لسنا في الطريق الصحيح لتحرير فلسطين!!
تاريخ النشر: 23/12/18 | 10:14 سؤال كبير يطرح نفسه علينا منذ أكثر من سبعين سنة وتحديداً منذ وقوع النكبة وضياع فلسطين عام 1948وتشرد شعبها في أصقاع الأرض لاجئين ومطرودين من وطنهم، هذا السؤال هو: هل يسير الشعب الفلسطيني وقيادته في الطريق الصحيح لاستعادة الحقوق الضائعة والمغتصبة؟!! للإجابة على هذا السؤال الكبير علينا بدايةً أن نطرح على أنفسنا عدة أسئلة فرعية لأن الإجابة عليها ستؤدي إلى بلورة إجابة متكاملة عن السؤال الكبير آنف الذكر. السؤال الأول: من الذي يتولى الدفاع عن القضية الفلسطينية ويسعى لاسترداد الحقوق المسلوبة؟!! السؤال الثاني: هل تستحق الجهات التي تتولى حمل هذه الأمانة أن تكون أمينةً فعلاً على قضية وطن وشعب بحجم فلسطين وشعبها وقضيتها؟!! السؤال الثالث: هل حققنا على مدار السبعين عاماً المنصرمة انجازات ملموسة نحو تحرير الأرض واسترداد الحقوق؟!! السؤالين الرابع والخامس: هل هناك توافق وتناغم بين القيادة والشعب؟! وهل يركبان سوياً في سفينة واحدة؟!! عشرات الأسئلة بل مئات الأسئلة ممكن أن نطرحها نحن الفلسطينيون على أنفسنا لنصل إلى إجابة واقعيو عن هذا السؤال الكبير… ولكن الحقيقة المؤكدة التي يجب أن نبني عليها الإجابة هي أن القضية الفلسطينية شهدت ولازالت تراجعاً مستمراً وانخفاضاً حاداً لسقف المطالب والتطلعات والأماني التي نصبو إليها جميعاً! فعلى سبيل المثال لا الحصر كان همنا بعد صدور وعد بلفور 1917م وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإنهاء الانتداب البريطاني وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر!! أما اليوم وبعد مرور 101 عام على الوعد المشئوم فإن مطالبنا أصبحت لا تتعدى رفع الحصار عن غزة ! وتوفير رواتب للموظفين! وزيادة ساعات وصول الكهرباء! وقيام السلطات الصهيونية بتسهيلات معيشية وحياتية للسكان في الضفة الغربية والسماح لسكانها بالعمل والسفر.!! الحقيقة الثابتة التي لا يستطيع أن ينفيها إلا مكابر أو جاهل أن القضية الفلسطينية وصلت إلى أسوأ درجة ممكنة من السوء والتقهقر والتراجع خصوصاً في وقتنا الراهن بسبب المصيبة الكبرى التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة الصراع المرير اللا مبرر واللا معقول واللا مفهوم بين القطبين الرئيسيين فتح وحماس اللذان يقودان العمل التحرري والسياسي فيما تبقى من فلسطين(الضفة الغربية وقطاع غزة) ومساحتهما لا تزيد عن 22% فقط من مساحة فلسطين الكاملة، وما تمخض عن هذا الصراع من انقسام مرير شرذم المتشرذم وقسم المقسم وفتت المتفتت، وأوصلنا لحالة يائسة من الضياع والهلاك.!!
بعيداً عن دفن الرؤوس في الرمال والتلاعب بالحقائق فإن أسباب نكبة فلسطين معروفة وعميقة ولست بصدد الحديث عنها في هذا المقال ولكن حتى تصل الفكرة أقول بسرعة أنها تتركز في ثلاث جهات رئيسية، الجهة الأولى: القوى الاستعمارية سواء التي مهدت لقيام دولة الكيان الصهيوني واخص بالذكر (بريطانيا) التي كانت السبب المباشر لقيام الدولة الصهيونية، وكذلك الدولة التي دعمتها بلا حدود منذ قيامها وحتى يومنا هذا(الولايات المتحدة الأمريكية) والتي تعتبر المسئولة الرئيسية عما قامت به إسرائيل من تهويد واستيطان وممارسات أدت ولا زالت إلى ضياع معظم الحق الفلسطيني وتواصل عذابات الشعب الفلسطيني دون توقف!! ولا ننسى الدول الاستعمارية الكبرى الأخرى التي لها بصمات واضحة في توطيد دعائم دولة الاحتلال على حساب الحق الفلسطيني. أما الجهة الثانية فهي معظم الأنظمة العربية التي وضعت على الدوام مصالحها وتحالفاتها مع الشرق أو الغرب على حساب قضية فلسطين وشعبها، وشكلت عبئاً قاتلاً على القضية الفلسطينية بدلاً من أن تكون المنقذ والسند والداعم لها!! وعلينا في هذا المضمار استذكار أحداث النكبة، وهزيمة الجيوش العربية السبعة وان شئت فقل تسليم الجيوش العربية فلسطين لليهود، أما الجهة الثالثة والأخيرة فهي الزعامة الفلسطينية أو قل القيادات الفلسطينية التي لم تتمكن من الإيفاء بالتزاماتها لشعبها نحو إنقاذ فلسطين ومنع النكبة ومنع الضياع ووقف التقهقر الحاصل حالياً! هذه القيادات المتمثلة بالحركات والتنظيمات الفلسطينية تحولت إلى عبء كبير وحقيقي على القضية الفلسطينية لأسباب عديدة، منها أنها غلبت المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية الكبرى! وأصبح الحزب من وجهة نظرها هو الوطن، فأصبح لكل حزب عيد وطني ونسينا أن وطننا لا زال سليباً مغتصباً يئن تحت بساطير جنود الدولة الصهيونية.
كثيرة هي الدلائل والمؤشرات التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن قضيتنا في خطر داهم وشديد، بل لا أبالغ إن قلت أنها على حافة الهاوية، فهاهي المؤامرات الدولية التي تقودها أمريكا المتصهينة ومن يدور في فلكها من الأنظمة العربية وهم بالجملة وليسوا بالمفرق تعصف بمستقبل قضيتنا وتضعها على شفا جرف هار ممكن أن ينزلق للهاوية في كل لحظة، وأصبحت الأحاديث التي كانت محرمة مسموحة بل ومحمودة، فها هو الرئيس الأمريكي ترامب يعترف علانيةً دون مواربة أو تورية بأنه لا يستطيع أن يعادي النظام العربي الفلاني أو العلاني لأنه سبب رئيسي في حماية ووجود دولة إسرائيل!! نعم اعترف ترامب قبل أيام قليلة فقط أن وجود إسرائيل مرتبط بالدعم الهائل الذي تقدمه بعض الأنظمة العربية لها!! وهذا يعني أن حاميها حراميها وأننا نراهن على خيارات عكسية! لكن المصيبة الحقيقية والطامة الكبرى ليست في أمريكا والأنظمة العربية بل في ما أوصلنا به أنفسنا، من انهزام وانقسام وتفكك وتشرذم وصراعات داخلية أدت فعلاً إلى سلسلة من النتائج الوخيمة التي تعدت الخطوط الحمر بمسافات بعيدة واقتربت جداً من الهاوية العظمى.
علينا أن نعترف شئنا أم أبينا وافقنا أم رفضنا أن أكبر مصيبة تعرضت لها القضية الفلسطينية هو الصراع المرير المخيف الذي وقع بين قطبي الحياة السياسية الفلسطينية حركتي حماس وفتح وما نتج عن هذا الصراع من انقسام بغيض لا زال قائماً تسبب حتى الآن في نتائج كارثية على القضية الفلسطينية التي شهدت منذ وقوع هذا الانقسام تدهوراً وتراجعاً مخيفاً لم يسبق له مثيل على كافة الصعد وفي جميع المحافل، فانقسم الشعب الفلسطيني على نفسه، وتباعدت الضفة الغربية التي تحكمها فتح عن غزة التي تسيطر عليها حماس، وهرول العرب للتطبيع مع إسرائيل مستغلين الوضع الفلسطيني الداخلي المزري، وأصبح شبح ضياع ما تبقى من الوطن الضائع أصلاً يلوح في الأفق عبر الحديث عن تنفيذ صفقة القرن التي يحاول الصهاينة والمتصهينون تنفيذها معتمدين على حالة الانغماس والانشغال الفلسطيني في أتون الانقسام الملتهب. المصيبة أن الطرفين وعلى الرغم من جميع أشكال التراجع والتقهقر يعتقدان أنهما يحملان راية القضية بكل أمانة على الوجه الأمثل، فيخرج علينا كلا الطرفين ليتهما بعضهما البعض بالتفريط والتقصير، ويدعي كل طرف أنه الأمين المؤتمن على حمل الأمانة ورفع الراية ويشطح بعيداً فيصور لنا تحقيقه لانتصارات غير موجودة إلا في الأحلام أو في حكايات ألف ليلة وليلة معتمداً على تأثير وسحر الشعارات وبهرجة الإعلام الذي ينزل على صدورنا الممتلئة بنار الإحباط واليأس كالثلج فيطفئ ولو مؤقتاً هذه النار التي سرعان ما تشتعل وتتأجج نتيجة تضخم اليأس وابتعادنا شيئاً فشيئاً عن أهدافنا التي أصبحت بسبب الانقسام أثر بعد عين.
لذلك أنا أقول للذين يحاولون تزوير الحقائق ولي عنق الحقيقة أننا لا نسير أبداً في الطريق الصحيح لتحرير فلسطين، وأننا لا نسير أبداً في الطريق الصحيح لاستعادة الحقوق الضائعة والمغتصبة؟!!
بقلم// د. ناصر محمود الصوير
الباحث والكاتب والمحلل السياسي