عائلة الفنان عاصم أبو شقرة تحوّل منزلها لمتحف
تاريخ النشر: 06/02/19 | 12:17أعلنت والدة الفنان التشكيلي العالمي الراحل، عاصم صلاح أبو شقرة، من مدينة أم الفحم، عن تحويل القسم الأكبر من منزل العائلة إلى متحف يضم العديد من أعمال الفنان الراحل إلى جانب أغراضه الشخصية، بحيث يستقبل المتحف في مرحلة لاحقة، الزّوار والمهتمين من مختلف أنحاء البلاد.ورحل عاصم أبو شقرة عن عالمنا في العام 1991 عن 29 عاما، بعد صراع مع مرض السرطان، وترك خلفه إرثا فنيا وصل إلى العالمية، واشتهر بلوحاته التي تجسّد “نبتة الصبّار”، وقد حظيت بشهرة عالمية وشاركت في العديد من المعارض على مستوى البلاد والعالم، وأقبل المهتمون بالفن التشكيلي على اقتناء معظم لوحاته التي بيعت بمبالغ ضخمة وصلت إلى مئات آلاف الدولارات للّوحة الواحدة.لم يكن سهلا الحديث مع الحاجة رقية أبو شقرة، والدة الفنان الراحل، وكان لاسترجاع ذكرياتها معه وقعا مؤلما عليها، وهو الابن الذي رحل مبكرا بعد صراع مع المرض، وكان كما تصفه “مليئا بالحيوية والحياة يضحك ويمزح مع الجميع”.والحاجة رقية “أم محمد”، هي أيضا والدة الشيخ رائد صلاح، والذي اعتقلته المؤسسة الإسرائيلية عدة مرات ولا زال قيد الملاحقة الاسرائيلية، فعاشت “أم محمد” معاناة السجون مع ابنها، كما انها عاشت معاناة المرض مع ابنها عاصم، إلى جانب معاناتها وحزنها مع رحيل زوجها الحاج صلاح أبو شقرة.في منزلها بمدينة أم الفحم، التقت صحيفة “المدينة” والدة الفنان عاصم أبو شقرة، حيث قررت العائلة، تحويل المنزل بمعظم مرافقه إلى متحف لتخليد ذكرى عاصم وتوثيق محطات في سيرته الشخصية والفنية. ويشرف على هذا العمل الفنان حمزة أبو شقرة، حفيد الحاجة رقية الذي عشق الفن والرسم، وأبدع فيه منذ الصغر، متأثرا بالمرحوم عمه.
بالدموع ولوعة الحنين، تتذكر الحاجة رقية ولدها عاصم، وكأنها لا تزال “تشاهده” في صغره، يجلس بالقرب من أحد المحلات (دكان الحاج يوسف العرابي) في الحي (حارة المحاجنة- أم الفحم) يمسك ريشته ويرسم “وجوه المارّة أو أي شيء آخر”، كما تقول.
أنهى عاصم تعليمه الابتدائي في أم الفحم، ثم المرحلة الثانوية في مدينة “العفولة”، وكان منذ طفولته، بحسب الوالدة، متعلقا بالرسم، وحين انهى تعليمه الثانوي، تضيف الحاجة رقية “أردنا انا ووالده أن نبعثه للدراسة في إحدى الجامعات هنا او إلى الخارج مع أحد اصدقاء طفولته، لكنه اخبرنا انه يريد أن يدرس “الرسم” في إحدى الكليات في “تل أبيب”، وبصراحة لم نتحمس انا ووالده لذلك، وكنت أقول له “هذه مهنة ما بتطعم خبز ولا بتفتح دور!!” لكنه كان يجيب “بالعكس هذه مهنة مربحة”، وأمام اصراره على دراسة الرسم، وافق والده وذهب إلى تل أبيب ومن هناك انطلقت مسيرته الفنية والحمد لله نال شهرة واسعة وطافت لوحاته العالم وبيع معظمها بمبالغ كبيرة”.في مرة من المرات عندما عاد عاصم من تل أبيب أثناء دراسته، لاحظت والدته تراجعا في وزنه، ثم بعد اجراء فحوصات تبين مرضه، غير أن الحاجة رقية لم تعرف ماهية المرض إلا بعد وفاته، رغم أنها، كما تقول “أحسست من قلق اخوانه ووالده أنه مصاب بذلك المرض الخبيث، ولكن كنت اقنع نفسي أنه ليس كذلك”.عاشت الحاجة رقية معاناة مرض نجلها ورافقته إلى المستشفيات ونامت إلى جانبه، وكان هو “دائم الضحك رغم الألم” وتضيف: “يوم وفاته نقلناه إلى مستشفى العفولة وخلال الطريق كان دائم التسبيح ويقول لنا أن نردد خلفه “لا اله الا الله”، ثم كان يقول “يا الله ما أحلى هذه اللحظات يا رب تغفر لكل الشباب” ثم ما لبث أن سلّم روحه إلى بارئها”.تتابع: “لا يمكن أن انسى دخلته علي، وضحكته، كان يحب الجميع ويداعب ابناء اخوانه ويمزح مع اخواته واخوانه، وكان مرتبطا بعدد من الأصدقاء في الحارة منذ طفولته، وبقوا إلى جانبه خلال مرضه، الحمد لله على كل حال ورحمة الله عليه”.أرادت الحاجة رقية أبو شقرة والعائلة تخليد ذكرى ابنهم الفنان الراحل، فكان القرار بتحويل منزل العائلة إلى متحف تعرض فيه الأغراض الشخصية لعاصم ولوحاته. ولفت الوالدة إلى أنها تبرعت من ريع لوحات ولدها لصالح مشاريع الخير، ومن بينها، مشفى النور الطبي في أم الفحم والمدرسة الأهلية.للوقوف على طبيعة “المتحف” الذي تسعى عائلة الفنان عاصم أبو شقرة، إقامته قال ابن اخيه، الفنان حمزة (كريم) أبو شقرة لـ “المدينة”: “أرادت العائلة من خلال هذا المتحف أن تحفظ رواية وأعمال الفنان عاصم أبو شقرة، وأن تطلع الناس على هذه القامة الفنية العالمية التي حظيت بالشهرة والإقبال من قبل المهتمين في الداخل الفلسطيني، عند العرب واليهود، وعلى مستوى العالم”.
لماذا اختار عاصم أبو شقرة “نبتة الصبّار” منطلقا لرسالته الفنية؟يقول حمزة: “في اعتقادي أن نبتة الصبار ارتبطت بوعي الفنان عاصم أبو شقرة منذ الطفولة، ثم أنها تطورت في لوحاته لاحقا وخاصة بعد مرضه، فكل فنان يحمل رسالة معينة من خلال فنه، وعمي عاصم تعامل مع نبتة الصبار بطريقة فنية إبداعية لأنها مثّلت أولا البيئة التي كان يعيش فيها في أم الفحم، حيث كثر فيها “الصبّار”، ثم حين انتقل للدراسة في تل أبيب التصقت به نبتة الصبّار وبقيت في وعيه، كما ان النبتة جسدت بشكلها معاناة الفنان عاصم مع المرض وصراعه معه”.وأشار حمزة إلى أن المتحف العتيد لأعمال عمه عاصم، سيكون عبارة عن غرفتين وساحة كبيرة في منزل العائلة، بحيث تضم الغرفة الأولى لوحات وذكريات الفنان الراحل وملابسه وأدوات الرسم التي استعملها إلى جانب صوره في مراحل مختلفة ورسائله لأصدقائه، بينما تضم الغرفة الأخرى قاعة للقاءات وزاوية لعرض التسجيلات الخاصة بعاصم بهدف تعريف الزوّار بمسيرته ومدرسته في الفن التشكيلي التي ركّزت على نبتة الصبار. بينما ستضم الساحة الملحقة بالمتحف محطات أخرى من حياة الفنان وزاويا مزروعة بنبتة الصبّار وعرض مقالات كتبت في الراحل من قبل فنانين من الداخل والخارج وكبار الناقدين في مجال الفن التشكيلي.وصلت لوحات الفنان عاصم أبو شقرة إلى متحف “اللوفر” في فرنسا بعرض إحدى لوحاته عن “الصبّار” هناك، كما شاركت لوحاته في معارض فردية وجماعية في العديد من دول العالم مثل، أمريكا، المانيا، تركيا، كما كان أول فنان عربي تعرض لوحاته بمعرض فردي في متحف “تل أبيب”، إلى جانب إقامة العديد من المعارض الفنية الخاصة بعصام أبو شقرة في أنحاء البلاد.لم يحظ أبو شقرة برؤية معظم المعارض التي شاركت فيها لوحاته، ووافته المنية قبل أن يتمكن من رؤية لوحاته تقتنى من كبار جامعي اللوحات العرب واليهود والاجانب في البلاد والخارج، كما لم يمتد به العمر ليرى ابن اخيه الفنان حمزة أبو شقرة، وقد نال شهرة واسعة في مجال الرسم.يقول حمزة: “في الحقيقة فتحت عيناني على لوحات عمي عاصم وبدأت الرسم في صف رابع، ثم تابعت هذا المجال إلى أن وصلت بفضل الله إلى المشاركة في العديد من المعارض داخل البلاد وفي الخارج، ويمكن أن أقول بكل صراحة أن مسيرتي الفنية تأثرت بشكل كبير جدا بمسيرة عمي عاصم رحمه الله، إلى جانب تأثري من أبناء العائلة الذين اشتهروا كذلك في مجال الرسم”.تتطلع عائلة الفنان الراحل عاصم صلاح أبو شقرة إلى إقامة متحف في منزلها، يليق بمكانة الفنان المحلية والعالمية، لذلك هي بصدد العمل الدؤوب على انجاز المتحف، بهدف إطلاع الناس على مقام وقيمة عاصم أبو شقرة، ومساهمته الفعلية في رفع اسم أم الفحم والداخل الفلسطيني عاليا في المحافل الفنية داخل البلاد وعلى مستوى العالم.