سؤال إلى بروفيسور سليمان جبران نرجو الإجابة عليه وزن الـمُتدارب- مَنْ أخذَ عَنْ مَنْ؟ ب سليمان جبران عن د. عبد العزيز نبوي أم العكس؟
تاريخ النشر: 15/03/19 | 8:27نوضِّح قبل البدء أنَّنا لا نتَّهم بروفيسور جبران بالأخذ عن الدُّكتور عبد العزيز نبوي أو العكس، لٰكِنْ نطرح تساؤلًا مشروعًا للوصول إلى الحقيقة فقط. نورد بداية رأيًا قديمًا في جمع (فاعِلُنْ و فَعولُنْ) في وزن واحد، فلحازم القرطاجنِّي رأي وقول في التَّراكيب “فالتَّركيبات الـمتناسبات إِنَّما تكون باقتران الـمتماثلات والـمتضارعات. ولا يقع في اقتـران الـمتضادَّات والـمتنافرات تركيب أصلًا. وقد يكون الجزء مضادًّا للآخر من وجه، مضارعًا له من وجه آخر، مثل فاعِلُنْ وَفَعولُنْ، فإنَّهما وإن تضادَّا من جهة الوضع بأن قُدِّم في أحدهما ما أُخِّر في الآخر، فقد ضارع أحدهما صاحبه من جهة أَنَّ صدره مماثل لعجزه”(1). إِنَّهُ يحدِّد الوزن (فاعِلُنْ فَعولُنْ).
يقول بروفيسور جبـران في حديثه عن الـمزج بين (فَعولُنْ وفاعلن) في شعر درويش “علينا أن نبيّن هنا أَنَّ الـمُتَقارَب المذكور ليس متقاربًا خالصًا، إذ غالبًا ما يمتـزج بِالـمُتدارك في شعر درويش من الـمرحلة الأخيـرة، كأن تبدأ القصيدة أو الـمَقطع منها بِالـمُتَقارَبِ، ثُمَّ تتحوّل إلى الـمُتَدارَكِ أو بالعكس، ما يجيـز لنا ببساطة اعتبار هٰذا الـمزيج وزنًا “حديثًا” فعلًا نسمّيه الـمُتدارب، أي الـمُتَدارَك + الـمُتَقارَب. تجدر الإشارة في هٰذا السِّياق إلى أَنَّ الـمُتَدارَك الَّذي نعنيه هو الـمُتَدارَك الـمُتشكّل من تكرار تفعيلة فاعلن – ﮞ -، أو تنويعتها الـمَخبونة، عندما يسقط منها ساكنها الأوَّل؛ ﮞ ﮞ – . وهو وزن لم يعرفه الشِّعر الكلاسيكيّ سوى في أبيات معدودة في كتب العروض والنَّحو أوردوها هناك للتَّمثيل. في الـمُتَدارَك هٰذا لا ترد بتاتًا فاعلن المشعَّثة – – الَّتـي تتـردّد في الخبب، ويعتبرها العروضيُّون تنويعة من فاعلن، كما في قصيدة الحصري الـمعروفة ومعارضاتها الكثيرة: يا ليلُ الصَّبُّ متى غدُهُ أقيامُ السَّاعةِ موعدُهُ”(2). نورد مثالًا ينقض كلامه في الـمُتَدارَك، يقول الشَّاعر راشد الحبسي (1087- 1150ه):
طوبى لَهُمُ طوبى لَهُمُ.. يا حَليفَ النُّهى إِنْ شَكَكْتَ فَسَلْ
فَعْلُنْ فَعِلُنْ فَعْلُنْ فَعِلُنْ.. فاعِلُنْ فاعِلُنْ فاعِلُنْ فَعِلُنْ
بُشْرى لَهُمُ بُشْرى لَهُمُ.. وَالخَيْـرُ لَهُمْ وَالسُّؤْلُ حَصَلْ( 3)
فَعْلُنْ فَعِلُنْ فَعْلُنْ فَعِلُنْ.. فَعْلُنْ فَعِلُنْ فَعْلُنْ فَعِلُنْ
نتابع مع ب. جبران، حيث يعود ويقول “على هٰذا النَّحو يدأب الشَّاعِر على الـمُراوحة بين الـمُتَدارَك وَالـمُتَقارَب، أو على الأخذ بما أسميناه بحقّ الـمُتدارب، فيُخيَّل إلى “كثيـرين من الشُّعَراء والقرَّاء”، كما صرّح بنفسه، أنّهم حيال نصّ نثـريٍّ، وما هو بنصّ نثـريٍّ. إنّه نصٌّ موزون على نحو دقيق، لٰكِنَّ الشَّاعِر “قتل” الوزن فيه بِهٰذِهِ الحيلة الإيقاعيَّة البارعة!”(4). هنا يظهر لنا أَنَّ مصطلح الـمُتدارب من ابتكار البروفيسور جبـران كما يؤكِّد على ذٰلِكَ، فهو لم يذكر أَنَّهُ أخذه عن غيـره، بل نسبه لنفسه، وتاريخ بحثه يعود إلى سنة 2010م، لٰكِنَّنا نجد نفس الـمُصطلح بنفس الاسم والتَّعريف لدى الدُّكتور عبد العزيز نبوي صاحب (موسوعة موسيقى الشِّعْر عبر العصور والفنون، الصَّادرة سنة 2004م).
يقول الدُّكتور عبد العزيز نبوي ” وقد أسهمت (موسوعة موسيقى الشِّعْر عبـر العصور والفنون) الَّتي شغلت ألفًا وخمس مئة صفحة، فى ملء الفراغ الفاصل بين التَّصنيف فى موسيقى الشِّعْر من ناحية، وحركة الإبداع الشِّعري من ناحية أخرى. هٰذا الفراغ الَّذي أحدث اضطرابًا فى النَّقد العروضيّ، أو قل كان شركًا لمن تصدَّى له من النُّقَّاد، على نحو ما نجده مثلًا فى كتاب (التَّيَّارات الـمعاصرة فى النَّقد الأدبي) للدُّكتور بدوى طبَّانة، حين قال: ” ففى ديوان البارودي قطعة واحدة من وزن مخترع لا عهد للعروضيِّين به، عدد أبياتها واحد وتسعون بيتًا.. منها :
اِمْلَإِ القَدَحْ.. وَاعْصِ مَنْ نَصَحْ
وَارْوِ غُلّتـى.. بِابْنَةِ الفَرَحْ
فَالفَتى مَتى.. ذاقَها انْشَرَحْ
وقوله: ” وزن مختـرع لا عهد للعروضيِّين به ” يشير إلى الفراغ الحاصل بين حركة الإبداع والتَّأليف العروضي. أَمَّا قوله ” وزن مختـرع ” فليس بصحيح، إذ نجد له أمثلة قديمة تُرَدُّ إلى القرن الخامس على أقلِّ تقدير، وقد جعلتُه على وزن “فاعِلُنْ فَعولُنْ” الَّذي يجوز فيه قصر فَعولُنْ أو حذفها. وأسميته “وزن الـمُتدارب” اشتقاقًا من الـمُتَدارَك الَّذي وحدته فاعِلُنْ وَالـمُتَقارَب الَّذي وحدته فَعولُنْ. ومثاله، قول التَّطيلي ( 525ه / 1130م ) فى أحد موشَّحاته :
لو قبلتَ منِّي.. يا مُنى التَّمنِّي
فاعِلُنْ فَعولُنْ.. فاعِلُنْ فَعولُنْ
فوزن كُلّ شطر ” فاعِلُنْ فَعولُنْ”. ومثاله أيضًا قول أبي بكر ابن الأبيض فى موشّح له :
ليل هجرها
فوق نحرها
بين شعرها
فوزن كل شطر “فاعِلُنْ فَعو”، وهو نفسه وزن قصيدة البارودي. ومعنـى هٰذا أَنَّ البارودي لم يخترعه”(5). لم يذكر نبوي اسم الـمُتَدارِب في الموسوعة، بل ذكره في مقالته في موقع دنيا الوطن 22/1/2006. ولشوقي قصيدة من 70 بيتًا:
“مالَ وَاحْتَجَبْ.. وَادَّعى الغَضَبْ
لَيْتَ هاجِري.. يَشْرَحُ السَّبَبْ
عَتْبُهُ رِضًا.. لَيْتَهُ عَتَبْ
عَلَّ بَيْنَنا.. واشِيًا كَذَبْ”(6)
فاعِلُنْ فَعَلْ.. فاعِلُنْ فَعَلْ
واقتبس نزار حنَّا الدِّيراني كلام الدُّكتور عبد العزيز نبوي، فقال “ويعقِّب عليه د. عبد العزيز نبوي بقوله: “وزن مختـرع لا عهد للعروضيِّين به” فليس بصحيح، إذ نجد له أمثلة قديمة، وقد جعلته على وزن “فاعِلُنْ فَعولُنْ 2332” (ستّ حركات) الَّذي يجوز فيه قصر فَعولُنْ لتصبح فَعولْ أو حذفها. وأسميته (الكلام للدكتور عبد العزيز) “وزن الـمتدارب” اشتقاقًا من الـمُتَدارَك. الَّذي وحدته فاعِلُنْ (ثلاث حركات). وَالـمُتَقارَب. الَّذي وحدته فَعولُنْ (ثلاث حركات) “(7).
لا يمكن القول هنا إِنَّ ما وقع هو توارد خواطر، فتوارد الخواطر قد يقع في تسمية الـمصطلح، مع شكِّنا في مسألة ترتيب نحت الـمصطلح بتقديم الـمُتَدارَك على الـمُتَقارَب، لِأَنَّ الـمُتَقارَب في الدَّائرة سابق على الـمُتَدارَك، والأوزان كانت بداية خمسة عشر وزنًا آخرها الـمُتَقارَب، على رأي البعض، ولو سلَّمنا بمسألة توارد الخواطر في التَّسمية، فهل نسلِّم بالتَّوارد في بقيَّة تعريف الـمصطلح وشرحه؟، ويحقُّ لنا أَنْ نسأل من صاحب الـمصطلح السَّابق إلى وضعه؟، فادِّعاء كُلٍّ منهما الـمصطلح لنفسه يرجِّح على الأغلب، أَنَّ أحدهما أخذ عن الثَّاني دون أَنْ يشير إليه، أو أَنَّ هناك ثالثًا أخذا عنه، والتَّطابق واضح حَتَّـى في نحت الاسم، متدارب بتقديم الـمُتَدارَك (مُتَدا) على الـمُتَقارَب (رِبْ/أو رَبْ)، ونفس التعَّريف.
وقد أصَّل النشوان الحميري (… – 573 ه/… – 1178 م) الوزن عموديًّا كما سيأتي، وَكَذٰلِكَ استعمله نقولا فيَّاض، كما استعمله باكثير تفعيليًّا كما سبق.
أَمَّا عن الوزن فهو قديم وليس جديدًا، ولابن غرلة (ت نحو سنة 540ه) موشَّح جعل صدور الأقفال والأبيات فيه على فاعِلُنْ فَعولُنْ كقوله:
“مَنْ يَصيدُ صَيْدَا…..
صَيْدِيَ الغَزالَهْ…..
كَيْفَ لا أَصولُ…..
ظَبْيَةٌ تَجولُ…..
صاغَها الجَليلُ…..
تَنْثَني رُوَيْدَا…..
تَعْجِنُ الغِلالَهْ…..
خَدُّها الأَسيلُ…..
طَرْفُها الكَحيلُ…..
ها أَنا القَتيلُ…..
قَدْ أُسِرْتُ عَبْدَا…..
مِتُّ لا مَحالَهْ…..”(8)
فاعِلُنْ فَعولُنْ
والمتدارب موجود عندنا في الغناء الشَّعبي، وكثيـرًا ما سمعناه في سهرات الحداء:
عَدِّدوا القِهيوَهْ.. حَوَّلوا النَّشاما
فاعِلُنْ فَعولُنْ.. فاعِلُنْ فَعولُنْ
وأكثـر من ذٰلِكَ فقد ذكر نشوان الحِميَـريُّ (… – 573 ه/… – 1178 م) الـمُتَدارَك باسم المتقاطر وقال “ومنهم من سمَّاه الخبب، ومنهم من سَمَّاه المخترع، ومنهم من جعله من الـمُتَقارَب.
وهو خمسة أنواع: له أربع أعاريض وخمسة أضرب (نذكر الخامس منها/م. م):
الخامس: المجزوءان المخبونان، وبيته:
مَنْزِلٌ بِاللِّوى مَحيلٌ.. غَيَّرَتْ رَسْمَهُ اللَّيالي(9)
فاعِلُنْ فاعِلُنْ فَعولُنْ.. فاعِلُنْ فاعِلُنْ فَعولُنْ
ذكر بيتًا آخر منسوبًا لامرئ القيس (الشَّحْطُ خَليطُكَ إِذْ بَكروا). في قوله (المجزوءان المخبونان) لا يستقيم الأمر، ولعلَّ الكلمة مختلفة كون الشَّكل تداخلت فيه فاعِلُنْ مع فَعولُنْ، وَمِمَّا يظهر فَهٰذِهِ أَوَّل مرَّة تجمع التَّفعيلتان معًا في الشِّعر العمودي، بل وتنسبان إلى بحر، وقد ذكر في البداية أَنَّ هناك من جعله من الـمُتَقارَب، ولم يسمِّ الوزن باسم الـمُتَدارَك، بل سمَّاه المتقاطر. ولم نعثر حَتَّى الآن، ولا جاء أحد بشاهد واحد تجتمع فيه فاعِلُنْ و فَعولُنْ، تحت اسم بحر محدَّد ويمكن أَنْ ينظم عليها قصيد، قبل هٰذا الشَّاهد، ونستدلُّ منه على معرفة القدماء بدمج التَّفعيلتين معًا، وليس الأمر جديدًا في عصرنا. وَحَتَّى في رسم الدَّائرة الخامسة كتب داخلها (الـمُتَقارَب/ الـمتقاطر)(10).
وعنده البحور خمسة عشر، ويسمِّيها الحدود، وجعل الـمُتَقارَب منفردًا في دائرة، ثُمَّ قال ” وزاد عبد الله بن المنذر حدًّا سمَّاه “المتقاطر” له أربع عَروضات وخمسة أضرب، وهو من دائرة المتقارب”(11).
وعند حديثه عن الدَّائرة الخامسة قال” حدود الدَّائرة الخامسة: وَالـمُتَقارَب/ مثمَّن من جزء مكرَّر خماسي: فَعولُنْ.
والمتقاطر، مثمَّن من جزء واحد خماسيٍّ مكرَّر: فاعِلُنْ.
هٰذِهِ حدود الدَّائرة الخامسة. ويفكُّ المتقاطر من سبب “فَعولُنْ” في المتقارب”(12).
وقد نظم الـموسيقار مُحَمَّد كامل الخُلَعي موشَّحًا مركَّبًا من (فاعِلُنْ فَعولُنْ – فَعولُنْ فَعولُنْ)، وَمِمَّا قدَّم له “… أَمَّا نحن فلمَّا وجدنا أَنَّ هٰذا الأصل سيفقد قريبًا إذا اندثر تلحين موشَّحه، سيَّما وَأَنَّهُ ضعيف في التَّلحين؛ لِأَنَّ أكثر شطَراته مكرَّرة في العَمل كبعضِها- تداركتُه بأن نظمت عليه كثيرًا من التَّلاحين البديعة في الصِّناعة الَّتـي تجتذب الألباب وتستلب النُّفوس- ووضعت هنا منها ثلاثة- هٰذا النُّوخت الهندي الحجاز السَّابق- والنُّوخت الهندي الجهاركاه الـمربوط بالنُّوتة- والنُّوخت الهندي السِّيكاه الـمربوط بالنُّوتة أَيْضًا”
زارَني مُرادي.. وَكانَ الطَّبيبْ
فاعِلُنْ فَعولُنْ.. فَعولُنْ فَعولْ
وَاشْتَفى فُؤادي.. وَجادَ الحَبيبْ
وَالهَنا يُنادي.. بِمَوْتِ الرَّقيبْ
ما هُنا عَواذِلْ.. كُفينا الـمَلامْ
مَرْحَبًا وَأَهْلًا.. بِسِيدِ الـمِلاحْ
ناظِري تَمَلَّى.. بِنورِ الصَّباحْ
ذا الرَّشَا تَجَلَّى.. وَوَصْلُهْ أَباحْ
لَيْلَةً تُعادِلْ.. صَفاها بِعامْ(13)
فاعِلُنْ فَعولُنْ.. فَعولُنْ فَعولْ
إِنَّ (فاعِلُنْ فَعولُنْ فَعولُنْ فَعولُنْ) هنا بقراءة مختلفة وجمع الشَّطرين، تعادل الخفيف (فاعِلاتُ مُسْتَفْعِلُنْ فاعِلانْ). وللخُلَعـيِّ وزن آخر أَيْضًا مركَّب من (فاعِلُنْ فَعولُنْ فَعِلُنْ) وفَعِلُنْ هـي فاعِلُنْ مخبونة، فالأصل (فاعِلُنْ فَعولُنْ فاعِلُنْ).
فاتِني بِطَرْفِ الكَحَلِ.. بُغْيَتـي وَأَقْصى أَمَلـي
فاعِلُنْ فَعولُنْ فَعِلُنْ.. فاعِلُنْ فَعولُنْ فَعِلُنْ
ريقُهُ كَطَعْمِ العَسَلِ.. زادَ في هَواهُ وَجَلـي
لَحْظُهُ يَصيدُ الأَسَدَا.. مِتُّ مِنْ غَرامي كَمَدَا
وَصْلُهُ مُزيلُ العِلَلِ.. ما عَلَيْهِ لَوْ يَسْمَحُ لي(14)
فاعِلُنْ فَعولُنْ فَعِلُنْ.. فاعِلُنْ فَعولُنْ فَعِلُنْ
كَذٰلِكَ أنشودة (قطَّتي) للشَّاعر أحمد خيرت (1317- 1384 ه/1899- 1964م):
قِطَّتـي صَغيـرهْ.. وَاسْمُها نَميـرَهْ
شَعْرُها جَميلُ.. ذَيْلُها طَويلُ
لَعْبُها يُسَلِّي.. وَهْيَ لي كَظِلِّي
عِنْدَها الـمَهارَهْ.. كَيْ تَصيدَ فارَهْ(15)
فاعِلُنْ فَعولُنْ.. فاعِلُنْ فَعولُنْ
وللشَّاعر نقولا فيَّاض قصيدة على الـمُتَدارِب:
“أَيُّها الطَّائِرُ الشَّريدْ
فاعِلُنْ فاعِلُنْ فَعولْ
ما الخَبَرْ
فاعِلُنْ
أَنْتَ تَبْكي فَهَلْ بَعيدْ
فاعِلُنْ فاعِلُنْ فَعولْ
ذا السَّفَرْ
فاعِلُنْ
وَدِّعِ النَّخيلْ
فاعِلُنْ فَعولْ
وَالحَنْدَقوقْ
فَعْلُنْ فَعولْ
وَاتَّبِعِ النِّيلْ
فاعِلُ فَعْلانْ
حَيْثُما يَسيرْ
فاعِلُنْ فَعولْ
تَطيرْ
فَعولْ
تُسْمِعُ الغَريقْ
فاعِلُنْ فَعولْ
صَوْتَكَ الرَّقيقْ
فاعِلُنْ فَعولْ
عَلَّهُ يُفيقْ
فاعِلُنْ فَعولْ
هَلْ شَجاكَ القَمَرْ
فاعِلُنْ فاعِلُنْ
وَاحْمِرارُ العُيونْ
فاعِلُنْ فاعِلانْ
بِدُموعِ الأَرَقْ
فَعِلُنْ فاعِلُنْ
أَمْ جَفاكَ الشَّجَرْ
فاعِلُنْ فاعِلُنْ
وَاهْتِزازُ الغُصونْ
فاعِلُنْ فاعِلانْ
وَحَفيفُ الوَرَقْ
فَعِلُنْ فاعِلُنْ
أَمْ مَلَلْتَ البَقاءْ
فاعِلُنْ فاعِلانْ
بِدِيارِ الشَّقاءْ
فَعِلُنْ فاعِلانْ
وَالبَشَرْ
فاعِلُنْ
أَيُّها الطَّائِرُ الشَّريدْ
فاعِلُنْ فاعِلُنْ فَعولْ
ما الخَبَرْ
فاعِلُنْ
أَنْتَ تَبْكي فَهَلْ بَعيدْ
فاعِلُنْ فاعِلُنْ فَعولْ
ذا السَّفَرْ
فاعِلُنْ
فَيُجيبُها الصَّوْتُ الخَفيْ
فَعِلُنْ فَعولُنْ فاعِلُنْ
بَعيدْ، بَعيدْ”(16)
فَعولْ فَعولْ
فالوزن قديم وليس حديثًا، بل يمكن القول إِنَّهُ تراثيٌّ باعتبار الأنشودة الشَّعبيَّة (عَدِّدوا القِهيوَهْ- حَوَّلوا النَّشاما، وما أورده الحِمْيَري)، بل ونجد ما يسوِّغه، ويمكن استنتاج ذٰلِكَ من كلام حازم القرطاجنيِّ عن التَّراكيب الـمتناسبة ” وقد يكون الجزء مضادًّا للآخر من وجه، مضارعًا له من وجه آخر، مثل فاعِلُنْ وَفَعولُنْ، فإنَّهما وإن تضادَّا من جهة الوضع بأن قُدِّم في أحدهما ما أُخِّر في الآخر، فقد ضارع أحدهما صاحبه من جهة أَنَّ صدره مماثل لعجزه”(17) ، يقصد أنَّ وتد فَعولُنْ يلي وتد فاعِلُنْ، وَهٰذا جواز لتركيب وزن من التَّفعيلتين. ونجد الوزن في القرآن الكريم:
[إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ*إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرْ](18).فَعْلُنْ فَعْلُنْ فَعْلُنْ فاعِلُ/فَعولُ فَعولُ فَعولُنْ/ فاعِلُنْ فَعِلَتُ فَعْلاتُنْ.
لو قرأت الآيات وصلًا أو وقفًا لن يختلف الأمر، فالسُّورة جمعت فاعِلُنْ و فَعولُنْ.
تفعيلة فاعِلُ ومبتدعها ابن الفرخان (ق6ه)
يرجع استعمال تفعيلة فاعِلُ في الشِّعر العربي إلى ابن الفرخان (ق 6 ه/ ت 548ه) الَّذي كان يحاول استنباط أوزان، وظهرت له التَّفعيلة فأصَّلها، وفي ذٰلِكَ يقول: “ومن تلك الأجناس الجنس الـمتألِّف من فاعِلُ.. ولينوَّع ثلاثة أنواع هي الـمُثمَّن منه والـمُسدَّس والـمُربَّع، تكون العَروض فيها كلُّها صحيحة والضَّربُ بإسكان اللَّام في آخره. وعلى الـمُثمَّن قلت (التَّقطيع منَّا/م. م):
لَيْتَ حَبيبِيَ ساعَةَ أَعْرَضَ.. أَجْمَلَ هَجْرِيَ وَهْوَ جَميلُ
فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ.. فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ
وأيضًا على الـمُسدَّس:
أَبْقِ عَلَـيَّ حَبيبِـيَ.. لَيْسَ لِجَوْرِكَ دافِعْ
فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ.. فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ
جُرْتَ عَلَـيَّ فَطَرْفِيَ.. حَيْثُ ذَكَرْتُكَ دامِعْ
فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ.. فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ
ذاكَ وَقَلْبِـيَ عِنْدَ طُـروقِ خَيالِكَ طامِعْ
فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ.. فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ
وأيضًا على الـمُربَّع:
قُلْتُ لِيوسُفَ ساعَةَ يُؤْسَفْ
فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ
مالَكَ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يوسُفْ
فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ
قالَ وَقَفْتُ وَمِثْلُكَ يوقِفْ
فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ
حَيْثُ وَصَفْتَ وَلَمْ يَكُ يوصَفْ
فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ
فَهٰذِهِ ثلاثة أوزان هي من الطَّبقة السُّفلى في أوائلها. وزِحافه يكون بإسكان اللَّام الـمُتحرِّكة في آخر فاعِلُ فيصير مثاله:
جُرْتَ عَلَيَّ فَطَرْفِيْ.. حَيْثُ ذَكَرْتُكَ دامِعْ
فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ.. فاعِلُ فاعِلُ فاعِلْ
بإسكان الياء من طَرْفِيْ.. والخرم فيه يستحيل”(19)
******
المصادر:
(1) حازم القرطاجنِّي- منهاج البلغاء: 248.
(2) ب سليمان جبران- الإيقاع في شعر درويش: 88.
(3) راشد الحبسي- الدِّيوان: 26. البيتان من قصيدة له.
(4) ب سليمان جبران- الإيقاع في شعر درويش: 90.
(5) د. عبد العزيز نبوي: موسوعة موسيقى الشعر عبر العصور والفنون/ موقع دنيا الوطن بتاريخ 22/1/ 2006:
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2006/01/22/35494.html
كَذٰلِكَ فقد سبق وتحدَّث عن الوزن في مقدِّمة موسوعة موسيقى الشِّعر: 1/ 23، وفي: 2/ 897 أفرد بابًا خاصًّا للوزن (فاعِلُنْ فَعولُنْ) مع شواهد بعضها أعاد ذكره في مقالته، وفي فهرس الشِّعْر والموشَّحات والأزجال: 2/1439قال عن الوزن (وزن 103) دون أَيِّ إشارة إلى اسم الـمُتَدارِب، مِمَّا يؤكِّد أَنَّهُ ذكر الاسم في مقاله بعد صدور الموسوعة بعام.
(6) أحمد شوقي- الموسوعة الشَّوقيَّة: 2/298.
(7) نزار حنَّا الدِّيراني- أوزان الشِّعْر والحلقات الـمفقودة: 89- 90، (طبعة دار الكتب والوثائق ببغداد/ 2000/ وأعيد طبعه سنة 2016 في دار أمل الجديدة. دمشق)، لٰكِنَّ الكاتب اقتبس من نفس الـمقالة في موقع دنيا الوطن، وأثبت رابط الـمقالة في كتابه.
(8) في ديوان الموشَّحات الأندلسيَّة: 30. بدأ الموشَّح (يا مَنْ صادَ صَيْدَا)، ولا يستقيم لِأَنَّ ما تلا جاء على فاعِلُنْ فَعولُنْ، في العاطل الحالي والمرخص الغالي: 11، (مَنْ يَصيدْ صَيْدَا)، وهو الصَّحيح، سوى خطأ المحقِّق بتسكين دال يَصيدُ، وحقُّها الرَّفع لا التَّسكين. وذكر نبوي نفس الاقتباس في موسوعة موسيقى الشعر: 2/198، وعنه نقلنا التَّرتيب.
(9) نشوان الحميري- الحور العين: 122. فاعِلُنْ المقطوعة عنده فَعْلُنْ وليس فاعِلْ، قال: “فاعِلُنْ، يدخل عليه فَعِلُنْ، وهو المخبون؛ وَفَعْلُنْ ساكنة العين وهو المقطوع، وَفاعِلانْ، وهو المذال”. ص: 105.
(10) م. س: 123.
(11) م. س: 103.
(12) م. س: 106.
(13) محمَّد كامل الخُلَعي- كتاب الـموسيقى الشَّرقي: 230. لاحظ قوله (الأصل) مِمَّا يعني معرفة القوم بالتَّركيب (فاعِلُنْ فَعولُنْ).
(14) م. س: 245. وانظر: محمود مرعي- العَروض الزَّاخر: 2/ 98 وما بعدها.
(15) مجلَّة أبوللُّو ع3- نوفمبر 1932: 256. نسب الدُّكتور عبد العزيز نبوي الأنشودة لمحمَّد الهراوي، انظر: موسوعة موسيقى الشعر: 2/ 899. وهي ليست للهراوي.
(16) نقولا فيَّاض- رفيف الأقحوان: 53.
(17) منهاج البلغاء: 248.
(18) قرآن كريم: سورة الكوثر. ولاحظ أَنَّ (ال/كَوْثَرَ= فاعِلُ).
(19) د. عبد الرَّؤوف بابكر السَّيِّد: العَروض الـمُقارن العربي والفارسي، الإبداع في العَروض: 2/332- 333، وهي دراسة نقديَّة تحليليَّة في مخطوطة (الإبداع في العَروض) لابن الفرخان.
(المادَّة من كتابنا: في الـمُتَدارَك والتَّفعيلي الـمُعاصر – والرَّدّ على نظم كَأَنَّهُ نثر، الَّذي سيصدر قريبًا)
بقلم: الشَّاعر العَروضي محمود مرعي