إستعراضٌ لقصّةِ “الوسادة العجيبة ” للأطفال للشاعرة والأديبة ” حنان جبيلي عابد “
تاريخ النشر: 07/01/19 | 9:09مقدمة : الشاعرةُ والأديبة ُحنان جبيلي عابد من سكان مدينة الناصرة ، تكتبُ الشعرَ والمقالات الأدبيَّة وقصص الاطفال وصدرَ لها العديدُ من الدواوين الشعريَّة والكتبِ الادبيَّةِ وقصص الأطفال.وسأتناولُ في هذه المقالة أحدَ اصداراتها وهو قصَّة للأطفال بعنوان : ( الوسادة العجيبة ) من خلال الإستعراص والتحليل .
تقعُ هذه القصَّةُ في 24 صفحة من الحجم الكبير ،وضعَ رسومات الكتاب الفنانة التشكيليَّة ( منار نعيرات ) وراجعه لغويًا الدكتور ” صالح عبّود ” وتصميم وطباعة : ( دار النهضة للطباعة والنشر،الناصرة ) .
إنَّ هذه القصَّة فانتازية ( خياليَّة ) من الدرجة الأولى وتدورُ أحداثُها ومشاهدُهَا بين شخصين فقط ، وهما : الطفل طارق بطل القصة ومحورها ووسادته السِّحرية والعجيبة التي ينامُ عليها ..
تبدأ القصَّةُ بشكل مباشر عندما كان طارق يضعُ رأسَه على الوسادةِ لينام ولم يكد يغمض عينيه حتى سمع صوتا يناديه باسمه : طارق ، فالتفتَ إلى مصدر الصوت ولم يرَ شيئا، ورجعَ إليهِ الصوتُ مرَّة أخرى: أنا هنا .. فردَّ طارق على الصوت المنادي :أينَ أنت ؟ أنا لا أراك !؟. فأجابهُ ذلك الصوتُ الهاتف: إنهض من سريركِ وستراني .
نهضَ طارق من سريرهِ بخفّةٍ فرأى وسادته التي ينامُ عليها قد تحوَّلتْ إلى غيمة بيضاء صامتة، وتخاطبهُ وتقولُ لهُ :
أنا ديمة الغيمة الصّغيرة
فأجابها طارق : أهلا بكِ
فقالت له الغيمةُ التي كانت وسادة في البداية : أتيتُ لألعَبَ مَعكَ .
فاستغربَ طارق من قولِها : تلعبين معي !!
فأجابتهُ الدّيمةُ : نعم أتيتُ لألعبَ معكَ لعبة الأشكال .
فقالَ لها طارق : ما هي هذه اللعبة .
فأجابتهُ الديمةُ : لعبةُ هي أنني أستطيعُ أن أتغيَّرَ وأتحوَّلَ إلى أيِّ شكل ومظهرٍ أنتَ تريدُهُ .
فاستغربَ طارق من قولِها : حقّا
فقالت له ديمة : هيَّا جرِّب، وعليكَ أوَّلا أن تقولَ هذه الجملة : (( يا ديمة ، يا غيمتي الصَّغيرة ،تحوَّلي إلى ..وتقول اسم الشكل الذي أنتَ تريدُهُ ) .
وبسرعةٍ وبتلقائيَّة قالَ لها طارق : ( ديمة يا ديمة ، يا غيمتي الصّغيرة ، تحوَّلي إلى مثلث – ” صفحة 5 ” ) .
فضحكت ديمةُ من طلبهِ البسيط هذا ، وقالت لهُ : أستطيعُ أن أتحوَّلَ إلى عدَّةِ أشكال هندسيَّة أخرى .. وبإمكاني أن أتحوَّلَ إلى حيواناتٍ وطيور ونباتات وأستطيعُ أن اتحوَّلَ إلى حيواناتٍ مُخيفة أيضا، وبسرعة تحوَّلتْ إلى مخلوق غريب ومخيف .
فقالَ لها طارق :لنبدأ إذا،وقالَ الجملة السحريَّة التي طلبت منه ديمة ترديدها لكي تتحوَّلَ إلى أيِّ شكل هو يريدهُ :
( ديمتي يا ديمتي ، ياغيمتي الصَّغيرة، تحوَّلي إلى حصان)..وتحوَّلت بلمح البصر إلى حصان
فقالت له ديمة : هيَّا اركب على الحصان ، وعليكَ الجلوس بشكل مريح وتمسَّك بي جيدا يا طارق . فجلسَ طارق كما طلبت منه الغيمةُ وبطريقة صحيحة ومريحة وتمسّكَ جيدا بأطراف الغيمة . وقالت له ديمة : ا، 2 ، 3 إستَعِدْ ، فأمسَكَ طارق رقبىة الحصان ، وقالت له ديمة : هيَّا بنا . فصهلَ الحصانُ وانطلقَ من نافذة غرفة طارق ، ثمَّ بدأ يرتفعُ بشكل تدريجي في السماء ، فرأى طارق بيته والمدرسة وبيوت الجيران والحارة التي يسكنها وبيوت أصدقائه.وداعبَ الهواءُ وَجهَ طارق،وكان في قمَّة السعادة والسرور وهو على ظهرالحصان يحلقُ فوق الغيوم،وفي نفس الوقت ينظر إلى أسفل، وبدأ في الضحكِ الشديد .
فسألتهُ ديمة ( الوسادة التي تحوَّلت إلى حصان ) باستغراب : ما بالكَ تضحك ؟!!
فقالَ لها : أضحك لأني أشعرُ بالفرح والسعادة الكبيرة يا ديمة .
ثمَّ قالَ لها من دون تفكير : يا غيمتي هل تستطيعين ان تتحولي إلى نسر أو أسد أو فراشة ، فيل ، زهرة ، شجرة … فتحوَّلت ديمة بسرعة البرق إلى جميع الأشكال التي طبها طارق. ثمَّ قالت له ديمة بعد ذلك،( بعد أن تحوَّلت إلى جميع الأشكال التي طلبها طارق ) :
(( الآن يا طارق قد حان موعدُ عودتنا إلى البيت )) .. فوافق طارق على طلبها .. وبدأت الديمةُ بالهبوط بشكل تدريجي، وفي نفس الوقت بدأ طارق يشعرُ بالخوف والرَّهبة وبدأ يبكي ويصرخُ بصوت عال : ديمة يا ديمة، ياغيمتي الصَّغيرة أنا خائف ( صفحة 21 ) .
فأجابتهُ ديمة وهي تضحك : ” لا تقلق يا صديقي …دعني أفكر قليلا….
حسنا ولا بأس .. سأتحوَّلُ إلى قوس قزح لونه أبيض وسيمتدُّ حتى نافذة غرفتِكَ التي تنام أنت فيها “..
ثمَ قالت لهُ : هيا بنا يا طارق. فانزلق طارق برفق وبشكل بطيء وتدريجي فوق قوس قزح وهو سعيد ومسرور، فوجدَ نفسَه داخل غرفته وفوق سريره .. وتمنَت لهُ ديمة بعد ذلك ليلة سعيدة ، ورجعت هي إلى وضعها الطبيعي كما كانت في السابق وسادة (مخدّة ) تحت راسه.. وتنتهي القصةُ هنا هذه النهاية الجميلة والطريفة.
تحليلُ القصَّة:هذه القصَّة ( الوسادة العجيبة ) فانتازيَّة خياليَّة من الدرجة الأولى ، والجديرُ بالذكر أنَّ العنصرَ والطابعَ الفانتازي الخيالي مهمٌّ جدا في أدب الاطفال .. ويضيف جمالية ونكهة ولمسة سحرية خاصة للقصَّة ، والأطفالُ الصغار بدورهم يحبُّون القصصَ والحكايات التي فيها خيال وأساطير وحتى الكبار أيضا.. ونجدُ نحن أن الكثيرَ من الحكايات والقصص التراثيَّة الشعبيَّة والفكلوريّة، وحتى القصص التاريخية القديمة فيها عنصر الخيال .. وكما أنَّ معظمَ قصص الاطفال الأجنبية يوجدُ فيها دورٌ كبيرٌ للعنصر والجانب الخيالي الفانتازي..ويبدو واضحا أن الكاتبة حنان جبيلي – عابد قد تأثرت بقصص الاطفال الأجنبية ،وبالذات المترجم منها ..وأدخلت على قصصها التي كتبتها للأطفال هذا العنصر والجانب الهام ..
وبالإضافةِ للعنصر الفانتازي المذكور يوجدُ في هذه القصة عنصرُ التشويق والطابع الترفيهي والمسلي..وهذان من أهم الأشياء والجوانب التي يجبُ أن تتوفرَ في قصص الأطفال ..لأنَّ أولَ عنصر وهدف وجانب يجب أن ندخله لقصص الاطفال وإلى عقل ونفسيَّة الطفل هو العنصر الترفيهي المسلي .. ويكون هدفُ وَمنطلق وأساس وركيزة القصة وكل قصة تكتب للأطفال وهو تسلية الطفل وترفيهه وَإسعادِهِ .. ومهما كانت القصة مستواها راقيا وتحوي جميعَ المواضيع والعناصر الأخرى فإذا فقدت عنصر التشويق والعنصر الترفيهي والمسلي للطفل فكأن القصة لا تعني شيئا للطفل .. ولا تستحق أن نُسمِّيها قصة للأطفال لأنها لا تخصُّهُ ولا تجسِّدُ عالمه البريىء والوديع والشفّاف.. ويجبُ على كلِّ أديب وكاتب يكتب قصصا للاطفال أن يأخذ بعين الأعتبار هذا الموضوع والجانب الهام قبل كل شيىء ..
لقد كتبت وصاغت الأديبةُ حنان جبيلي عابد هذه القصة بلغة أدبية جميلة سلسة ومفهومة يستوعبها ويتذوَّقها ويفهمها كلُّ شخص ، وهنالك بعض الكلمات قد تبدو صعبة على الطفل ، ويستطيعُ الطفلُ الصغير فهمها من خلال إدراجها في الجمل ومن خلال مجرى وتسلسل معنى الجملة ومجرى الاحداث، مثل كلمة ديمة ، وكلمة وسادة.. أي المخدة…وغيرها من الكلمات العربية الجميلة . وهذه القصَّة غير طويلة من ناحية المسافة ، وهي ملائمة ومناسبة لجيل ولمستوى الطفل من ناحية التفكير والإستيعاب الذهني .. والكاتبة لم تُدخِلْ في القصىة الكثيرَ من الوجوهِ والشخصيات واكتفتْ بشخصيَّتين وبطلين للقصَّة فقط ،وهما الطفل طارق بطل ومحورهذه القصَّة بالإضافة إلى وسادته العجيبة والسحريَّة التي تستطيع أن تتحوَّلَ بسرعة إلى جميع الأشكال ولكلِّ طلب يريدهُ طارق منها حتى تتحولَ إليه. كما هو الأمر مع الفوانيس والقماقم السحرية في قصص ألف ليلة وليلة وغيرها من القصص والأساطير العربية القديمة عندما يُلبِّي الماردُ أو العفريتُ الذي يخرجُ من القمقم أو الفانوس جميعَ طباتِ صاحبة مهما كانت صعبة ومستحيلة وبسرعة البرق …
تستهلُّ الكاتبةُ هذه القصَّة بأسلوب سردي،وبعدها مباشرة تنتقلُ إلى الحوار ( ديالوج)،ومعظمُ مشاهد وفصول هذه القصة يغلبُ فيها عنصرُ الحوارعلى عكس الكثير من القصص المحلية . إن التكثيفَ من الحوار في كل قصَّة سواء كتبت للأطفال أو للكبار يضيفُ ويُعطي هذا الجانبُ للقصةِ حيوية ونشاطا ويبعدُ الروتين والملل ، ولا يشعرُ القارىء بطول القصَّة ، ويشعرُ كأنه يعيش أحداثَ القصَّة شخصيًّا وبحذافيرها بشكل مباشر ، وينسجمُ ويتفاعلُ معهَا وكأنه يرى أحداث ومشاهد القصَّة الدرامية بكاملها تجري أمامه ويراها بعينيه ..
لقد أدخلت ووظفت الكاتبةُ في القصَّةِ أسماءَ بعض الحيوانات الأليفة وغيرها ( عندما طلب الطفل طارق من ديمة ان تتحول إليها )،مثل : نسر ، فراشة أسد فيل ، حمار.. وشجرة وزهرة . والطفلُ الصغير بطبيعته يحبُّ الحيوانات ،ويحبُّ ويتشوَّقُ بدوره أن يتعرفَ عليها جميعا ، وخاصة التي لم يعرفها ولم يشاهدها ولا يعرف أسماءَها، وحتى المفترسة والمخيفة منها .. فذكرت الكاتبةُ هنا للطفل بعض الحاجات والأشياء التي يُحبُّها .. ووظفت أيضا قوس قزح الجميل ( الظاهرة الطبيعيّة الجميلة والساحرة والمثيرة ) والذي يثيرُ الإهتمامَ لكلِّ إنسان عندما يراهُ صغيرا كان أو كبيرا.
وهنالك عناصر وجوانب أخرى لم تدخلها الكاتبة إلى هذه القصة ، وهي مهمة أيضا ، مثل:
ا) الجانب التعليمي والتثقيفي والإرشادي
2 ) الحانب الوطني والقومي
3 ) الجانب الفلسفي والحكمي .
4 ) طابع الإيمان ..
5 ) الجانب والبعد الإجتماعي والإنساني والسلوكي
وأخيرا : إن هذه القصَّة ناجحة وعلى مستوى عال في كلِّ المقاييس والمفاهيم الذوقيّة والنقديّة – في المجال الذي يعنى بالأطفال ، وتستحقُّ أن توضع في كلِّ مكتبة ويُكتبُ عنها المقالات والدراسات النقديَّة المطوّلة وأن تُدَرَّسَ للأطفال لجميع مراحل جيل الطفولة..وأهنىء الأديبة الشَّاعرة حنان جبيلي – عابد على هذا الإصدار القيم وأتمنى لها العمرَ المديدَ والعطاء الأدبي المتواصل والمزيد من الإصدارات الأدبية والشعريَّة ، وخاص في المجال الذي يعنى بالأطفال .
( بقلم : حاتم جوعيه – المغار – الجليل )