قراءة في قصيدة الشَّاعرة فردوس محمَّد
تاريخ النشر: 24/01/19 | 7:51نشرت الشَّاعرة الأديبة فردوس محمَّد، قصيدتين على صفحتها على الفيس بوك، فوجدتهما قصيدتين تستوقفان طويلًا، وتحفِّزان على التَّأمُّل والدَّرس، وَهٰذِهِ مقالتي بعد قراءة القصيدتين:
“واليوم سنستوفي الجُملة .. رسمَ الدبُّ الأبيضُ نملهْ
أسكنها قصرًا من ثلجٍ .. أعمدة من أغلى حُلهْ
والنملةُ كانت ملكتَهُ .. من شُرفتها أحلى طلهْ
هَنّاها الدبّ وغَنّاها .. أسقاها من شهد النحلهْ
أزهرَ في القطبِ ربيعهما .. غرَسا عند المدخل نخلهْ
والدب سعيدٌ لا يدري .. أن الدفء فقيد النملهْ
لما اشتدّ البرد عليها .. أوقدتِ المسكينة شعلهْ
فانهارَ القصرُ الثلجيُ .. وباتت تحت حطام التلهْ
هدّ قُواها الثلج فخارَت .. من بين حطام منسَلّهْ
عاد الدبُ فوجد الرسمة .. تالفة قطعا مبتلهْ
وسيولٌ في القطب اختلطت .. بدموع الدبّ المعتلهْ
وصفيرُ العاصفة يدَوّي .. يبحثُ عن سبب للعلهْ
ألِأنّ الرسمَ بلا شمسٍ؟ .. أم أن السببَ هو الشعلهْ؟!
عبثًا عصفت ثم انقشعت .. يبقى الحب وتحيا النخلهْ”
قيل إن الكتابة للأطفال هي من أصعب أنواع الكتابة، لِأَنَّها تتطلَّب أمورًا لا تكون في الكتابة للكبار، لعلَّ أَوَّل هٰذِهِ المتطلَّبات هي قاموس الطِّفل اللُّغويّ، بحيث يجب على الكاتب للطِّفل أَنْ لا يستعمل مفردات غير موجودة في قاموس الطِّفل وفوق مستواه وإدراكه، لِأَنَّ عدم وجودها يعني جهل الطِّفل بمعناها ودلالتها.. أمر آخر وهو شائع في التَّربية الحديثة، وهو قضيَّة الجنسانيَّة، بمعنى المذكَّر والمؤنَّث، وهذا الأمر وقع لي في بعض مؤلَّفاتي من قبل لجنة قبول الكتب في الوزارة، فهم اليوم لا يقبلون لغة (اكتبْ، واركض، وافْعلْ)، وهي لغة تغليب المذكَّر الَّتي نشأنا عليها، بل يجب المساواة، وما كنَّا نتعلَّمه في طفولتنا انتهى عصره، وربَّما بعض المواقع لا زال، لِأَنَّ في الصَّفِّ يوجد الطِّفل والطِّفلة، وتوجيه الخطاب بلغة المذكَّر يعني منهج التَّغليب من وجهة نظرهم، رغم أَنَّهُ لم يقصد به الانحياز للمذكَّر، فهم يقرأونه أَنَّهُ انحياز للمذكَّر وإلغاء وجود المؤنَّث.
بعد قراءتي الأولى للقصيدة، وهي كما يظهر تكملة لسابقة قبلها، أَيِّ استمرارية أمر ما أو فكرة ما، ركَّزت على هٰذَيْنِ الأمرين، الجنسانيَّة فكانت الأفعال كالتَّالي (سنستوفي، رسم، أسكنها، كانت، هنَّاها، غنَّاها، أسقاها، أزهر، غرسا، اشتدَّ، أوقدت، باتت، هدَّ، فخارت، عاد، وجدَ، اختلطت، يدوِّي، يبحث، عصفت،انقشعت، يبقى، وتحيا)، أَيِّ انتفاء الانحياز للمذكَّر، وجميع الأفعال بصيغة الماضي سوى (سنستوفي، يدوِّي، يبقى، وتحيا)، والفعل (سنستوفي) يعود على الرَّاوي فهو خارج السرَّد لِأَنَّهُ فعل الكلام ولا يتدخَّل في النَّصِّ، فهو راوٍ له فقط، والأفعال الباقية الماضية، في أَيِّ عصر تقرأها ستجدها مضت ومكانها الذاكرة فلا وجود حاضر لها، والحاضر الباقي فعلًا (يبقى الحب وتحيا النَّخلة)، وهما هنا فِعلان أثرهما جميل جدًّا، فالحب قيمة عليا للبشريَّة كلِّها، والنَّخل في التُّراث الشَّرقي قيمة جميلة جِدًّا، ورمز لعلَّه هنا للخير والحياة، وفي مأثورنا الإسلامي أَنَّ النَّخلة عمَّة للمسلم، وَهٰذِهِ أنسنة للشَّجر ما بعدها أنسنة، فهي عمَّة والعمَّة تتَّصف بصفات الحنان والعطف والحبِّ تجاه بني إخوتها. ولعلَّ الحبَّ والخير هما القيمتان اللَّتانِ أرادت الشاعرة القول ببقائهما أبدًا، بدليل استعمالها الفعل الحاضر كمعادل لهما، والَّذي سيظل طول الدَّهر فعلًا حاضرًا لا يمضي، أَيِّ أَنَّهُما قيمتان صالحتان للأبد لا ينتهي زمانهما وأثرهما.
الدُّبُّ والنَّملة في القصيدة اسمان، وهما على الحقيقة رمزان لقيمتين أو لمعنيين، ويحيلان إلى غير المسمَّى الحقيقي لكليهما، ففي الواقع هما نقيضان، من جهة ضخامة الدُّبِّ وصغر حجم النَّملة.. والنَّملة من صنع الدُّبِّ، فهو رسمها وجعلها تعيش، ربَّما ترسيخها كقيمة في العقول.. الدُّبُّ يسكن القطب كما جاء في القصيدة، وهناك الثَّلج، وقد بنى منه قصرًا، والثَّلج عادة صفة للنَّقاء والصَّفاء، إذن الدُّبُّ جزء من هٰذا العالم، وربَّما نحيل هنا إلى أَنَّ الدُّبَّ في القصيدة رمز للنَّقاء وفعل الخير وترسيخه، والنَّملة عادة ترمز للسَّعي الدَّؤوب الَّذي لا يَكِلُّ، ويمكن إحالتها هنا على أَنَّها فعلُه هو أَيِّ الفكرة الَّتي يريد ترسيخها من الخير والنَّقاء والصَّفاء، بلا كلل أو ملل، فهي فعلُه الَّذي لا ييأس من ممارسته ليرسِّخه في العقول. وهو على ضخامته في القصيدة فأفعاله كلها جاءت في سياق الخير والتَّضحية والإثرة على النَّفس، أَيِّ أَنَّهُ فعل من أجل ترسيخ فكرته، النَّملة، الَّتي هي من رسمه، أَيِّ أَنَّهُ أوجدها أَيْضًا كقيمة. بمعنى أَنَّهُ يضحِّي من أجل ما يؤمن به، ومن أجل قيمته، وصغرها نسبة إلى حجمه، ربَّما دلالته أَنَّها قيمة واحدة من مجموعة قيم، وتمثِّل حيِّزًا صغيرًا.
الشَّاعرة فردوس، استطاعت بذكاء واضح جِدًّا عقلنة القيم المعنويَّة الَّتي يتجلَّى أثرها للعيان واقعًا، فالدُّبُّ قيمة والنَّملة قيمة، والنَّحلة قيمة، والعاصفة أَيْضًا قيمة، والنَّخلة قيمة. وتتَّحد قيم الدُّبِّ والنَّملة والنَّحلة والنَّخلة، ولاحظوا الألفاظ الثَّلاثة جمعها الجناس، فبينها صلة معنويَّة، وبالإحالة، فالنَّملة فكرة تابعة للخير والصَّفاء والنَّقاء، فغذاؤها شهد النَّحلة، وهو طيِّب، بمعنى أَنَّ فكرة الخير لا تُغذَّى بغير الطَّيِّب، ثُمَّ النَّخلة، وهي أَيْضًا شجرة طيِّبة واقعًا ورمز خير على مرِّ الزَّمن، وهي الأثر الَّذي لم تنجح العاصفة في اقتلاعه، أَيِّ أَنَّ نبتة الخير حَتَّى بعد الهدم وذوبان القصر ظلَّت شامخة، بمعنى أَنَّ الخير باق ولا يزول، والعاصفة هنا إحالة إلى الخارج، كَأَنَّها عدوٌّ خارجي (الشَّرُّ) هاجم الخير في معقله، لِأَنَّهُ لا يطيق وجوده على ظهر الحياة، والقطب على بعده المكاني، ربَّما يحيل إلى أَنَّ صراع الخير والنَّقاء مع الشَّرِّ حصل في منطقة نائية، أو أَنَّها منطقة نائية في أغوار النَّفس البشريَّة، وتنتهي المعركة بين الخير والشَّرِّ، ويكون الخير قد أبقى أثرًا منه ورسَّخه، وحاول الشَّرُّ اقتلاعه، لٰكِنْ أنَّى له ذٰلِكَ، فقد عصفت العاصفة ثُمَّ انقشعت، بعدما أدركت عجزها عن اقتلاع النَّخلة، ليبقى الحبُّ وتعيش النَّخلة، أَيِّ الأثر الَّذي زرعه الخير والصَّفاء، بقي وسيبقى ولا يزول، وسيصمد أمام الشَّرِّ حَتَّى لو عادَ.
قلنا في البداية إِنَّ الفعل (سنستوفي) وهو أَوَّل الأفعال الواردة، ويتعلَّق بالرَّاوي، فهو تكملة لقَصٍّ سابق، إذن الأمر متعلِّق براوٍ ومرويٍّ ومرويٍّ لهُ.. وبالبحث عن القَصِّ السَّابق نجده في قصيدة أخرى، ترويها لطفلة- قد تكون الطِّفلة الَّتي داخلها هي، وقد تكون طفلة حقيقيَّة تحكي لها أمُّها قصة شعريَّة قبل النَّوم- ولا نجد أَنَّنا في قراءتنا جانبنا الفهم الصَّحيح للقصِّ هنا في القصيدة، فالرُّموز تفسرِّها القصيدة الأولى الَّتي جاءت كمقدِّمة لهذه القصيدة وشارحة لرموزها ودلالاتها. تبدأ القصيدة الأولى بكلمة (حكاية) وتختم بـ (وللمساء حكاية)، نورد القصيدة ونكمل:
“حكاية:
أَنْ تُرضيني أمر سهلٌ.. ما أذكاها تلك الطِّفْلَهْ
حَتَّى تُبحرَ في أفكاري.. جاءت تسألني عن فعلَهْ
قالت: والإعراب ضروبٌ.. صوغي لي حلًّا في جُملهْ
فعلٌ في فنِّ الأوراقِ (م) وألوانٌ شَتَّى في السَّلَّهْ
والفاعلُ ضخم قطبيٌّ.. منعوت، كالثَّلج الحُلَّهْ
والمفعول صغير لٰكِنْ.. في الصَّيف نشيط كالشُّعلهْ
قلت لها والنَّوم قريبٌ.. والمعضلة بعيْني سَهْلَهْ:
فلنبدأ منها قصَّتنا.. “رسم الدُّبُّ الأبيضُ نَمْلَهْ
وللمساء حكاية”
وَهٰذِهِ القصيدة بمجملها إحالة إلى ما سيأتي، فالأمر كلُّه مبنيٌّ على فِعْلِ القصِّ، لٰكِنَّ السُّؤال من المتلقِّي هنا؟:فالطِّفلة في القصيدة جاءت تسألها، وجاء حديثها في أربعة أبيات:
قالت: والإعراب ضروبٌ.. صوغي لي حلًّا في جُملهْ
فعلٌ في فنِّ الأوراقِ (م) وألوانٌ شَتَّى في السَّلَّهْ
والفاعلُ ضخم قطبيٌّ.. منعوت، كالثَّلج الحُلَّهْ
والمفعول صغير لٰكِنْ.. في الصَّيف نشيط كالشُّعلهْ
في الأبيات الأربعة (الإعراب، فِعْلٌ، فاعِلٌ، ومَفْعولٌ)، وقبلها طلب الطِّفلة، لٰكِنَّ الطِّفلة هنا يجب أَنْ نحاول الوقوف عليها، كون الأطفال الصِّغار لا يدركون (الإعراب، وفَعِلا وفاعلًا ومفعولًا)، فتكون الطِّفلة الَّتي داخل الشَّاعرة، كما قيل: داخل كلٍّ منا طفلٌ ببراءته ونقائه. والصَّحيح أَنَّ داخل كلٍّ منَّا الفطرة النَّقيَّة الطَّاهرة جوهرًا الَّتي لم تتلوَّث بأحداث الحياة، وحين تستيقظ الفطرة فَإِنَّ جوهرها يسيطر على مظهرها
ويتجلَّى الأمر في أعمالنا الَّتي تنحاز إلى الخير والجمال والسَّلام والأمن، لِأَنَّها أفعال تنبع من الفطرة النَّقيَّة الصَّافية وتنتج عنها. فهل الطِّفلة هنا فطرة الشَّاعرة استيقظت في لحظة ما، وراحت تملي ما تريد؟، وبالتَّالي يكون كُلُّ ما جاء في القصيدتين حوارًا ذاتيًّا (مونولوج) بين الشَّاعرة ونفسها، وَهٰذا يحيل إلى ما يهمُّها وما يشغل تفكيرها في الحيِّز العام المحيط.. وبالتَّالي ما تحبُّ أَنْ يكون الحال عليه، وهي أمنيات نفس تعشق الخير وتعيشه، وَلٰكِنَّ خيالها وحلمها المنشود ظلَّ مرتبطًا بالواقع الموجود، فلم ينتصر الخير ولا انتصر الشَّرُّ، وانتهت القصيدة الثَّانية مع نهاية معركة واحدة بين الخير والشَّرِّ، فالخير تجسَّد في الختام في النَّخلة الَّتي ظلَّت منتصبة، والشَّرُّ تجسَّد في العاصفة (العدوُّ الخارجي) الَّتي عصفت ولم تفلح باقتلاع النَّخلة، فأدبرت، لِأَنَّ النَّخلة (شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السَّماء، تؤتي أُكُلَها كُلَّ حين بإذن ربِّها)، فالنَّخلة الَّتي صمدت أمام العاصفة ستثمر غدًا، وربَّما تعود العاصفة، وستواجهها النَّخلة مَرَّة أخرى، فالمعركة بين الخير والشَّرِّ لا تنتهي حَتَّى قيام السَّاعة، وهنا نقف على رسالة الشَّاعرة من قصِّها وقصيدها، فهو ليس قصًّا للتِّسلية، بل رسالة تهدف إلى التَّغيير نحو الأفضل والأجمل، وتحمل بذور المنشود لتغيير الموجود.
هٰذا جانب وتأويل قابل للتَّحقيق والنَّفي أيضًا، وهناك جانب آخر في القراءة والتَّحليل، أَنْ تكون طفلة حقيقيَّة طلبت فعلًا من الشَّاعرة، وهنا لا بد أَنْ نرجِّح عمر الطِّفلة، فَحَتَّى يعرف الطِّفل الإعراب والفعل
والفاعل والمفعول، لا بدَّ أَنْ يكون قد تعلَّمها، وَهٰذا يرجِّح أَنَّ عمر الطِّفلة بين (11- 13) سنة، أضف إلى ذٰلِكَ وصف الشَّاعرة لها بالذَّكاء (ما أذكاها تلك الطِّفْلَهْ)، فهي ليست طفلة عاديَّة، بل طفلة ذكيَّة، وبالتّالي ليس مستغربًا أَنْ تسأل، وَهٰذا بدوره يظهر ذكاء الشَّاعرة وقدرتها على سبر غور الطِّفلة وصياغة مطالبها، بطريقة أظهرت معها مطالبها هي. يتجلَّى الذَّكاء في كليهما، في طلب الطِّفلة وفي قدرة الشَّاعرة على إدراك وعي الطِّفلة وصوغ ذاتها فيه، فجاءت رسالة للنَّشء تحمل في أحشائها رسالة للكبار أيضًا، جاءت بأسلوب سلس سهل لا يصعب معناه على صغير أو كبير، من جهة المفردات، وربَّما كانت بعض جوانب المعنى الرَّمزيَّة فوق مستوى قسم من الأطفال الصِّغار، لٰكِنْ شرح بسيط كفيل بإزالة اللُّبس والغموض وجلاء المعنى ناصعًا كالثَّلج في بياضه وصفائه.
اختارت الشَّاعرة للقصيدتين وزنًا خفيفًا سلسًا غير مركَّب، لا يصعب إنشاده على الأطفال، وحين نقول اختارت، فلا نعني أَنَّها قرَّرت الكتابة على هٰذا الوزن أو ذاك، فالوزن يفرض نفسه على الشَّاعر، ولا يوجد
شاعر بحقٍّ يختار الوزن الَّذي يكتب عليه، بل يتنزَّل الشِّعر موقَّعًا على وزن ما ويسير الشَّاعر على هدي النَّغم المنبعث.قلنا إِنَّ الشَّاعرة اختارت وزنًا خفيفًا سلسًا، هو الـمُتَدارَك الخببيُّ، بمعنى أَنْ لا وجود لتفعيلة فاعِلُنْ طيَّه، ومن هنا اسمه الخببيُّ، كونه أشبه بخبب الخيل وهو نوع من عدو الخيل، ومنه أخذ اسمه، وَهٰذا الوزن كما جاء عنه قليل في الجاهليَّة، حَتَّى قال المعرِّي (هجرته الفحول في الجاهليَّة والإسلام)، واختلف فيه إن كان للخليل أو تداركه الأخفش، وثبت بالدَّليل القاطع أَنَّهُ وزن خليلي كتب الخليل عليه، وإن كان أوصى بطرحه، كَذٰلِكَ فإن الأخفش لم يذكر الوزن في عروضه، وذكر حديثًا يمثِّل اعترافًا منه أَنَّ الوزن للخليل، وأثبت ابن عبد ربِّه أَنَّ الوزن للخليل، حيث اطَّلع على عروض الخليل واختصره، وأغلب ما في العقد الفريد في العروض من كتاب الخليل نفسه.بقي أمر يجب الإشارة إليه وهو تنوُّع التَّفاعيل بين (فَعِلُنْ، فاعِلُ، فَعْلُنْ، فَعِلَتُ) وَهٰذِهِ الأخيرة، وهي تفعيلة حديثة عهد، وليست كالباقي، فَحَتَّى فاعِلُ قديمة، ولو أخذنا قولنا (صلَّى الله عليهِ وسلَّمْ) وهي عبارة وجدت منذ بدء الإسلام، حَتَّى قبل الخليل بن أحمد نفسه، سنجد فاعِلُ في ثنايا الوزن (صلَّى الله عليهِ وسلَّمْ/فَعْلُنْ فاعِلُ فاعِلُ فَعْلُنْ) لٰكِنْ فَعِلَتُ الحديثة، ينتج عنها خمسة متحرِّكات، ولا نعلم إن كان الأمر صعبًا من جهة الإنشاد على الأطفال أم لا، لِذٰلِكَ لا نحكم قبل تجربة الوزن بتمازج تفاعيله، رغم وجود التَّفعيلة في أشعار الكثيرين ومنهم نزار قبَّاني، وقوله:
إِنِّي لا أومنُ في حبٍّ.. لا يحملُ نَزَق الثُّوَّارِ/ (يح.. مِلُ نَزَ= فَعِلَتُ)، أو لو أخذنا المثل العربيّ القديم (طال
الأبد على لُبَدٍ/ أبَدُ عَ= فَعِلَتُ)، لٰكِنْ يظلُّ هناك فرق بين الصِّغار والكبار من جهة استيعاب توالي
المتحرِّكات، حيث وجدنا من كبار العروضيِّين قديمًا من أوصى بالتَّقليل من توالي المتحرِّكات، كحازم
القرطاجنِّي في منهاجه، حيث يقول ما معناه: “إذا خبن السَّبب السَّابق على الوتد المجموع، (فَا- عِلُنْ)
فالأولى تسكين رأس الوتد لِأَنَّ التَّفعيلة في هٰذِهِ تشبه الفاصلة الصُّغرى، وتوالي المتحرِّكات وكثرتها في
الفواصل غير مستحبٍّ/بتصرُّف”، فما بالك بتفعيلة كلُّها متحرِّكات (فَعِلَتُ).
ختامًا نتمنَّى للشَّاعرة فردوس مُحَمَّد مزيدًا من هٰذا الإبداع الَّذي يحفِّز على التَّفكير، ونتمنَّى إدراج هاتين القصيدتين مع شرح لهما ضمن المناهج التَّعليميَّة في بلادنا، فنحن أولى بإبداع مبدعينا الَّذي يستحقُّ التدَّريس.
بقلم: الشاعر العَروضي محمود مرعي