مُديرُ السيّدات
تاريخ النشر: 09/03/19 | 11:04“..أين ما يُسَمّى إذا، مكانة النّساء وإنجازاتهنّ إذا كُنَّ مناهضات شرسات للمغامرة؟ أين آثار حنائهنّ ورائحة اللّيمون الّذي ينضح من أنفاسهنّ وهنّ يغرسن بذرة فرح صغير في قلب طفل نبوءة؟ طفل يفجّ كلّ الأطفال ليفرض سِحراً لا تصادفه كلّ يوم..” #رجاء_ب))
كتابة: رجاء بكريّة
وفد آذار..
وحين يحضر آذار تفزّ معهُ المواقع والمجرّات مسافات شوق، وتتجدولُ دروبها في مدرّجات القلب. يسكُنني دور المرأة الرّسولة لأرقام الحظّ وفق الحكاية الشّهيرة، أُعرّفُها جيّدا رقما ولونا وحبرا، وفق ما حدث في حياتي من مطبّات ونجاحات. دسائس ومواجع، تجاوزات ونكسات. أعنونها أيضا بأسماء رجال أحببت حضورهم في حياتي بعيدا عن عناوين العلاقات وأسبابها. أمسحهم أحيانا، وأدبّسهم بأوراق مُفكّرتي أحايين أخرى. ذلك لأنّي أعرف تماما أنّهم ذات الرّجال الّذين يظهرون في حياة كلّ النّساء. رجال وقفوا قريبا من رأسها وأعني أفكارها، وليس بالضّرورة أن يكونوا أزواجا، لكن قطعا من لحم ودم. يمشون يتنفّسون، يتحدّثون، ويجيدون القفز جيّدا كلّما اعتبروا ما أدّتهُ خاطئا، بينهنّ رجل واحد قد يكون خطّها إلى درب الذّهب أو غابة التّنَك.
هذا الرّجل السرّي الّذي يعني كلماتي اسمه مدير من مصدر الجَمْعِ “مُدَراء”، وبالمعنى الشّمولي للكلمة. وأعني جمع التّكسير الّذي للمدراء في العالم، ومدراء المدارس تحديدا. جمع التّكسير وليس جمع المذكّر السّالم الصّحيح المعقول. ولعلّ الغريب في الأمر أنّ المديرين غالبا، وفي تعريفهم لحضورهم يختارون جمع التّكسير وليس جمع المذكّر السّالم، على اعتبار أنّه الأصحّ حين يعرّفون أنفسهم، كأنّ مصدر التّكسير الّذي لأبعادِ الجمع الّذي يختارونهُ يتجاوز التّسمية إلى الفعل، وأعني فعل التّكسير ذاته. بقي أن نفصل في أمر الهدف، أهو تكسير بهدف التّكسير الفعلي، والقضاء على أصول الأشياء، أم لإعادة البناء! وكم من مديري المدارس يهمّهم أن يفصلوا بين التّسميتين ليكونوا المرآة النّاصعة للكلمة بحروفها الأربعة؟
ليست الصّدفة وحدها تقودني لهذه الموضوعة وفي هذه المناسبة التّاريخيّة في حياتنا كنساء، عاملات، ربّات بيوت، كاتبات، روائيّات وأديبات. قصدت هذا الاختيار لما أعتبره فاصلة في حياتي في علاقتي بمديري المدارس الّذين اختاروا جميعا تسمية مُدراء على مديرين في تعاملي معهم، وحين نوّهتُ أنّها جمع تكسير للمذكّر غير العاقل، ضربوا كلامي بالسّقف أو الحائط، وفضلوا أن يظلّوا مُكسَّرِين فِكريّا، ومُكَسِّرين فعليّا. وإذا كنت أسوق هذه الموضوعة كمصدر حكم وإلهام في يوم كيوم المرأة العالمي فذلك لأنّ المرأة على امتداد تاريخها النّضاليّ عبر الكلمة واللّون والحركة، مواقفها الصّارمة واللّينة، وضروب السّيادة الّتي تنفّذتها، ثمّة من حدّد جهاتها تحت قُبّة هذه التّسمية، حدّدها ليس بالمعنى التّوجيهيّ للكلمة ولكن البعد الجزريّ للمفردة. فحين تتجاوز آفاق النّساء وتطلّعات آفاقهنّ فكر مرؤوسيهم يشكّلون خطرا داهما على المنصب، مناصبهم. ولن أخبركم في هذه العُجالة عدد النّساء النّائبات اللّواتي تجاوزن مديريهم حضورا وأُفُقا، واللّواتي كنّ مجرّد ربّات بيوت وفتّاحات فناجين، بالمعنى المجازي للكلمة في حضرة المدير وضيوفه وكنتُ بعضهُم. لن أسجّل سعادة المدير بنائبة تُشغّل قهوتَها مكان رأسها في حضرة زواّرِه، وصحاحير السّمك الّتي تُعدّها لضيوفها، كلّ أسبوع مكان صحاحير الرّوايات الّتي لمكتبة المدرسة.
عدد المدراء، من مصدر التّكسير الّذين التقيتهم بلا عدد والمديرين من مصدر الجمع السّالم لا يتجاوزون بضع أصابع من أصابع اليد الواحدة. وعليهم جميعا شكّلت خطرا داهما، وانقلبوا عليّ فجأة ودون سابق إنذار ودفعة واحدة بسبب الدّسائس الّتي يتاجرون بخلطاتها في معظم المدارس العربيّة. لم أفهم مرّة واحدة كيف ينقلب السّحر على السّاحر برمشة عَين لمجرّد أنّ إحدى مُدلّلات المُدير الفاشلة في النّحو والصّرف والإملاء تزعجها قوّة حضوري وثرائي الفكريّ. وكنت أعرف جيّدا في كلّ مرّة أضع كعب حذائي على باب مدرسة أنّ ثمّة امرأة تنتظرني كمشروع ملاحقة، حدّ أنّي أُرهِقتُ فكريّا ونفسيّا وأعدتُ النّظر بعملي هذا. اقتنعتُ أنّي لا أنفعُ فردا مُكَمّلا لطواقمِ النّساء في المدارس، كنتُ غريبة دائما ومختلفة، وصاحبة كبرياء، وهذا أخطر ما في المسألة. امرأة في مدرسة يجب أن تمشي على السّطر، ولو كانت ضعيفة المعلومة يمكنها أن تختار روبا فاخرا وكعبا عاليا كي تخيف المدير الّذي يدّعي غالبا قوّة ليست من حدّه. أضف للمعلومة أنّ الكبرياء ممنوع، وعليها غالبا أن تتجرّد من أكتافِهِ العالية، فصرخة المُدير هي آخر العالم ..
رفضت أن أتقدّم لمناقصة مديرة حين تدركمتُ بإحدى المديرات الّتي شكّلت فارقة ساحقة لطموحِ اسم التّكسير هذا إذ اختارت الزّعيق مكان الصّراخ حدّ أنّ صوتها تجاوز باب مدرستها الصّغيرة بحجم مكّعب شوكولا، ولِأسباب لا تُسمن ولا تُغني من جوع. ويومها تساءلت عن مفهوم أن تُعطي في مدارس من هذا النّوع ومفهوم أن يكون مدير مكان عملك امرأة وليس رجلا، ومن يجوز أن نتّبعَ بين التّسميتين. بعد تجربة آثرتُ المُدراء بجمعِ تكسيرِهم على النّساء بجمعِ تكشيرِهنّ. ليس بفضاءات أفق بعيد فهمت أنّ النّساء مُهدِّدات لاذعات لنجوميّة النّساء في مواقعهنّ المختلفة خصوصا في المدارس المُحترمة، إلّا إذا كانت تعرف كيف تُداهِن وتمسحُ السّمن والعسل وعلى وجوه وخبزِ مرؤوسيها، وأنا لم أعترف يوما برئيس بل بشريك يمكنني أن أدعم مسيرة تعليم صَرحِهِ التّربويّ بِفكري واختلافي. لكنّ الغريب أنّ المشاريع في معظمها بقيت في المنتصف حين زاحمت خطواتي الدّسائس والملاحقات وفقدتُ اتّزان قلبي. القلب وليس الفكر، هو ما يسبق إلى العمل في حياة النّساء المُشرِقات بفكر المخيّلة الغائبة في مدارسنا العربيّة. غائبة عن وعي وتخطيط، لأنّ المدراء يحرصون على عدم إجهاد المعلّمة فلديها بيت، والمعلّمة حريصة على عدم ارتكاب جرّة خطأ لئلا تفقد منصبها فتُحجم عن المغامرة، يتبع هذه القرارات مواقف دامغة بعدم إَضافة فاصلة ليست في المُقرّر التّعليمي. ماذا يعني إذا كيان امرأة في مؤسّسة، كلّ مؤسّسة بدون مغامرة؟
أين ما يُسَمّى إذا مكانة النّساء وإنجازاتهنّ إذا كُنَّ مناهضات شرسات للمغامرة؟ أين آثار حنائهنّ ورائحة اللّيمون الّذي ينضح من أنفاسهنّ وهنّ يغرسن بذرة فرح صغير في قلب طفل نبوءة؟ طفل يفجّ كلّ الأطفال ليفرض سِحراً لا تصادفه كلّ يوم! انقلاب معايير المنهاج التّعليميّ ومخيّلة الطلّاب وأفق “المدراء”، اليوم، رهنا لجرأة النّساء المشرفات على النّشأ. جرأة في اختراع فنون المغامرة، ولو بلغت حدّ المخاطرة كَرِهانٍ جديّ على ثورة عارمة تقلب المفاهيم بمُجرّدِها ومَزيدِها. حضور النّساء اليوم في الأطر التّدريسيّة لا نحتاجه خارج حدود التحدّي، والمواجهة. ووحدهنّ النّساء يملكن قوّة تبديل الأدوار االرّتيبة والمبتذلة للمدراء والمُديرين على حدّ سواء. ففي مثل هذا اليوم تستحقّ النّساء، كلّ النّساء، جداريّات من حبق وزعفران، ولا بأس من بعض الإسمنتِ المقوّى يحرس حدود المواجهة ..
مارس، 019… حيفاا