جماعة الأخوان المسلمون في قطاع غزة
تاريخ النشر: 27/12/18 | 8:27(الحلقة الأولى)
تعتبر جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين في مصر التي تأسست في عام 1928م علي يد حسن البنا المرشد العام الأول للجماعة، ويرجع السبب في هذا الامتداد إلي عوامل جغرافية واجتماعية وثقافية عديدة، أما العامل الجغرافي فيتمثل في كون القطاع امتداداً طبيعياً لمصر التي لا تفصل بينها وبينه سوي شبه جزيرة سيناء، أما العامل الاجتماعي فهو ناتج عن تسلم الحكومة المصرية لمهام إدارة شئون قطاع غزة بعد النكبة عام 1948م، الأمر الذي ساهم في إحداث عملية تفاعل اجتماعي وتبادل ثقافي بين الشعبين المصري والفلسطيني، ويضاف إلي ذلك دور الجامعات المصرية التي كانت مفتوحة علي مصراعيها لأبناء القطاع الذين التحقوا بتلك الجامعات بأعداد كبيرة، يضاف إلى ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت تعيش في تلك الفترة أزهي عصورها ، وفي قمة نشاطها الدعوي، مما أتاح لها فرصة واسعة لاستقطاب عدد كبير من الشباب الجامعي من أبناء القطاع في صفوف الجماعة والانتساب إليها وتشرب مبادئها والتعرف علي هياكلها وأساليبها ونشاطاتها المتنوعة، وقام الشباب الجامعي العائد إلي القطاع من الجامعات المصرية بنشر أفكار وتصورات الجماعة بين سكان القطاع، وذهب بعض هؤلاء الشباب إلى أبعد من ذلك حيث بدأ ينسج علي منوالها من حيث التنظيم والدعوة والرؤيا المستقبلية للمجتمع مما. يضاف لهذه العوامل الموضوعية عوامل ذاتية ثانوية منها أن أبناء قطاع غزة كانوا بمعظمهم من أبناء الريف الفلسطيني الذين نزحوا عن قراهم إلي القطاع بعد الاحتلال الصهيوني لمعظم الأراضي الفلسطينية في عام 1948م، والمعروف أن النزعة الدينية تكون عادة متأصلة وقوية في نفوس أبناء المجتمعات الريفية، وبالتالي فإن أفكار ومبادئ جماعة الإخوان المسلمين راقت للكثيرين من هؤلاء، وكانت الأقرب إليهم خصوصاً من الجانب الديني. وعلاوة على ذلك فإن مشاركة الإخوان المسلمين من مصر في حرب فلسطين عام 1948م، ضد العصابات الصهيونية والنتائج العسكرية الايجابية التي حققوها خلال سير المعارك، واستشهاد عدداً منهم على أرض فلسطين، فقدخاض مقاتلو جماعة الإخوان الحرب تحت راية الجماعة وليس تحت راية الجيش المصري لأنهم لم يكونوا على ثقة من قدرة الجيش المصري علي إنزال الهزيمة باليهود،لاعتقادهم بأن الجيش يفتقر إلى السلاح والتدريب والقيادة المخلصة، بينما هم يدخلون الحرب(بحسب زعمهم) من أجل تحرير المقدسات الإسلامية في فلسطين. كان لهذه المشاركة الأثر الكبير في منح الجماعة مصداقية كبيرة لدي قطاع كبير من أبناء الشعب الفلسطيني عموماً وأبناء قطاع غزة خصوصاً، حيث شكل النموذج الإخواني لدى الكثيرين من أبناء القطاع نموذجاً فكرياً جديراً بالاحترام والتقدير والمحاكاة. في المقابل استخدمت جماعة الإخوان المسلمين في مصر القضية الفلسطينية كمدخل استراتيجي علي المستوي العربي والإسلامي، مما أتاح لها فرصة التمدد والانتشار داخل مصر وخارجها.
بدأت جماعة الإخوان المسلمين اهتمامها بالقضية الفلسطينية منذ مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك عندما أرسل مؤسس الجماعة ومرشدها العام الأول حسن البنا برسالة إلي المؤتمر الإسلامي الأول الذي انعقد بالقدس في الفترة من 7 إلى12ديسمبر1931م، حث فيها المؤتمرين على العمل بجد وبصدق، وبعزيمة قوية لصالح قضية فلسطين. ولكن البدايات الحقيقية والملموسة تعود إلي عام 1935م،عندما اتخذ المؤتمر الثالث للجماعة قرارات عكست التزاماً صريحاً ومباشراً بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية المسلمين الأولى. وفي مارس عام1936م ، دعا حسن البنا إلى عقد اجتماع استثنائي للإخوان المسلمين، انبثق عنه تشكيل لجنة مركزية لمساعدة فلسطين برئاسة حسن البنا نفسه. وعبرت هذه اللجنة عن نفسها بخطوات عملية عن الأرض، فأرسلت إلى القدس وفداً ضم عبد الرحمن الساعاتي (شقيق حسن البنا) ومحمد أسعد الحكيم ،اللذين التقيا بالحاج أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى في ذلك الوقت، وبحثاً معه سبل تعزيز أواصر التعاون بين التيارات الإسلامية في فلسطين ومصر، ونقلا له رسالة من المرشد العام للإخوان حسن البنا تؤكد على هذا الهدف. نشأت علاقة وثيقة بين حسن البنا وأمين الحسيني، وكانت بينهما مراسلات دائمة لتبادل وجهات النظر، وقد كانت حركة الإخوان المسلمين تنظر إلى الحسيني باعتباره رجلاً اجتباه الله لحماية فلسطين، وقذفه رعباً في قلوب أعدائها، وأسكنه بقعة من الحرم قد بارك حولها. وقد سمحت العلاقة الحميمة بين الرجلين بإرسال دعاة وخطباء من مصر لإلقاء المحاضرات والدروس الدينية في مساجد العديد من المدن الفلسطينية ، وكذلك توزيع جريدة الإخوان “الدعوة” التي كانت تحمل وتروج لفكر الجماعة في فلسطين. وقد نشط الإخوان المسلمون نشاطاً كبيراً خلال أحداث الثورة الكبرى في فلسطين (1936- 1939م) في الدعاية الإعلامية لقضية فلسطين في مصر، فشكلوا لجنة لمساعدة فلسطين، ودعوا إلى مشروع(قرش فلسطين) لدعم أهل فلسطين وثورتهم، وطبعوا المنشورات التي تهاجم الانجليز وسياساتهم في فلسطين، وركزوا على خدمة قضية فلسطين في جميع المحافل التي كان باستطاعتهم الوصول إليها، وفي مقدمتها منابر المساجد. كما قام الإخوان بتقديم الدعم والإسناد للشعب الفلسطيني من خلال تشكيل العديد من اللجان المتخصصة إضافة إلي قيامهم بتشكيل لجنة طلابية علي مستوي الجامعات المصرية تولت مهمة التعريف بالقضية الفلسطينية، كما شارك عدد من عناصر الإخوان المصريين في تنفيذ بعض العمليات العسكرية ضد بعض المنشات اليهودية في فلسطين خلال الثورة الفلسطينية الكبرى، وعندما انعقد المؤتمر العربي لنصرة قضية فلسطين في بلودان السورية بتاريخ 10/09/1937م، أبرق الشيخ البنا للمؤتمر يعلن استعداد الجماعة للدفاع عن فلسطين بدمائها وأموالها، كما نظم الإخوان مظاهرات عديدة لنصرة فلسطين، كان أبرزها المظاهرات التي خرجت في نوفمبر عام1938م ، في ذكرى صدور وعد بلفور، وشملت معظم المحافظات المصرية، فكانت تنبيهاً قوياً للشعب المصري علي أهمية قضية فلسطين، أيضاً وزع الإخوان كتاب(النار والدمار في فلسطين) الذي أصدرته اللجنة العربية العليا بشكل واسع في مصر. وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية تواصلت العلاقة بين جماعة الإخوان في مصر وبين فلسطين، فقامت الجماعة بإرسال العديد من دعاتها وكوادرهاا،الذين قاموا بالترويج لأفكارها، كما شاركوا بتدريب بعض المجموعات المحلية تدريباً عسكرياً. ومع تسارع وتيرة الأحداث بعد صدور قرار التقسيم في نوفمبر عام1947م، أصبحت قضية فلسطين تحتل مكانة خاصة لدي جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتحولت إلي أكثر القضايا الخارجية أهمية بالنسبة لها، وتبوأت مركز الصدارة في الخطاب السياسي والإعلامي للجماعة، فعمد الإخوان إلى تصعيد القضية الفلسطينية في الصحف والاجتماعات الشعبية والندوات والمظاهرات والخطب الدينية وفي مختلف المناسبات الأخرى. ولم تقتصر علاقة الجماعة مع فلسطين علي ذلك فقط بل تجاوزت ذلك بكثير، ففي عام 1948م قامت الجماعة بإرسال ثلاث كتائب للمشاركة في حرب فلسطين قاد كل منها: الشهيد أحمد عبد العزيز، وعبد الجواد طباله، ومحمود عبده.
بقلم/ د. ناصر محمود الصوير
الباحث والكاتب والمحلل السياسي