احمد الطيبي: عشرون عاما من العطاء والتميز والابداع السياسي
تاريخ النشر: 17/01/19 | 10:56بقلم : رائف عاصلة / عرابة الجليل
يعتقدُ بعضُ أمراء الوعظ الوطني القومي المحلي وكذلك بعض أمراء الوعظ الديني أنَّ التهميشَ والنأي بالأقلية العربية الفلسطينية في الداخل الفلسطيني بعيدا عن أي حركة أو دور سياسي مدني مؤسساتي ..والإعجاب المبالغ فيه بدور المعارض الرافض صاحب الخطاب الغاضب المزدحم بفيض غير عادي من مفردات الشتم والتقريع الساخر ..هو الصواب القومي والصواب الديني الذي يحفظ للهوية القومية والدينية صدق انتمائها..بإعتبار أن أي مشاركة عربية برلمانية في الكنيست هي موافقة على السلوك القومي الصهيوني المؤسساتي للدولة ومشاركة في النموذج الديمقراطي الكولونيالي القائم ..!!
هؤلاء الوعاظ يكتفون فقط بتحديد ما لا يجب فعله او المشاركة فيه..وتحديد منطقة الحرام الشرعي او الممنوع القومي ..دون طرح بديل يومي حياتي تستطيع من خلاله الأقلية من هذا الشعب في الداخل ممارسة حياتها الطبيعية وتحقيق مصالحها المدنية المختلفة التي هي جزء من صمودها وبقائها على هذه الأرض .
هذا النمط من الوعظ القومي والوعظ الديني لا زال يصر على البقاء خارج إطار أي شكل من المواطنة الممكنة ولم يتمكن حتى اليوم من تجاوز حدود نموذج الخطابة في المساجد والساحات العامة..ونموذج الصدقات او أموال التبرعات القومية الرومانسية كحد أقصى للإبداع الفردي لما يستطيع ان يقترحه كبديل للمواطنة المدنية القادرة على تحقيق مصالح الجماعة وابتكار وسائل وادوات صمود ودفاع عصرية عن وجودها .
مبتكرو فكرة النأي بالنفس أو التهميش سواء كان ذلك من دوافع قومية او دوافع شرعية دينية لا يضيفون اي جديد على المشهد الوطني المحلي المجروح منذ عام ٤٨ ولا يقدمون لنا خيارا قابلا للحياة إنما هو تعبير واضح عن عجز العواطف القومية والدينية في الإنخراط في تفاصيل الحاضر المركب وإبداع سلوك قادر على حفظ التوازن الضروري بين الهوية القومية الدينية والمواطنة .
نحن ندرك جيدا أن الفكرة تصاب بحالة من التكلّس الشديد إذا أصر أصحابها على حفظها خارج القضايا العينية للجماعة.
كلنا يعلم الوضع المحلي المركب السائد اليوم بسبب إخفاقنا في الحفاظ على الوحدة الفتية التي نشأت بين احزابنا السياسية المحلية لأن بعض الأحزاب لم يكن يرغب في تطوير هذه الوحدة والتقدم منها نحو مفهوم حزبية جديدة في حدوده الدنيا .. انما فضَّل الحفاظ على جماعة مصالحه القديمة ( الأحزاب القديمة ) وسعى من خلال سلوكي إقصائي غير ديمقراطي لمصادرة الحق الديمقراطي لحزب الحركة العربية للتغيير في الإنفصال والعمل على إنشاء تحالف قوى يملك القدرة على بناء وحدة مجتمعية جديدة يمكن تطويرها والرهان عليها كخيار وطني محلي بديل لبعض احزاب تحولت مع الوقت إلى مجموعات مصالح أقرب إلى المجموعات العشائرية منها إلى الأحزاب رغم كل محاولات الدحض والتبرير التي قامت بها هذه الأحزاب ورمي الآخرين بها .
كان واضحا رغبة البعض من الوجوه المحسوبة على هذه الأحزاب تكريس الوضع القائم من القائمة المشتركة في سلوك صبياني يقرأ منه الحرص الشديد عند هؤلاء على إستبعاد اي محاولة من أي طرف لإجراء تعديل بنيوي قد يفقدها القدرة على الظهور بحجم اوسع بكثير من حجمها الطبيعي في انفصال واضح عن الواقع على الأرض .
منذ الأيام الأولى لمسيرة العربية للتغيير الحزبية حرصت على سلوك سياسي محلي وإقليمي وحتى دولي فيه ترجمة دقيقة لعواطفنا القومية والدينية كأقلية قومية من حقها العيش بكرامة فوق أرض الآباء والأجداد .. لأن السلوك الصادر عن انتماء صادق العواطف هو إبداع صاحبه .
لقد آثرت الإنخراط في الحياة الإجتماعية المدنية لأنها وقيادتها ضد خيار النأي بالنفس والتهميش الإرادي مع وعيها التام بضرورة الحرص غير العادي على حفظ التوازن المطلوب بين هويتنا القومية والمواطنة داخل الدولة
حملت عواطفها الواضحة وفكرها القومي الوطني مع استعداد للإنفتاح على جميع الأحزاب على اختلاف توجهاتها العقائدية الفكرية
لذلك لم تتردد العربية للتغيير وقائدها احمد الطيبي للحظة حين توجه إليه الدكتور عزمي بشارة للتحالف معه في انتخابات عام ١٩٩٩ حين كان حزبه الفتي يتعرض لهجمة غير عادية من قبل الإعلام المحلي وكان لا بد لنا من الإستجابة لهذا التوجه وإنقاذ حزب شقيق من هجمة شرسة كهذه واستطاع الجانبان بناء تحالف سياسي يقوم على التكافؤ والإحترام المتبادل والإستعداد للعمل المشترك بكل تفاصيله المدنية والسياسية والبرلمانية.
عند عودة الدكتور بشارة من سوريا استطاع تمرير قانون شلل الأطفال في الكنيست الأمر الذي حظي حينها بحملة اعتزاز وتطبيل غير مسبوقة من قبل حزبيين هم انفسهم من تتصدى لنا قلامهم اليوم وتشن حملة على كل إنجاز نحققه ليس لصالح مجموعتنا الحزبية الضيقة فقط إنما لصالح شعبنا كله في الداخل .عندما نجح بسارة بسن قانون كان ذلك فتحا مبينا وانا الطيبي عندما ينجز قانونا فهذا يبدو بسبب قبول الائتلاف. ما هذا الاسفاف ؟
لم يكن قرار فك الشراكة التي كانت قائمة بين العربية للتغيير وبين حزب التجمع هو قرار العربية للتغيير إنما كان سبب ذلك خلافات حزبية نشأت داخل صفوف حزب التجمع التي وصفها النائبان عزمي بشارة وجمال زحالقة أنها حملة داخلية يقودها بعض اصحاب الفكر المتحجر .
لقد استطاات العربية للتغيير بعد ذلك من بناء تحالف مع الجبهة الديمقراطية لأننا كنا نؤمن ولا زلنا كذلك بالعقيدة غير العشائرية الحزبية المنغلقة على نفسها وقد كان فكرها بهويته الوطنية الواضحة يتسع لأي تحالف ممكن مع أهلنا في الأحزاب العاملة على الساحة الداخلية على أساس الهوية الوطنية العقائدية الجامعة.
في الوقت الذي يجد فيه البعض من الأحزاب الأخرى نفسه مضطرا لإيجاد مبررات لعدم الوحدة وتسويقها كنا نحن نحرص على تجاوز أي عائق ممكن في سبيل بناء تحالف وحدوي مع اي حزب يستطيع تجاوز حدود حزبيته الضيقة نحو الفضاء السياسي الوطني الجامع ..من هنا كان تحالف العربية للتغيير مع إخواننا في الحركة الإسلامية عام ٢٠٠٦ مربحا ومنجزاً ( كان للموحدة عضوين منها عضو واحد للاسلامية وعضو للديموقراطي العربي فاصبحوا ٤ مقاعد وتضاعفت القوة بعد التحالف مع العربية للتغيير) ، الذين استطاعوا معنا أنتاج نموذج تحالفي غير مسبوق استمر لأكثر من ثلاثة عشر سنة حتى إنشاء القائمة المشتركة.
ولا ننسى قرار النائب الطيبي نفسه كرئيس للعربية للتغيير الانسحاب من الانتخابات عام ١٩٩٦ وتوجيه الاصوات للاحزاب العربية المنافسة . سلوك وطني بامتياز لم يتكرر حتى اليوم .
هذا النموذج من السلوك الوطني الرائد والعمل البرلماني غير المسبوق الذي قدمناه لأهلنا في الداخل والذي كان أحد أعلامه المحلية النائب السابق الأستاذ أسامة سعدي كان محل فخر واعتزاز لأهلنا في الداخل.
في الوقت الذي كنا نتصدى فيه لقوانين عنصرية يحاول اليمين المتطرف تمريرها في غفلة منا ..
حتى استطعنا إسقاط قانون منع الأذان في مساجد القدس والمسجد الأقصى المبارك .
لقد استطعنا ان ننهض بهمنا الوطني المحلي والظروف غير الطبيعية من التمييز العنصري الواقع علينا إلى أروقة صناع القرار في السياسة الدولية حيث استطاع النائب طيبي من دخول البيت الأبيض حاملا ملف قضية شعبنا في الداخل وواقع الإجحاف والتمييز القومي الذي يعاني منه داخل الخط الأخضر .نعم الطيبي هو اول من دول قضيتنا واول من نشرت له صحيفة النيويورك تايمز مقالات له ( من سياسيي ال٤٨) قبل اقامة المشتركة . هو وليس غيره كما يدعون.
كذلك حمل هذا الملف بكل تفاصيله إلى أروقة الأمم المتحدة والإتحاد الاوروبي وتوقيع اتفاق تعاون وتنسيق مع عدد من الأحزاب الديمقراطية الأوروبية .
نحن نعي جيدا حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقنا بعيدا عن الخطاب الرومانسي الإستجدائي ..لذلك فقد كان للظهور الإعلامي المميز للدكتور الطيبي في الإعلام المحلي وفي الإعلام الدولي في اكثر البرامج السياسية اثرا في الرأي العام الدولي وكان لخطابه القومي الوطني وقعه الواضح في الوعي السياسي المحلي والدولي.
النبرة الوطنية الواضحة لهذا الرجل في الإعلام العبري استطاعت أن تحظى بترحيب واسع من أهلنا في الداخل الذين تماهوا مع خطابه السياسي المعبرة بدقة واضحة عن عواطفه الوطنية والدينية السياسية.
عشرون عاماً من العطاء والتميز والانجاز والخطاب الشامخ الذي ادخل عزة النفس في صفوف جيل كامل مقابل بعض نواب فشلوا في تقديم ولو انجاز واحد طيلة حياتهم البرلمانية والسياسية.
الطيبي ..القائد واضح الملامح الوطنية في زمن تنهال علينا فيه تجار الأصوات في تعبير بائس عن الحالة السيئة الرديئة التي انحدرت إليها بعض الأحزاب المحلية .
اكمل يا طيبي وخلي الشعب يقرر..