بائع القـرع
تاريخ النشر: 24/09/11 | 1:29الكيل بمكيالين هي أسوأ ما في العلاقة ما بين بني البشر عامة والتعامل في ما بينهم من منطلق النوع والدين والعقيدة والقومية واللون واللغة والجنسية والتصنيفات العديدة المتنوعة .
فما بالك إذا كان الكيل بالمكيالين ما بين أبناء الجلدة والدم والعقيدة والقومية واللغة الواحدة من منطلق تصنيفات مؤلمة كعرب الضفة وعرب إسرائيل أو 67 و48 أو جوا وبرا أو داخل الخط الأخضر وخارج الخط الأخضر والعرب العرب والعرب اليهود وعرب الداخل والخارج وغيرها من تقسيمات وتجاهل الرابط الأساسي والأول ما بينهما وهو الإسلام والعروبة وأن الجميع في بوتقة واحدة وسلة واحدة ومصير واحد !
إن التصنيف العرقي الإتني ما بين الشعوب مرفوض والتفاضل القائم والتمييز بحسب هذه التصنيفات مرفوض مرفوض والتعامل في الحقوق والواجبات من هذا المنطلق أيضاً مرفوض واختلاف ألوان الدم والبشرة والعينين والشعر والمكان والزمان لا يميز ولا يمنح أي منها شيئاً على حساب الآخر ومهما كان ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى !
وما بالك إذا كان التصنيف في الشعب الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة والاختلاف في المكان والزمان وتاريخ النكسة والاحتلال والطغيان !!
كل هذه المقدمة جاءت لتحكي قصتي مع بائع القرع والحلاق والنجار والحداد والميكانيكي والعامل والطبيب والتاجر والسائق والصيدلي والخباز وصاحب المطعم وغيره وغيره ممن نتعامل معهم كعرب ال48 في زياراتنا للتسوق وشراء احتياجاتنا ومعاملاتنا وأعمالنا إلى مدن الضفة الغربية أو السلطة أو الدولة الفلسطينية أو سمِّها كما شئت , ونحن كلنا عرب ومسلمين وتجمعنا العقيدة والدين واللغة واللون والقومية ونتقاسم الألم سوية ونعاني معاً ونُضطهد معاً ومصيرنا واحد ووجعنا واحد والحكم علينا واحد من سائر الشعوب والدول والقوميات الأخرى!
بعضهم يبرر ذلك بأننا ( معانا مصاري ) وأن أوضاعهم الاقتصادية صعبة وأوضاعنا عال العال ( أن الأسعار عندنا غالية ومهما رفعوا علينا الأسعار بنظل ربحانين ) وبعضهم يقول (هؤلاء عرب اليهود) وبعضهم يعتبرها شطارة وفهلوة وبعضهم حقداً وكراهية وبعضهم فرص ربح واستغلال ومكاسب مضاعفة وفرص مواتية .
لا أدري إن كان هنا أو هناك من يقبل هذه التبريرات والتفسيرات ويجد فيها شيئاً من المنطق والشرعية لتسعيرتين للبضاعة تسعيرة لعرب الداخل وتسعيرة أخرى لعرب الخارج .
أما أخي بائع القرع فلم يجد لديه أي من هذه التبريرات ليواجهني بها فقد اشتريت منه قرعة بسعرٍ لم أكن أعلم أنه مرتفع وباهض وعالٍ إلا في اليوم التالي عندما عدت إليه بصحبة أصدقاء من نفس البلدة والذين قاموا بعملية الشراء لأجد أن السعر يختلف اختلافاً كبيراً مما ضايقني ودفعني إلى السؤال :-
لماذا يا بائع القرع تبيعني بسعر يزيد على السعر الذي تبيعه لأخي ؟
لماذا أيها الحلاق تحلق ذقني أو رأسي بضعف السعر الذي يدفعه أخي ؟
لماذا أيها النجار تصنع سريري بضعف سرير أخي ؟
لماذا أيها الطبيب تعالج مرضي بأجر يزيد على علاج مرض أخي ؟
لماذا أيها التاجر والبائع والسائق والجزار تزيد في أسعار الملابس والأحذية والخضار والفواكه والحلويات واللحوم والأجهزة والأدوية وغيرها بمجرد أن يكون الماثل أمامك أخاً أو أختاً من عرب ما يسمى بالعرب الذين ظلوا في الداخل ويعانون كما تعانون من العنصرية والتفرقة في الخدمات ومتطلبات الحياة والضرائب والقوانين و….
لماذا إذاً لا تضع لافتة وتكتب عليها (كيلو القرع لعرب ال67 بـ 48 ولعرب ال48 ب67)
( وحلاقة ذقن العربي الذي يقطن في إسرائيل بعشرة وذقن العربي في فلسطين بخمسة )
( وخلع ضرسي بسعر يختلف عن ضرس أخي )
وليس إلى هذا الحد وكفى بل يتعدى الأمر إلى ما هو أشد إيلاماً فالحاج أو المعتمر منا نحن عرب الشمينت يدفع أضعافاً مما يدفع الأخوة في الأردن أو فلسطين ووسائل السفر والطرق والمسافات والمساكن والمناسك واحدة !
من هنا وإذاً ولما كانت الدول والسلطة والوزارات والمؤسسات واللجان والجمعيات قد كرست ومأسست وعمقت هذا التصنيف (بدلاً من أن تضعنا في السواء أو تكرمنا بما نحن عليه كأقلية من باب دعم الصمود والرباط والثبات والتعويض عن الذي فات بشيء من التسهيلات) فلماذا يقع اللوم والعتاب على الحلاق والجزار والنجار وبائع القرع ؟؟؟
إن في ذلك غش واستغلال وغلو ولا يقل أحد منا أن البيع عن تراض وأن (بين البائع والشاري يفتح الله) بل ليقل اتقوا الله في عملكم وأرباحكم ومكاسبكم وكيف تطلبون رأفة من غيركم وأنتم لا ترأفون بحالكم ورحمة من ربكم وأنتم لا تتراحمون في ما بينكم ولا تصدقون في المعاملة والأمانة التي حملها الإنسان الظلوم الجهول ولم يحسب أنه باستهتاره واستخفافه بها يخرج عن ملة الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم :- ( من غشنا فليس منا ).
الأعداء الحقيقيين للأمة ونهضتها هم الجهل والفقر والفرقة .
حياك الباري استاذي الكريم وجمل ايامك بالسعادة والعطاء.
مقالتك جوهرية النقد..هذه سلوكيات سلبية..يجب العمل على التوعية..رفع روح
الانتماء..والسلوكيات الفاضلة عند جميع ابناء الامة..
الأستاذ يوسف جمل
لك أجمل وأصدق التحيّات.
أحيّيك على ما طرحته من أفكار بناءة، ولكن يجب
أن لا نعمّم، فشعبنا بحاجة إلى مساندة وتعزيز القيم
الإيجابيّة فيه، ليلحق بركب الحضارة، ويشارك فيها.
لك خالص المودّة والتقدير
د. محمود أبو فنه