إباء وشُموخ
تاريخ النشر: 31/12/18 | 10:56الطفولة كلّ الطفولة ، عرس الحياة على شفاه المستقبل،وحلم الآتي يُزهر على مفرق الأيام وهضبات التاريخ ، فتأتي صفحاته ورديّة مُضمّخة بشذا البراءة البتول واريج التحدّي.
الطفولة , كلّ الطفولة المُعذّبة منها والهانئة ,تشدّنا إليها ببسمة هنا ودمعة هناك وحِرمان يُطّل من عيون باكية وخدود ذابلة مضّها الجوع وبرّحها العَوَز.
الهي !! يتفطّر قلبي حزنًا كلّما رأيت ُ عبر شاشات التلفزة أطفال العالم الجياع بضمورهم الصّارخ ، يلهثون خلف حبّات الأرز ورغيف الخبز…مشهد يهُزّ القليلين منّا!!!
كنتُ مرّة في عمّان ؛ وعمّان القديمة ملأى بالأطفال الجياع المقهورين ، أو قُلْ كما يسمّيهم توفيق يوسف عوّاد في إحدى قصصه ” بصقة على الرصيف “.
هؤلاء الأطفال الذين يبيعون البضائع الخفيفة ، لا يتركونك لحظةً واحدة تستمتع بما حولك ، بل يروحون يشدّون أثوابك ويستجدون بألف لسان ولغة أن تشتريَ منهم.
وكان أن أوقفني وزوجتي واحد منهم ، طفل حِنطيّ البشرة ، في التاسعة أو العاشرة من عمر و يبيع أشاطًا، والحّ عليَّ وعلى زوجتي أن نشتريَ مِشطًا، فما عِرناه كثير اهتمام ، وتابعنا سيرنا.
وبعد بضع خطوات “لكزتني ” زوجتي قائلةً : “انظر انّه يبكي بكاءً مُرًّا”.فناديته قائلًا: لماذا تبكي يا صغيري ؟!
فقال والدُّموع السّخيّة تسِحّ على وجنتيه،لا يشترون منّي …لا يشترون منّي ….
وحرّكَ هذا الصّغير مكامن ضميري وتساءلت : يا الهي ايّة قصة تختفي خلف هذا الوجه الصغير الحزين؟ بل ايّة مأساة ؟!.
وأخرجت من جيبي دينارًا- وهذا ثمن المشط – وناولته إيّاه
وقلت : خذْ يا صغيري هذا الدينار ودعِ المِشط لك فلا حاجة لي به
ونظرتُ الى عينيه فإذا بالإباء يشِعّ منهما ، في حين ارتدّ رويدًا إلى الوراء واصبعه تُلوّح بأنَفَة في الهواء :”لا …. لا يا سيّدي أنا لستُ شحّاذًا …لستُ شحّاذًا !!!!!”.
وكَبِر َفي عيوننا …وانطلق يعدو والبسمة المضيئة تُزيّن ثغره.
وما زال المِشط يُزيّن غرفة نومي.
زهير دعيم
سرد ممتع جميل، وحكاية فيها العبرة،
ووصف يستفزّ ذوي الضمائر الحيّة!
د. محمود أبو فنه
وينها هاي الضمائر يا أستاذ ؟ ماتت زمااااان
شهادة اعتزّ بها فقد اثلجت صدري أستاذ الكلّ والانسان الانسان د. محمود أبو فنّة..ربّي يسربل أيامك بالسعادة ويغمرها بالفرح المستديم.. بوركتَ دومًا وأجمل التحايا أزفّها صادقةً من الجليل.