٌ هو العَطاء أكثر من الأخذ … صندوق اقتعد زاوية بعيدة ويعود لهذه الجمعية ” البيت الدافيء” التي ترعى بشبابها الكثروشاباتها هذه الليالي الدافئة ، استكمالًا للحفلة الحفلاء والمُميّزة في اضاءة شجرة الميلاد وسماء البلدة الغافية على خدّ الجليل قبل اربعة أيام ، والتي تزيّن ساحة الميلاد القريبة من” العقودة”.
جوٌّ جميل ساحر يأخذ بمجامع القلوب ، خاصّة وأنت ترى البسمات تلوّن ثغور الأطفال والسّعادة تطلّ من عيونهم ، فالعيد ؛ عيد الميلاد هو عيد الطفولة ، احتفلت به السماء والملائكة والارض برُعاتها وناسها ، فكان مجدٌ في الأعالي ، وسلام على الأرض ومسرّة في النفوس.
أطفالنا في فرحة كبرى حيث يلفّهم الدفء وتلملمهم المتعة تحت جناحيها..
…هنا فرحٌ وغبطةٌ ومسرّة و….. هناك في القطاع والضّفة الغربية والمُخيّمات تبكي الطفولة ، تولول ، تنوح وتكتب ألف قصيدة حزن وألف ألف قصّة مأساة ومأساة، يقضُّ مضجعها الجوع والبرد القارس والعوز والمرض والظلام الدّامس ، تبحث عن كسرة خبز لعلّها تُسكت بها صراخ المعدة الخاوية وقد تجد وقد لا تجد ، فتحاول ان تنام فهيهات، وكيف تنام وهي تلتحفُ الأرض والجوع والعتمة ؟!!
تنام ولا تنام ، تلوك آلامها بهدوء ، تبكي بهمس وتصرخ بصمت ، تنظر الى السّماء وكأني بها تقول :
” رحمتك يا سيّد الأكوان …. رحمتك ورحماك…
رحمتك يا مَن جئت ارضنا مُعزّيًا وفاديًا ومُشبعًا للجياع وشافيًا للمرضى …انظر من عُلاكَ … أنظر فالأرض تمتليء بالفرّيسيين واللاويين واللصوص ، يتركون أطفالك حفاة ، عراة وجوعى .
يمرّون من أمامهم فيشيحون بوجوههم ويتابعون المسير وكأنّ شيئًا لم يكن … لم يتغيّر شيء يا طفل المغارة ،يا طفل السّماء ، فالغُبن ما زال غبنًا وأكثر ، والظلم ما فتيء يقهقه ، والجوع ما زال يعتصر النفوس …
رحماك ربّي ، رحماك يا من جئت مولودًا في مغارة في ليلة ليلاء باردة ، هادرة والتحفتَ المذود والقش… رحماك ، انظر من سماك والتفت الى هذه الطّفولة المُعذّبة، المقهورة ، المُشرّدة، الصّارخة والباكية دمًا ، فقد وصل ” القهر ” الزُّبى وماتت الدموع في الأحداق … انظر يا سيّد فأنت تريد وتستطيع أن تجعل الطفولة أن تقفز كما الأيائل ، وتمرح في كلّ بقعة من بقاع الكون وتسرح في جنبات الحياة ، والبسمات تغمر الدُّنيا والفرح يلوّن الأفلاك
+++
ولم يطل الوقت فبكت السماء مطرًا مدرارًا !!!!
زهير دعيم