طعنات حبّ .!! بقلم يوسف جمّال
تاريخ النشر: 06/01/19 | 10:54منذ أن رجعتُ من معهدك .. حاملة أحمال طعنات خيانتك , وليالي ونهاراتي تمرُّ, دون فواصل بينها , كأنها شريط من صورة واحدة .. أحياناً يسرع هذا الشريط , فتمَّحي ملامح هذا الصورة , حتى تتحول الى شريط أسود , وأحياناً تبطئ وتتحول الى صورة مكررة ..
آلاف المرات..! آلاف المرات.. ! فتمزقني آلاف المرات.!
أحاول ان أخرج من مجال هذا الشريط , الذي يطبق عليَّ , لأني أخاف أن أهوي في بئر سحيق .
لا أدري ما هي حدود متاهات .. فبت آلف معيشتي معه .. كما يألف المعذب سياط معذبيه .!
لم نكن نعرف, ونحن نبني حبَّنا من حجارة الحارة , ونهدمها ثم نبنيها من جديد , أن يدك ستمتد وتهدمه , وترمي حجارته في غياهب بئر سحيقة قاعاته ..
لم أكن أدري , ونحن نرسم حبَّنا على ورقات التينه , التي كنا نحكي لها حكاياته, أنك أنت .. سترميه بريح عاتية , فتعصف به وتخطف أوراقه, وترميها في متاهات لامتناهية.!
في البداية كانت أمك , التي لم تكن راضية عن علاقتنا , رمتنا بسوط لسانها المسموم , ونحن نجلس على مصطبتكم :
” إحنا إبنا .. بنت عمه بتستنا فيه ..! ” .. قالت لتفهمنا ,أن الطريق اليك مغلفة من المستحيل فتحها .
فخرجنا – أنا وأمي- وتهنا في الطريق , الذي يوصل بين بيتكم وبيتنا , والذي كنا نتبارى – أنا وأنت- في صغرنا من يقطعه وهو مغمض العينين .. وتحول الحيُّ في عيوننا , الى كتل من الدمار , كمن خرج من تحت ضربات هزة أرضية , ” خربطت معالمه”.!
وهربتُ .. هربتُ من الحي .. وأهل الحي ومنك.!
حملت حقائبي , ورجعتُ الى إربد .. الى معهدي .. ولكني حملتُ شظايا حياتي المحطمة معي الى هناك .. حاولتُ ان أحتمي بكتبي , فانطبع على صفحاتها , الشريط الذي لم يعد يفارقني..
” لن أعطِ بنتي الدكتورة لمعلِّم رياضة .!”.
قالت أمي في مجلس الجارات .. كي يصل هذا الى أمك .. رادة لها الصاع صاعين.!
وعندما وصلك قولها ,هربت مني ولم تعد إلي , إلاّ بعد غسلت روحك المهانة بدموع ومناديل مشاعري , وقلت لك يومها :
“أنني سأترك تعليم مهنة الطب, إذا كانت هذه المهنة , ستقف حاجز بيني وبينك .! “.
وتغيبت عن الدراسة لعدة أيام , حتى اتصلت بي وقلت :
” يا مجنونه ارجعي الى الجامعه .!”
فرجعت إليها تملأ كياني أغنيات الفرح , لأنه كان في رجوعي إليها رجوعي اليك ..
وكان زيارتك لي في إربد ..
الزيارة التي عصفت بحبنا , فكادت تقتله من الجذور..
فتحت الباب فوجدتك أمامي , فتجمَّد كل خليَّة في كياني .. وتصلَّبت أطرافي , وتحولت الى أعمدة من حجارة باردة ..
“إلا تدعيني أدخل .!” قلت كأنه شيئا عادياً .. وتقدمن البنات الثلاثة , شريكاتي في الغرفة , ليتبيَّن سبب تأخري على مدخل البيت ..
وعندما رأينك .. قلت متلعثمة ماسكة نفسي من الإنهيار: “هذا أخي محمود.!”
ولم يصدقن , حتى يومنا هذا , أنك أخي ..
وخرجنا الى الشارع , وقلت لك بالحرف الواحد:
“إذا كنتَ تريد ان تبقي هذه العلاقة .. غادر إربد حالاً.!”
فأنت تعرف أنه لا أمي , ولا أمك تريد لهذه العلاقة أن تبقى .! وستعطيهنّ السبب
في القضاء عليها .!
وغادرت إربد , وأنت مصاب بصدمة , لم تكن تتوقعها..
جئت الى إربد ترقص كطير , جاء ليلتقي بأمِّه بعد فراق .. فلاقتك هذه الأم بالجفاء والنكران ..
حملت بين يديك , صفائح وصايا الحب ثقيلة الى إربد , فسقطت هذه الصفائح من بين يديك, فتحطمت وتحولت الى شظايا مبعثرة ..
وكتبت لك رسالة أبرِّر فيها موقفي, وقلت لك فيها , ان زيارتك كانت ستكسِّر كل ما بنيته من سمعه بين صديقاتي وزميلاتي, والله يعلم ما كان سيحدث لي ولك , لو وصل عائلتي وعائلتك خبر زيارتك ! .
ولكنك غبت عني وعن الحارة ,غياب أهل الكهف , وتركتني أتقلَّب على جمر جهنمي, وأغلقت هاتفك النقال في وجهي ..
حاولتُ ان أتصل بك ألف مرة في اليوم , فكنتُ كمن يتعامل مع صخرة صماء, ورميتُ برسائلي المكتوبة بالحبر الأسود , في صناديق البريد فشعرتُ , أنها تبقى هناك كبضاعة ليست لها من طالب .
لم أكن أدري أنك كنتَ غارقاً , في أجواء غيري .!أنا أحترق في أتون همومي وأشواقي إليك , وأنت بعيداً عني .. تنهل من أحضان غيري ..!
وقررت ان أصل إليك .. الى “فينجيت” .. المعهد الذي تدرس فيه.
لأنني تأكدت أنني ان لم افعل ذلك , فإنني سأنهار وأفقد كل حواسي , التي تعيش من أجل ان تلبي طلبات حبك.
انك علمتني أيها القاسي”اللئيم” , ان حياتي بدونك أوراق صفراء , لم تعد ذراعها تقوى على التشبث بأيدي أمها ..
علمتني أيها “اللئيم”, أني بدونك عصفورة , نظرت حولها فلم تجد أحدا تغني له , أو تضع نفسها بين جناحيه , عندما تحتاج الى ساعة دفء وحنان .. الى سماع دقات قلب..
وطرت إليك الى معهدك أردت لقائك ..
ولا يهمُّني كيف ستستقبلني ..
ان ترميني..
ان تقتلني بعينيك ..
ان تعصر كياني بتقلبات وجهك ..
ان تريني الطريق الى جهنم .!
ولكني قرَّرت – أنني سأملأ رئتي بنسائم طهرك .. ان أملأ جعبتي من حنان زادك.!
ووصلت الى هناك .. الى الشقة التي تضمك مع أصدقائك..
وعندما سألتني إحدى الفتيات اليهوديات , التي كانت تقف على الباب عن هويتي , قلت لها ولا أدري – الى الآن – ما الذي ألهمني على هذا القول:
“رولا صديقة محمود.!” .
فساقتني الى الداخل وهي تصيح :
” صديقة محمود.! .. صديقة محمود.!”
وقبل ان أدخل غرفتك أصمّـت أذنايَّ زعقات زملائك الطلاب :
“يا محمود يا خبيث.!
يا محمود يا كذّاب.! يا محمود يا .!
انطلقت أصواتهم من كلِّ جهة , تلومك لأنك أخفيت علاقتنا عنهم ..
وأنت يا محمود .. تجلس على السرير , ووجهك يتقلب بكل ألوان الطيف ..
حاولت ان أسرق نظرة على وجهك , لأقرأ شيئا فلم أستطع , لأن صور شريط تقلبات وجهك كانت سريعه , وكثيرة الأوان والتشكُّلات , ولم تسعفني الغشاوة التي غطَّت عيني على ملاحقة هذه الصور..
“يا همج .! انطلق صوت من بينهم :
“اتركوهم لوحدهم .. اتركوهم لوحدهم..! أكمل الصوت نداءاته ..
وتركونا لوحدنا ..
أنا أغوص في أعماق ذهولي .. وعيناك تتقاذف في داخلها , مشاعر الغضب والعجز والذهول و.. ”
ها أنا جئت إليك.!
قلت , بعد شعرت أنني سأنهار في حوّام , بدأ يقترب مني فسكت .. وسكت حتى أنك لم تبق للصمت شيئا .!”
واستمرت الصور , تتراكض على صفحات وجهك, ولكنها بدأت تقلُّ سرعتها شيئاً فشيئاً , حتى كادت تستكين .. حتى سألت بنغمة صوت , خرج من بئر العذاب :
“لماذا جئتِ بعد ان طردتيني من حياتك.!؟ ” .
فأجبتُ والدموع تنفجر من عيني :
“أنت تعرف , أنني سأطرد نفسي من نفسي , قبل ان أطردك.!” .
وقمت من الكرسي , الذي كنت أجلس عليه , وضممتك في حضني , وقرَّبت أذنك من دقات قلبي , فانفجرت بالبكاء.فبكينا معا .. بكيْنا .. وعصافير كان تقف على شجرة , بجانب شباكك بكت معنا تغريداً.
ولكنك لم تكن محمود الذي أعرفه .. كنت ” تشرد ” مني , واحتجت الى جهود كي أعيدك إليَّ من شرودك .!
سألتك بدلال : ” لماذا تسرح بعيداَ عنّي !؟ ” .
فأجبت وأنت تعود من واحدة من “سرحاتك ” :
“لا .! لا شيئ .! ”
وطفنا في حدائق المعهد الخضراء , التي كانت تغنّي معنا بكل الألوان , وشاركتنا طيوره في عزف سمفونية موسيقية , تحكي حكايات وأحلام حبنا..
وودعتك على أمل إننا رسمنا خارطة الطريق , الذي فيها حبّنا ..
ولم أكن أعلم , أنني أعيش في واحدة , من أقسى مسرحيات الخداع ..
وخرجت من المعهد متوجهة الى محطة الباص , وإذا بصوت يناديني , نظرت الى الخلف و فكانت هي , إحدى الفتيات التي التقيت معهن في غرفتك .. ولكنها انسحبت سريعاً ..
وقفت في مكاني .. حتى اقتربت مني ..
مدّت يدها الى النقّال , وفتحته وعالجته حتى استقرت على وضع قصدته , ومن ثمَّ فرّبته من عيني ..
كانت صورك معها , غارق في أوضاع فاضحة ,.
واستمرَّت في تقليب شريط صورك معها ..
حتى غامت بي الدنيا .. وجدت نفسي , أغمى في حوّام يدور بسرعة , يوشك ان يطيح بي أرضاَ ..فتشبَّثت بكتفها ,,
مسكت بي , وجرَّتني الى مقعد محطة الباص , وأجلستني عليه وجلست بجانبي ..
وبعد ان لاحظت , أني بدأت أعود الى شيئ من توازني, همست بصوت مغدور :
” قبل لحظات كنتُ في وضعك .. أنا وأنت ضحيتان لمحمود ..!
حضوركِ الى هنا أنقذنا من أنيابه ..!
أنتِ تقدّرين كم عانيتُ , من أجل إخفاء علاقتي معه .!
وماذا سأعاني عندما كانتْ ستنكشف .!
بقلم يوسف جمّال – عرعرة