الحلقة المفقودة في معالجتنا للعنف والجريمة
تاريخ النشر: 21/12/18 | 9:52تابعت تسجيلا للنقاش الذي جرى في الكنيست هذا الأسبوع حول العنف والجريمة في المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني بمبادرة نواب القائمة العربية المشتركة وبحضور وزير الامن الداخلي المدعو جلعاد أردان..
لمست المرارة التي يشعر بها المجتمع العربي بسبب استفحال العنف واستشراء الجريمة والتي كان حصادها هذا الأسبوع مُرّا: قتيل في كفر قاسم، وثلاثة قتلى في اللد، وقتيل رابع في مدينة يافا، وخامس في بلدة يافة الناصرة.. واحدة وستون (61) جريمة قتل منذ بداية عام 2018: سبعة وأربعون (47) رجلا، وأربع عشرة (14) سيدة.. وقبلها في الجش وعكا.. عداد الدم لا يتوقف، ومجتمعنا لم يعد قادرا على متابعة عدد القتلى المتساقطين وسط ذهول أبقى الجميع حيارى.. مجتمعنا ينزف، وما من مغيث!!
عَبَّرَ الأخ النائب أيمن عودة في خطابه من على منصة الكنيست عن الوجع الحقيقي الذي يحس به كل عربي وعربية في مجتمعنا العربي خصوصا، والفلسطيني عموما، بسبب استمرار شلال الدم أمام سمع وبصر أجهزة الأمن والشرطة التي لا تتحرك الا إذا كان الضحية يهوديا، اما إن كان المجرم والضحية عربا، ف – (فخار يطبش بعضه) كما نقول في الأمثلة العامية..
جلس الوزير اردان يستمع بكل استخفاف ولا مبالاة لخطاب النائب أيمن عوده القوي والمؤثر، او هكذا ظننت.. فما ان فرغ النائب أيمن عوده من خطابه، حتى صعد الوزير المنصة ليجسد أبشع صور العنف والإرهاب السلطوي بكل وقاحة وصفاقة.. بدل أن يقدم الوزير تعازيه للمجتمع العربي بسبب العدد الكبير من القتلى الذين وقعوا خلال الثمانية والأربعين ساعة الماضية، وبدل أن يستعرض خطط الوزارة والحكومة لاجتثاث الظاهرة ومكافحة الجريمة، اختار ممارسة رياضته المفضلة: الإرهاب السلطوي والعنف الكلامي، موجها تهما وقحة وباطلة لرئيس القائمة المشتركة ونوابها، متهما إياه بدعم الإرهاب، وبأن مكانه السجن، وأنه لن يتعاون معه أبدا، إلى غير ذلك من القيئ الذي انفجر من (بالوعة) أردان المنتنة!
تصدى له النواب توما – سليمان، حاج يحيى، عوده وفريج، بشجاعة مفندين ادعاءاته ومؤكدين على وقوفهم وراء كل كلمة قالها النائب عوده، وأنه مَثَّلَ في خطابه كل المجتمع العربي بلا استثناء، رافضين بكل قوة سياسة “فرق تسد” التي يستعملها الوزير بكل خسة ونذالة سافرة، ومطالبين الوزير بعدم الهروب الى الامام في محاول يائسة للتغطية على فشله الذريع في مكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي، او ربما تواطؤه وتواطؤ اجهزته مع عصابات الاجرام بهدف إضعاف مجتمعنا كواحد من أعمدة السياسة الصهيونية الساعية إلى إنهاكنا حتى لا نقوى على مواجهة سياسات التمييز العنصري والقهر القومي التي تمارسها الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة منذ قيام دولة إسرائيل وإلى اليوم..
لم أستغرب وقاحة المدعو اردان (وزير العنف والإرهاب)، فقد تعودنا على وقاحته وتطرفه وبذاءته منذ كان عضوا عاديا في الكنيست، وإلى ان أصبح وزيرا في حكومات نتنياهو المتعاقبة.. إنه ببساطة الأسوأ في حكومة نتنياهو السيئة والمتطرفة والتي تمارس العنف في أقوالها وأفعالها، وتزرع الخراب في كل مكان سواء داخل الخط الأخضر او في فلسطين المحتلة عام 1967..
ما من شك ان ارتفاع معدلات الجريمة والعنف في مجتمعنا العربي في ظل حكومة نتنياهو ووزير الامن الداخلي (غلعاد أردان) وصل مستويات غير مسبوقة، الأمر
الذي يفرض سؤالا كبيرا: لماذا؟
الدراسة الموضوعية والحيادية والبعيدة عن العاطفة والسياسة لواقع الحالة الأمنية على المستويين والشخصي والجماعي في مجتمعنا العربي في ظل حكم نتنياهو – اردان، يثبت بما لا يدع مجالا للشك ان سياسة الحكومة والوزارة هي من أهم الأسباب المغذية للإرهاب والجريمة، وقد عبر اردان في خطابه الأخير عن هذه السياسة المعادية لكل ما هو عربي بشكل واضح ومستفز يثير الاشمئزاز، ولا يدع فرصة ل – (حسن الظن) في نية الحكومة الجادة في مواجهة الموقف والعمل على انهاء التدهور الخطير!
جاء خطاب النائبة عايدة توما – سليمان ردا على وقاحة الوزير اردان – الذي هرب مسرعا من القاعة – في مكانه، فقد عبرت عن ثلاث حقائق لا رابعة لها. الأولى، اردان والحكومة هما المسؤولان عن العنف والجريمة في المجتمع العربي. الثانية، عداء الحكومة عموما والوزير اردان للمجتمع العربي وقيادته لن يساهما بحال من الأحوال في لجم الظاهرة ومكافحتها، بل ستزيدها اشتعالا! الثالثة، المجتمع العربي وقيادته موحدون وبقوة أكثر من أي وقت مضى في الدفاع عن حقوق المجتمع العربي بكل قوة وصلابة رضي نتنياهو وأردان بذلك او لا، وسيستمرون في فضح حقيقة العداء الذي يمارسانه بكل قوة، ولن يقدموا أية تنازلات في هذا الشأن!
شعرتُ فعلا بالاعتزاز بما يقوم به نوابنا فضحا لجرائم الحكومة، ودفاعا عن وجودنا وهويتنا وحقوقنا كمجتمع عربي أصيل له حقوقه الثابتة في أرض وطنه وعليها..
نتنياهو وأردان المسؤولان رقم واحد عن العنف، ولكن!
من المفيد أن نفهم – ونحن نتابع اخبار سقوط القتلى في مجتمعنا العربي – ان من يمارسون الاجرام ويسفكون الدماء ويزهقون الارواح البريئة، على خلفيات جنائية محضة، او بسبب عادات الثأر الرائجة في بعض البيئات، لا يفهمون اللغة التي نتحدث بها في وصف الظاهرة وعلاجها.. هؤلاء يعيشون عالما مختلفا في مفرداته واساليب تخاطبه وأشكال تفكيره..
لذلك، نخطئ تماما إذا استمر مجتمعنا في التعامل مع الظاهرة بالأسلوب الوعظي – الأكاديمي – التقليدي فقط، والذي لا يصل الى هؤلاء ولا يعني لهم شيئا.. لذلك لا بد من التفكير الجدي في أسلوب آخر يضاف الى الاسلوب التقليدي (الناعم)..
بعيدا عن الاسلوب التنظيري أضع عنوانا من تراثنا العظيم لما عنيته في كلامي.. انه قول الخليفة عثمان ابن عفان رضي الله عنه حيث قال: (إن الله ليزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).. نعم، إلى هذا الحد.. القرآن الكريم الذي قال الله في وصفه: (لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)، لا يستطيع وحيدا معالجة بعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة، لا لأنه يفتقد العلاج، لا.. ، ولكن لأن من الناس من لا يردعه الكلام مهما كان رائعا، فهو يعيش عالما آخر، إيمانه ضعيف، ووازعه الخلقي هزيل، واحترامه للقيم والاخلاق والمُثُل العليا غائب، فأنَّى له ان يسمع لنداء الضمير، أو ان يستجيب لدعوة الحق، او ان يضحي بنوازع نفسه الامَّارة بالسوء، وبغرائزه السوداء التي ملأت عليه كيانه فحجبت فطرته عن رؤية الطريق الصحيح؟!!
بناء عليه وبالعودة إلى (إن الله ليزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، نفهم أنه لا علاج لوباء الاجرام والقتل مهما كانت أسبابه وخلفيته، بالاكتفاء بالأسلوب الوعظي والارشادي على اهميته (الوقائي/العلاجي)، فالضرورة ملحة الى الانتقال الى مرحلة أخرى في هذه الحالة، أعني الى مرحلة (الردع)..
يبقى السؤال: كيف يكون هذا؟
الجواب يشمل جانبين:
الاول، القانون وتمثله الحكومة ووزاراتها المعنية وخصوصا وزارة الامن الداخلي والشرطة كما قلنا سابقا.
الثاني: الرادع الاجتماعي والجماهيري..
بما أننا فقدنا الثقة في جدية الحكومة والشرطة في القيام بدورها في محاربة الجريمة بكل اشكالها، ومع اصرانا على عدم اعفاء الحكومة من ان تؤدي الذي عليها في هذا الشأن لأسباب لا تخفى على أحد، علينا الى جانب ذلك أن نركز على العامل المجتمعي والجماهيري كوسيلة من وسائل الردع..
أضع هنا العنوان (الضغط المجتمعي كوسيلة لمكافحة العنف والجريمة)، لعله يكون محفزا للخبراء واهل الدراية في مجتمعنا لأن يضعوا تحته ما يرونه مناسبا من البرامج التفصيلية القابلة للتنفيذ، قبل أن يأتي الطوفان الذي بدأنا نشاهد بداياته الخطيرة جدا..
أعنى بالضغط المجتمعي امورا من اهمها:
اولا، تشكيل جبهة مجتمعية عريضة من الخيرين في كل مدينة وقرية تضم خيرة أبنائنا وبناتنا، مدعومة بتشكيلات مجتمعية في كل حي وشارع وحارة، مهمتها قيادة العمل الجماهيري وتنفيذ مشروع الاصلاح الشامل.
ثانيا، تحديد قائمة بالملفات الخطيرة في كل بلد والاشخاص ذوي الصلة بها، ووضع خطة لمعالجتها بكل الوسائل المتاحة..
ثالثا، اتخاذ اجراءات مجتمعية صارمة ضد المعاندين قد تصل درجة التهجير والمس بالمصالح الاقتصادية وغيرها، كأسلوب من أساليب الكيِّ الضرورية لردع هؤلاء..
اعتقد ان ممارسة السلطان (المجتمع في حالتنا) دوره في ردع المعاندين وعتاة المجرمين، إضافة الى استمرار الوسائل الوقائية العلاجية الاخرى، كفيل – ربما – بخلق فرص جديدة قد تساهم في تغيير الأوضاع المتردية الحالية..
بقلم إبراهيم عبدالله صرصور
الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني