الطفل في عامه الأول … تجربة لا تستوعب الخطأ
تاريخ النشر: 24/09/11 | 23:10يخرج الطفل من عتمة رحم أمه، إلى نور قلبها وحبها ورحمها الأكبر، يخرج فيستقبله الجميع بحب وحنان، إلا أمه فتزيد على ذلك خوفها ورغبتها الشديدة في الوصول إلى بر الأمان، والسلامة له في عامه الأول.ويزيد ذلك إذا كانت التجربة هي الأولى، فالوعي بما يحتاج الطفل في العام الأول يعتريه الكثير من التساؤلات والاستفسارات، والأم الجيدة هي التي تعرف كيف ترسم خارطة دقيقة من الآليات والتعاملات مع هذا الطفل وتطبقها بصواب، فنحن نعرف أنه كثيراً ما تؤدي السلوكيات الخاطئة والمعلومات المغلوطة القائمة على التوارث دونما الوعي والتثقيف الصحي إلى مشكلات على نفسية وصحة الطفل في عامه الأول.
أراقب علاقات ابنتي بالآخرين:
تقول أم هشام ـ أم لأربعة أطفال ـ : “تجربة المولود الأول تجربة فريدة بالفعل، وقد تعبت كثيرا؛ لأنني أنجبت ابنتي في الغربة، ولم يكن إلى جواري أم أو حماة، أو أحد له خبرة في تربية الأطفال، وكنت وزوجي نعتمد على التجريب في ابنتنا، وكنا نحتار كثيراً إذا واجهت طفلتنا مشكلة لا نعرف كيف نتصرف فيها”.
وتضيف: “لكنني كانت لدي رغبة قوية في معرفة مراحل تطور ابنتي وأراقب علاقتها بي وبالآخرين، وقد تعلمت أن الطفل يفهم ويتأثر مهما كان صغيراً، وقد عانيت وعانت معي ابنتي، فكثيراً ما كانت تبكي دون سبب! وكانت الأسباب يسيرة كحاجتها لتغيير ملابسها أو ما شابه، لكن لم يكن لدى من الخبرة ما يمكنني من فهم حاجتها، أما مولودي الأخير فقد جمعت له كل خبراتي وأتعامل معه بمتعة كبيرة، لم تكن موجودة مع ابنتي الأولى”.
أما عن الطريقة المثلى لتعاملها مع طفلتها في عامها الأول هل هي (الضرب، المهادنة، الإهمال، العناية الفائقة…) فتقول: كل ذلك كنت أفعله، وبعضه كنت أفعله مرغمة وأندم عليه كالضرب، وقد تعرضت لأزمة كبيرة مع زوجي بسبب ضرب ابنتي، لكنني كنت أنوع أساليب تعاملي معها بحسب الموقف وما يتطلبه مني.
أحتاط بالمضادات الحيوية:
أنجبت ولاء خليل – 22 عاما – طفلها البكر “محمد” ، وهي تظل على أهبة الاستعداد للتعامل الجيد معه، من خلال المعلومات السابقة لديها، وبعد الولادة مباشرة تفاجأت بأن الأمر على أرض الواقع مختلف تماما.
تقول السيدة : “كانت أمي وحماتي لا يتوقفن عن إعطائي التعليمات تجاه التعامل مع طفلي، وكن يساعدنني في شؤونه كثيرا، وهن كفؤ في ذلك، وكنت أراجع الطبيبة عندما يتعلق الموضوع بمتابعة الأمور الصحية لطفلي” . وتضيف ولاء: “عندما كان ابني يسخن كنت أتألم كثيرا، وأتعامل مع الأمر بهول شديد! لكن الحمدلله الآن أحتاط جيدا بالمضاد الحيوي، وآلية التبريد الصحية وأعرف متى أذهب للطبيب”.
ترك محمد عامه الأول قريباً وقد أصبح طفلاً يمشى بثقة، ويتناول الكثير من المأكولات التي تطاولها يده في المنزل، وهذا أكثر ما يخيف أمه عليه؛ لذا عليها مراقبته دائما، هي تتركه يكتشف الأمور التي لا يشكل مساسها خطراً عليه، بينما تلك التي قد تؤذيه ترفعها عنه، وتحاول أن توصل إليه المعلومة أنها مضرة، وإذا كرر الاقتراب منها قد تضربه ضرباً يسيراً على يده لإيصال المعلومة إليه، وتوصي ولاء الأمهات بالاعتدال في التعامل مع الطفل، أي عدم الضرب والإهانة على كل شيء، وعدم الإهمال والبرود في التعامل مع أخطائه، وتوصي بالحوار المتواصل مع الطفل حتى لو لم يكن يفهم فمجرد النظرة قد توصل رسالة لطفل في عامه الأول”.
خبرات الجدات مفيدة أكثر من الكتب:
وتروي أم شهد تجربتها فتقول: “مازلت في مرحلة الطفل الأول، ولم أرزق غير ابنتي شهد، وقد قرأت الكثير من الكتب الموجهة لتربية الأطفال، لكنني في كثير من الأحيان أجد أن خبرات الأمهات والجدات مفيدة ربما أكثر من الكتب، وأحاول المزج بين الطريقتين.
وعن أسلوبها في التعامل مع طفلتها تقول أم شهد: “حين ولدت ابنتي حذرتني أمي من كثرة حملها بين ذراعي؛ لأنها ستتعود على ذلك، ولن تكف عن البكاء إذا وضعتها في سريرها أو إلى جواري وأنا جالسة، وبالفعل هذا ما حدث، لذلك أنصح الأمهات بالتعامل بحرص مع المواليد لأنهم يفهمون جيدا.
وحول الطريقة المثلى للتعامل مع طفلتها تقول: “طريقتي هي الحذر الشديد الذي يصل لحد الخوف أو الفوبيا، لأنني أسمع عن العنف ضد الأطفال وما يسببه لهم من قلق نفسي، لذلك أفكر كثيراً قبل أن أفعل أي شيء مع ابنتي ويساعدني على ذلك وجود حماتي وأمي إلى جواري دائما، وأستشيرهن في كل شيء.
سلوكيات خاطئة ومشكلات صحية
أخصائية الأطفال برام الله د. جهاد محمد طه تؤكد في حديث خاص بـ”لها أون لاين” أن طريقة تعامل الأم مع الطفل في عامه الأول مهمة جداً في تكوين شخصيته وتقول: “الطفل بمثابة صفحة بيضاء تغذيه بما تريدين من أفكار ومبادئ”.
وتوضح د. جهاد أن أبرز المشكلات التي يعاني منها الطفل في عامه الأول تتعلق بالتغذية الخاطئة، وتفسر لنا ذلك فتقول: “إن كثيرا من الأمهات تعمد بعد أشهر قليلة على ولادة الطفل بتدعيم تغذيته بحليب صناعي طلباً لزيادة وزنه”.
لافتة إلى أن سبب ذلك تأثرهنَّ بالإعلام، وما يبثه من إعلانات عن أنواع مختلفة من الحليب وأثره على صحة الطفل، بالإضافة إلى اقتداء الأمهات الجدد بالمحيط الاجتماعي في عملية تربيتهن وتغذيتهن لأطفالهن، إذ تعمد الكثيرات إلى المحاكاة والتقليد في نوعية الغذاء، مشيرة إلى أن ذلك يجر على الطفل أمراضاً مختلفة، كالتحسس والالتهابات، خاصة إذا لم يتم اختيار الحليب بعناية وفقاً لطبيعة جسم الطفل، وبيَّنت د. جهاد أنه من الضرورة أن تعتمد الأم على تغذية طفلها بالرضاعة الطبيعية؛ لتمنحه المناعة الكافية بعيداً عن الممارسات الخاطئة باستخدام الحليب الصناعي، والأفكار المغلوطة بأن حليب الأم ليس مشبع وحده ولا يمنح الطفل الزيادة في الوزن إذا لم يتناول الطفل حليبا مساعداً معه، وشددت على أن اعتماد الطفل على أغذية أخرى غير حليب الأم يؤدي إلى الفطام المبكر، ويترتب عليه مشكلات صحية أخرى كالإسهال والحساسية.
الحرارة والإسهال وعلاقتهما بعملية التسنين
وتشير د. جهاد إلى أن شكاوى الأمهات خلال العام الأول من مشكلات عديدة، كالحرارة المستمرة، والإسهال وغيرها وربطها بعملية التسنين يأتي ضمن الأفكار المغلوطة. مؤكدة أنها لا علاقة لها بعملية التسنين وقالت: “التغذية السليمة للطفل منذ ولادته والعناية الصحيحة من شأنها أن تجعل عملية التسنين لديه بلا مشكلات صحية إلا من بعض الآلام التي معها لا يستطيع الرضاعة أو تناول الطعام”.
وبيَّنت أن ظاهرة التسنين ظاهرة طبيعية وتمتد بالطفل لعمر عامين ونصف، مؤكدة أنه من الخطأ تعويل ارتفاع في درجة الحرارة لدى الطفل أو إصابته بالإسهال على عملية التسنين، ولكن يمكن تعويلها على عملية التغذية والتعرض لملوثات الجو والبيئة المحيطة، داعية الأمهات إلى ضرورة الاهتمام بنظافة الطفل، وتغذيته تغذية صحيحة؛ لينمو بشكل طبيعي بعيداً عن أي مشكلات صحية.
مناعة طفلك في الفصول الأربعة
ولأن تأثير عوامل الجو والانتقال من فصل إلى آخر كبير على الإنسان، وقد يهدد جسمه بالإصابة بالأمراض، تنصح د. جهاد الأمهات بضرورة تعويد الطفل منذ عامه الأول على حرارة الجو الخارجي، بعيداً عن الممارسات الخاطئة بزيادة ملابسه اعتقاداً بأنه يشعر بالبرودة أكثر من غيره، وأكدت على ضرورة اتباع خطوات تدريجية في الانتقال بالطفل من فصل إلى آخر لتجنيبه أمراض الحساسية والأنفلونزا وغيرها.
وتلفت طبيبة الأطفال إلى أن تعريض الطفل بشكل مفاجئ لعوامل الجو الخارجية تصيبه مباشرة بأمراض مختلفة، وأشارت إلى ضرورة أن تجعل الأم نفسها المعيار، فتُلبس طفلها وفق ما تلبس، سواء في الحر أو البرد؛ لأن حرارة جسمه لا تختلف عنها فقط في حال خروجه من المنزل بالإمكان زيادة قطعة واحدة من الملابس، وقالت: إن تعويد الطفل على حرارة الجو الخارجية تمنع عنه تأثيراتها السلبية إذا تعرض لها بشكل مفاجئ. داعية إلى ضرورة توحيد طريقة التعامل من الوالدين؛ لتجنيب الطفل عوامل الاهتزاز في الشخصية. مشيرة إلى ضرورة أن يتم التعامل بتمازج بين الحنان والدلال والتفاهم، وكذلك الحزم والمسؤولية.
غذاء الطفل بنوعيته لا بكميته:
من جهته، يقول الدكتور مصطفى شلبي أخصائي طب الأطفال بالقاهرة: الطفل في عامه الأول كائن حساس والتعامل معه هو السهل الممتنع، بمعنى إذا وفرنا له احتياجاته، استمتعنا به.
ويوصى الدكتور شلبي بضرورة العناية بالطفل في عامه الأول من حيث الغذاء والتطعيمات، حيث تعد هذه الأشياء من المؤثرات المهمة في حياة الطفل بقية حياته. ويؤكد الدكتور شلبي أن العناية بغذاء الطفل يجب أن تكون في نوعيته وضرورة احتوائه على الفيتامينات والمعادن التي تؤثر في نمو الطفل، وليس كميات الغذاء.
كما يشير إلى أهمية عدم خلط الأنواع عند تقديمها للطفل للمرة الأولى، ويؤكد على تقليل الكميات سهلة البلع والهضم حتى يتعود الطفل عليها. مشدداً على العناية بنظافة الطفل التي تجعله مستريحا هادئا، وكذلك إبعاده عن تيارات الهواء وتغيير ملابسه إذا تعرضت للبلل؛ لتجنب نزلات البرد المستمرة.