حاجة الإنسان إلى الانتماء والتواصل مع الآخرين!
تاريخ النشر: 07/02/19 | 22:35الإنسان مخلوق اجتماعيّ يبحثُ عن التواصل الإنسانيّ الودّي مع الآخرين منذ نعومة أظفاره؛ فحتّى الوليد في أيّامه الأولى، وبعد خروجه من رحم أمّه، يتفاعل مع أمّه ومع محيطه، ويظهر ذلك على قسمات وجهه، وفي نظرات عينيه!
ومع تقدّم الطفل في مراحل العمر، يتحرّر تدريجيًّا من الأنويّة المفرطة، ومن التمركز حول ذاته، وينفتح على الآخرين من الأهل والأتراب، ويسعى لتحقيق التواصل الاجتماعيّ الإنسانيّ.
وبهذا السياق، نورد سلّم حاجات الفرد كما وردت عند العالِم والباحث في علم النفس ماسلو الذي يصنّف تلك الحاجات في سلّم أو بناء هرميّ لا يمكن التدرّج والصعود من الحاجات الأساسيّة – التي تشكّل القاعدة – إلى الحاجات العليا الموجودة في أعلى السلّم أو في قمّة الهرم إلّا بعد إشباع الحاجات الأساسيّة الأولى!
وحسب الترتيب الهرميّ لتلك الحاجات نجد في قاعدة هذا السلّم/ الهرم الحاجات الفسيولوجيّة من غذاء وتنفس، ثم تأتي الحاجات العليا الأخرى.
أمّا درجات هذا السلّم فجاءت على النحو التالي:
– الحاجات الفسيولوجيّة: وهي الحاجات اللازمة للحفاظ على حياة الفرد كالتنفّس والطعام والماء والإخراج…
– الحاجة إلى الأمان، فمن أنواعه: الأمان الماديّ والأمان النفسيّ.
– الحاجة إلى الحبّ والانتماء.
– الحاجة إلى التقدير.
– الحاجة إلى تحقيق الذات.
– والحاجة إلى المعرفة والفهم..
والإنسان، كلّ إنسان، ترتبط حياته وسعادته بمدى تحقيق تلك الحاجات، ولا شكّ أن إشباع الحاجة إلى الحبّ والانتماء يحتلُّ مساحة واسعة في منح الإنسان مشاعر الرضا والسكينة!
فالإنسان يحتاج بصورة دائمة للحبّ والانتماء، وهناك من يرى أن هذه الحاجة تتضاعف لديه في أوقات الضيق والشدّة والحزن والوحدة، ويكون التواصل مع الآخرين ومشاركتهم وتعاطفهم من المصادر التي تخفّف من المعاناة والوحدة.
وفي هذه العجالة سأعرض بعض النصوص الأدبيّة التي عانت فيها الشخصيّةُ الرئيسيّة من الحزن والوحدة وبحثت عن التواصل والتعاطف لكي تتحرّر من تلك المشاعر الضاغطة!
الحيوان كبديل للإنسان
ليس على الخبز وحده يحيا الإنسان، وإشباع الحاجات الفسيولوجيّة لا يعوّض عن الحاجات النفسيّة الأخرى، والإنسان السويّ يسعى جاهدًا للبحث عن قنوات للتواصل مع الآخرين، والتنفيس عن آلامه وهمومه، فإن ظفر بشريك من البشر فهذا مبتغاه، وإلّا بحث عن بدائل أخرى قد تكون من عالم الحيوان!
وهذا ما وجدناه في قصة الشقاء (أو الألم) للأديب الروسيّ تشيخوف؛ فبطل القصّة حوذيٌّ فقير فقَدَ ابنَه وحيدَه الذي كان محطّ آماله، فراح يبحث يائسًا عمّن يشاركه هذا الحزن العظيم بين المسافرين الذين أقلّهم في عربته التي تجرّها فرسه، لكن مع الأسف لم يجد من يشاطره حزنه رغم انتماء المسافرين لجميع الشرائح الاجتماعيّة، حتّى زميله الحوذيّ البائس لم يُصغِ لحزنه، وأخيرًا وجد ضالّته في الحيوان؛ في فرسه التي أحسّ أنّها تبادله الإحساس، فأخذ يحدّثها بحرارة عن مأساته – موت ابنه – ممّا خفّف عليه مُصابه الجلل ومحنته القاصمة!
وهناك قصّة قصيرة رائعة لأديبنا الكبير الحائز على جائزة نوبل للآداب – نجيب محفوظ، القصّة بعنوان: “القهوة الخالية” التي تصوّر مأساة إنسان هرم فقد شريكة عمره ومات جميع أترابه وأصحابه، فحاول أن يجد السلوان في الذهاب إلى القهوة التي اعتاد ارتيادها مع أصحابه، لكنّه وجدها خالية من الأنس بعد فقدان الأصحاب وموتهم، رغم ازدحامها بالروّاد، فعاد حزينًا قانطًا إلى بيت ابنه الذي عجز عن منحه الانتماء والتواصل، فحاول خلق التواصل مع مخلوق بديل وكان ذلك قطّة هادئة وديعة، ولكن مع الاسف حال حفيدُه الشقيّ دون ذلك، وحرمه من التواصل مع القطّة، إذ خطفها منه واستأثر بها لنفسه!!
د. محمود ابو فنه