داء كرون – الأعراض والأسباب وعلاجه
تاريخ النشر: 03/04/19 | 10:46مرض كرون (Crohn’s disease) عبارة عن التهاب مُزمن يصيب الجهاز الهضمي عامّةً، من الفم وحتّى الفتحة الشرجيّة. هذا الالتهاب الحاد والمزمن الذي يتفشى في جميع طبقات الجدار المعويّ، غير متتابع، وإنما يتميّز بوجود مناطق غير مُصابة، سليمة وطبيعيّة، قد تتبدّل بأخرى مصابة.
سبب نشوء داء كرون غير معروف، حتى الآن. وعلى ما يبدو، هنالك خليط من الأسباب التي تتضافر، معا، لدى الإنسان المصاب – عوامل وراثيّة (طفرة جينيّة في البروتين NOD – 2 في الكروموسوم 16)، عوامل بيئيّة (تدخين، تلوثات عند الولادة) وجراثيم معويّة. وثمة عامل خارجي معيّن يسبب إخلال التوازن في الجهاز الهضمي، يتبعه الالتهاب المزمن. وذروة ظهور مرض كرون تكون، عادة، في العقد الثالث من العمر.
انماط مرض كرون:-
يتميّز مرض كرون بأربع صور (أنماط) مختلفة الطابع ومختلفة الأشكال السريريّة (Clinical forms).
1. الصورة الالتهابية: تظهر على شكل أوجاع في الجانب السفلي الأيمن من البطن، مصحوبة بإسهال، حُمّى وانخفاض في الوزن.
2. الصورة الانسدادية: تتميز بالأوجاع وانتفاخ البطن بعد الأكل، الإمساك، الغثيان، القيء وانخفاض الوزن.
3. صورة الإنثِقاب المغطّى (المخفيّ): تظهر بأعراض مشابهه لتلك التي تميز التهاب الزائدة الدوديّة (Appendicitis) أو التهاب الرتج (Diverticulitis)، ولدى نشوء ناسور (Fistula)
4. اتصال بين عروة معويّة (Intestinal loop) مع عضو آخر (كيس البول أو المسالك الجنسيّة) أو مع الجلد – فعندها يشكو المريض من الإفراز من الفتحة إلى الجلد، إلى المسالك البوليّة أو المسالك الجنسيّة، وقد تظهر أيضًا علامات تلويث. ويشير الفحص المخبري في مثل هذه الحالة إلى التهاب مزمن – تثقّل (ترسّب) الكريات الحمر بسرعة فائقة (في فحص تثقل الكريات الحمر – esrerythrocyte sedimentation rate)، فقر دم أو نقص في البروتينات.
وقد يشمل داء كرون، أيضا، أعضاء من خارج الأمعاء مثل:
• الجلد
• المفاصل
• العينين
• حصى الكلى
• حصى المرارة
• اضطرابات شتى في الكبد
عندئذ يزداد، كثيرا، خطر الإصابة بسرطان الأمعاء الغليظة (سرطان القولون – Colon Cancer)، أو سرطان الأمعاء الدّقيقة.
أعراض مرض كرون:-
الأعراض التي تصاحب داء كرون قد تتراوح ما بين المعتدلة والحادّة جدًا. وقد تظهر هذه الأعراض بصورة تدريجية بشكل مفاجئ، دون سابق إنذار.
فيما يلي بعض الأعراض التي تميّز داء كرون:
• الإسهال: الالتهاب الناجم عن داء كرون يحفز الخلايا الموجودة في المناطق المصابة في جدران الأمعاء على إفراز كميّة كبيرة جدًّا من المياه والأملاح. وبما إنه ليس باستطاعة الأمعاء امتصاص فائض السوائل المتراكمة هذه بشكل كامل، يحدث الإسهال. كما تساهم التشنّجات المعويّة الحادّة، هي أيضًا، في إنتاج براز ليّن جدًّا. وفي الحالات الأقل حدة، قد يكون البراز أكثر ليونة من المعتاد وبوتيرة أعلى من المعتاد. ولكن الاشخاص الذين يعانون من داء كرون بشكل حاد قد يعانون من ضرورة التغوط نحو 12 مرة يوميا، إلى درجة تأثير ذلك سلبيا على جودة النوم وعلى الفعاليات اليوميّة.
• أوجاع بطن وتشنّجات: الالتهاب والجروح التي تنتج قد تتسبب بانتفاخ الجدار المعوي إلى درجة تكوّن النّدوب في مواضع وجودها. وقد يؤثر هذا سلبيا على حركة محتويات الأمعاء، مما قد يسبب الآلام والتشنُّجات.
• شعور غير مريح: يسبب داء كرون، في درجته المتوسطة، بشكل عام، شعورا غير مريح، يتراوح بين الخفيف والمعتدل. وكلّما كانت الحالة أكثر حدة، كانت الأوجاع أكثر شدة وقد تكون مصحوبة، أيضا، بالغثيان والقيء.
• دم في البراز: الغذاء الذي يتحرك عبر الأمعاء قد يتسبب بنزف الدم من المناطق الملتهبة، أو قد يتسبب بنزف الأمعاء ذاتها. وفي مثل هذه الحالة، قد تظهر علامات الدم باللون الأحمر الفاتح على أطراف حوض المرحاض، أو باللون الأحمر القاني مع البراز. ولكن، قد يكون الدم،أيضًا، خفيّا غير مرئي.
• قرحات: يبدأ مرض كرون بصورة جروح صغيرة ومتفرّقة على سطح جدران الأمعاء. وفي نهاية الأمر، تتحول هذه الجروح إلى قرحات كبيرة تتغلغل عميقا، وفي بعض الاحيان تنفذ من جدران الأمعاء. وقد تظهر أيضًا قروح في الفم تشبه في صورتها الفطريّات الفمويّة (Oral Candidiasis).
• فَقد شهيّة وفقدان وزن: أوجاع البطن، التشنّجات والالتهاب في جدار الأمعاء قد تؤثّر على وضع الشهيّة وعلى قدرة الهضم وامتصاص الغذاء.
• نواسير وخُراج: الالتهاب المترتب عن داء كرون قد ينتقل عبر جدار الأمعاء إلى داخل أعضاء داخليّة أخرى، مثل المثانة أو عنق الرحم، فتصل (تربط) فيما بينها، وهذا الاتصال يسمّى ناسور (Fistula). هذا الأمر قد يؤدّي أيضًا إلى تكوين خُراج (Abscess)، وهو جرح منتفخ مليء بالقيح (Pus). ويمكن أن ينفذ الناسور، أيضًا، عبر الجلد. تنتشر هذه النواسير بشكل خاص في منطقة الفتحة الشرجيّة وعندها يُسَمّى ناسور العِجان (Perineum Fistula).
أسباب وعوامل خطر مرض كرون:-
ما من سبب واضح، حتى الآن، لتجدّد الالتهاب في إطار داء كرون، والباحثون ليسوا واثقين من أن الضغط النفسي، أو التغذية، هما المسؤولان الرئيسيان، على الرغم من إن كلا السّببين قد يزيد من حدّة أعراض داء كرون. وعوضًا عن ذلك، يتركز الباحثون، اليوم، في العوامل والمسببات التالية التي قد تؤدي الى داء كرون:
• الجهاز المناعيّ: من المحتمل، جدا، أن فيروس معين أو جرثومة ما هما المسبب لمرض كرون. فعندما يحاول الجهاز المناعيّ (Immune system) التّصدّي لغزو بدائيات النوى (كائنات ميكروسكوبية دقيقة – Prokaryote)، يتمثل رد الفعل في حدوث التهاب في الجهاز الهضمي. قد يكون بدائيّ النواة المُسَبِّب لتطوّر المرض هو mycobacterium avium subspecies paratuberculosis) MAP)، وهو نوع من الجراثيم يتسبب بأمراض معويّة لدى الأبقار، بالأساس.
وقد وجد الباحثون إن جرثومة MAP هذه محمولة في دم أغلبية المصابين بمرض كرون. كما إنّها متواجدة لدى المصابين بالتهاب القولون التقرّحي (ulcerative colitis). وليس هنالك دليل قاطع، حتى الآن، على أن هذه الجرثومة (MAP) هي المسبب لمرض كرون. ويعتقد بعض الباحثين بأن خللا وراثيا معيّنا يستثير ردة فعل شاذة تجاه الجرثومة لدى أشخاص معيّنين.
ويعتقد غالبية الباحثين بأن الأشخاص المصابين بمرض كرون يصابون به نتيجة لرد الفعل الشاذة التي يصدرها جهازهم المناعي لنوع معيّن من الجراثيم الموجودة بشكل دائم في الأمعاء.
• الوراثة: حوالي 20% من المصابين بمرض كرون لديهم آباء، أخوة أو أبناء مصابون بمرض كرون، أيضًا. وقد تبين حصول طفرة (Mutation) في الجين (المورثة – Gene) المسمّى NOD2 / CARD15 لدى غالبية المصابين، وهو العامل المسؤول عن ظهور الأعراض الأولية في جيل مبكّر، إضافةً إلى احتمال كبير لمعاودة ظهور المرض بعد العلاج الجراحي. ويواصل الباحثون بحث التغيرات الوراثية (الطفرات) التي تحصل والتي يحتمل أن تكون المسؤولة عن نشوء مرض كرون.
عوامل الخطر:-
مرض كرون يصيب الرجال والنساء على حدٍّ سواء. عوامل الخطر تشمل:
• السنّ: قد يظهر مرض كرون في مختلف المراحل العمرية، لكن الراجح أن يبدأ ظهور الأعراض الأولية في سن مبكّرة. يتم تشخيص معظم المصابين في المرحلة العمريّة بين 20-30 عاما.
• الأصل الإثنيّ: على الرغم من إن الأشخاص ذوي الأصول البيضاء هم الأكثر احتمالا للإصابة بمرض كرون، إلّا أن داء كرون قد يظهر لدى سائر المجموعات الإثنيّة، أيضًا.
• التاريخ العائلي: خطر الإصابة بمرض كرون يكون أكبر عند الأشخاص الذين لديهم قريب من الدرجة الأولى (والد، شقيق، إبن) مصاب بمرض كرون. الشقيق/ة المصاب بمرض كرون يزيد من احتمالات الإصابة بـ ٣٠ ضعفًا.
• مكان السكن: السكن لفترة طويلة في منطقة مَدَنيّة، أو على مقربة من منطقة صناعيّة، يزيد من احتمالات الإصابة بمرض كرون. وبما أنّ هذا المرض أكثر انتشارا بين سكّان المدن الكبيرة والمناطق الصناعية، فقد يعتبر هذا مؤشّرا على أن العامل البيئيّ هو أحد العوامل المسببة لداء كرون.
• التغذية: الأغذية الغنية بالدهون، أو الأغذية المُصّنّعَة (Processed food)، قد تكون بدورها عاملا مؤثّرا إضافيا. كما إن الأشخاص الذين يقطنون في النصف الشمالي من الكرة الأرضيّة هم أكثر عرضة للإصابة بداء كرون، من قاطني المناطق الأخرى.
• التدخين: المدخنون هم أكثر عرضة للإصابة بمرض كرون، من غير المدخّنين. كما أن العلاجات لدى المرضى المدخنين تكون أقلّ نجاعة، بل قد تؤدى حتى إلى تفاقم مرض كرون.
• الأدوية: بالرغم من أن تأثيراتها لم تُثبَت تماما، بعد، إلا أن الأبحاث تقرّ بوجود علاقة بين تناول دواء إيسوتريتينوين (Isotretinoin) وبين نشوء التهابات الأمعاء التقرّحيّة.
مضاعفات مرض كرون:-
قد يؤدي مرض كرون إلى ظهور مضاعفات تشمل:
• انسداد الأمعاء
• التقرّحات
• النواسير
حين تتكون نواسير داخلية، قد يتخطّى الغذاء أجزاء ضرورية من الأمعاء الغليظة الضرورية والحيوية جدا لامتصاص الطعام. وإحدى النتائج التي يمكن أن تترتب عن ذلك هي سوء التغذية (Malnutrition).
أما النواسير الخارجية، فقد تتسبب بإخراج محتويات الأمعاء إلى سطح الجلد، وفي حالات أخرى قد تلتهب النواسير وتمتلئ بالخُراج. وهذه الحالة تشكّل خطرًا على حياة المصاب إذا لم تتم معالجتها كما ينبغي.
وإضافة إلى ذلك، فإن مرضى كرون هم أكثر عرضة للإصابة بسرطان الأمعاء الغليظة. بالرغم من درجة الخطورة المرتفعة، إلا إن نحو 90% من المصابين بأمراض الأمعاء الالتهابيّة لا يصابون بالسرطان، البتّة. وقد تبين أن الأدوية المُثبّطة للجهاز المناعي، التي يتناولها المرضى، قد تكون لها علاقة بالإصابة بالسرطان.
تشخيص مرض كرون:-
يتم تشخيص مرض كرون بواسطة التصوير بالأشعّة السينيّة (تصوير الأمعاء الدقيقة)، حيث تظهر فيه الأمعاء الدقيقة في نهايتها مضيّقة ومتقرّحة، وفي بعض الأحيان قد يظهر فيها ناسور، أيضا.
ثمة وسيلة تصوير إضافيّة هي التنظير المعويّ (Colonoscopy) واختلاج الأمعاء الانتهائية الدقيقة. ومن خلالها يمكن مشاهدة التقرّحات المُميّزة، عدم تتابع الجروح والإصابة المميزة في الأمعاء الدقيقة الانتهائية.
كما أنّه من الممكن أخذ عيّنات من الأنسجة المصابة للفحص المجهري، بحيث يمكن من خلالها مشاهدة الرُّشاحة (Filtrate) الالتهابية الحادة والمزمنة الذي يشمل الخلايا العملاقة (Giant cell) التي تميز مرض كرون.
علاج مرض كرون:-
من المتبع البدء بالعلاج عندما يكون مرض كرون لا يزال في درجة بين خفيفة وحتّى متوسّطة بمستحضرات ASA – 5 التي يتم تناولها فمويا (عن طريق الفم) بجرعة 4 غرامات يوميًّا. وفي حال استجابة جسم المريض بصورة جيدة، يجب الاستمرار بالمعالجة الصائِنـَة (Maintenance treatment) للحفاظ على الوضع مستتبّا، بالجرعة نفسها. أما في حال فشل هذا العلاج، فينبغي الانتقال، فورا، إلى العلاج بالستيرويدات (Steroids).
العلاج بالستيرويدات
علاج مرض كرون بالستيرويدات ممكن عن طريق الفم، أو عن طريق الوريد، تبعا لخطورة المرض. وعلى ضوء التأثيرات الجانبيّة العديدة للبريدنيزون (Prednisone) والستيرويدات الأخرى، لا تزال الأبحاث متواصلة لتطوير ستيرويد ذي تأثيرات جانبيّة أقل. البودزونايد (Budesonide) هو ستيرويد تخليقيّ (Synthetic). وقد أظهرت ثلاثة أبحاث متعددة المراكز الكبيرة، أن لدوائيّ بودزونايد (9 ملغم لليوم) وبريدنيزون (40 ملغم يوميا، بجرعة متناقصة) فاعلية (نجاعة) متساوية في معالجة مرض كرون، ولكن مع تأثيرات جانبيّة أقل. وحين تفشل الستيرويدات في علاج داء كرون، أو عندما تبدأ مرحلة تّعلّق المريض بها، يتم الانتقال إلى العلاج بأدوية مُعادلة للفاعليّة المناعيّة MP – 6 (بورينتول – Puri – Nethol)، أو آزاثيوبرين (Azathioprine) (إيموران – Imuran). وتصل نسبة الحثّ على هَدْأة المرض (Induction ofremission) إلى نحو 75% خلال 3 أشهر. وعلاوةً على نجاحها في العلاج الأولي، تبقى الأدوية ناجعة أيضا في الحد من جرعة الستيرويد، كما في إغلاق النواسير والمحافظة على هَدْأة المرض.
المضادات الحيوية
كذلك، فقد ثبت تأثير ونجاعة المضادات الحيويّة (Antibiotics) في معالجة مرض كرون، دون أدنى شك. فقد ثبتت نجاعة مترونيدازول – Metronidazole (فلاجيل – Flagyl) في معالجة الإصابات حول الفتحة الشرجيّة، في مرض كرون في الأمعاء الغليظة وفي المحافظة على الهَدأة بعد العملية الجراحيّة. الجرعة المتبعة منه هي 20 ملغم/ كغم، يوميا. هذه الكمية غير محتملة في أوساط عدد غير قليل من المصابين، جرّاء الغثيان والطعم المعدني في الفم، مما يصعّب العلاج بهذا الدواء الناجع. كما ثبتت أيضا نجاعة المضادّات الحيوية من نوع سيبروفلوكساسين (Ciprofloxacin) عندما يكون المرض فعالًا وفي معالجة الجروح حول الفتحة الشرجيّة.
الادوية
معظم التجارب التي تبحث في تأثير وفاعلية الأدوية الجديدة الضابطة للجهاز المناعي تم إجراؤها واختبارها على مرض كرون. هذه التجارب هي تلك التي تم فيها اختبار الأدوية التي تحوي معدِّلات التهاب واقية (I L – 10) أو تلك المضادّة لمعادلات الالتهاب (anti – TNF). وتجتذب مركز الاهتمام في السنوات الأخيرة سلسلة منشورات توثّق النجاح العلاجي الذي حققه الضدّ أحاديّ النسيلة الخـَيْمـَرِيّ (Chimeric monoclonal antibody) المضاد لعامل نَخر الورم (Tumor necrosis factor – TNF). وللمضاد لعامل نخر الورم (TNF) تأثيرات بيولوجية يمكن أن تكون لها أهمية فائقة جدا في معالجة أمراض الأمعاء الالتهابية، مثل إفراز المعدِّلات، تجنيد خلايا الالتهاب، تفعيل جهاز التخثّر ودور في إنتاج الأورام الحبيبِية (Granulomas). التجارب مزدوجة التعمية والخاضعة للمراقبة تدل على نجاعة الضد أحاديّ النسيلة للـ TNF المعطى مرة واحدة وريديًّا (5 ملغم/كغم) او بإعطاء 3 حقن خلال عدة أسابيع. وقد يحقق العلاج هدأة لدى المصابين بمرض كرون من النوع المقاوم للعلاج بالستيرويدات وسد النواسير. كما ظهرت نجاعته في الحفاظ على الهدأة.
اعداد الصيدلاني نور عثامنة
كفرقرع
كل الاحترام وشكرا لك