تهويد فلسطين بقلم الدكتور أحمد أمارة
تاريخ النشر: 05/04/19 | 18:56عرض مقتضب للممارسات الصهيونية المختلفة للسيطرة على الاراضي الفلسطينية منذ القرن ال-19
عدا عن كون المجتمع الفلسطيني مجتمع يرتبط بشكل وثيق بالأرض حيث اعتمد لفترة طويلة على الزراعه، فان الأرض هي جزء لا يتجزأ من المنظومة العربية الفلسطينية الاجتماعية الثقافية والاقتصادية. ومع بداية الهجرة الصهيونية لفلسطين منذ نهاية القرن التاسع عشر وبدء النقاش السياسي حول إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، اصبح للأرض مكانة خاصة في الصراع مع الصهيونية. تجسدت رمزية الأرض والمخاوف الفلسطينية مع طرح مشاريع تقسيم فلسطين ومن ثم بعد فقدان 78% من ارض فلسطين وإقامة دولة اسرائيل عليها. إزدادت أهمية الأرض بعد النكبة وما خلقته من وقع كبير على المجتمع الفلسطيني، حيث أدّى الدمار الاجتماعي شبه الكامل وتجربة الشتات للتوق للأرض ولتمحور الذاكرة الجماعية الفلسطينية حول ألأرض وما يتعلق بها من حيّز اوسع. ومع تسارع العمليات الاسرائيلية من هدم للقرى الفلسطينية ومن مصادرات للأرض ، وإقامة المستعمرات الاسرائيلية عليها ، ومن ثم احتلال باقي فلسطين في 1967، زاد كل ذلك من حدّة الصراع حول الأرض ومن كونها محورا هاما في تحديد علاقة اسرائيل بالفلسطينيين. ووصل أوج ترسيخ أهمية الارض على المستوى السياسي مع يوم الأرض منذ العام 1976 واستمرار احياء تلك الذكرى سنويا. يعود منطق وفعل السيطرة على الارض وتهويدها الى القرن التاسع عشر. وكي ندرك سياق يوم الارض والمشروع الاستعماري المستمر علينا طرح العمق التاريخي والسياسي وان نرجع الى بدايات المشروع الصهيوني في فلسطين والاهم من ذلك كله هو فهمنا لتاريخنا-واقعنا الفلسطيني.
بدأت الحركة الصهيونية بالسيطرة الفعلية على الأرض في فلسطين، أو ما كان يعرف في الفترة العثمانية “بأرض فلسطين”، منذ العام 1878 وتستمر تلك المحاولة حتى يومنا هذا. فقد وضعت الحركة نصب عينيها مهمة السيطرة قدر الامكان على اراض فلسطين، استغلالها، وحيازة ملكيتها باسم الشعب اليهودي عامةً وليس تحت ملكيه خاصه. كان النقاش الصهيوني في البداية حول الاساليب المتاحة امامها للاستلاء على الارض يتمحور حول ثلاث منها وهي السيطرة عن طريق استعمال القوه (مثلما هي الحالة في نماذج استعمارية-استيطانية مختلفة) واما عن طريق استعمال القانون (للمصادرة او انكار حق الملكية)، واما عن طريق شراء الارض بالمال. وحيث كان ينقص الحركة في بداياتها القوة الفعلية العسكرية والقدرة على سن القوانين للمصادرة لذا فقد بقي أمامها في فترة ما قبل الدولة امكانية شراء الأراضي إضافة لمحاولة الحصول على عطاءات أرض من حكومة الانتداب البريطانية. أما بعد 1948 فقد اصبحت الاساليب المتاحة الاساسية هي العنف والقانون بدل الشراء.
“الفلسطينيون باعوا فلسطين”- دعاية صهيونية يجترّها البعض:
كثيرا ما نسمع الادّعاء بان الفلسطينيين باعوا بلدهم اما من افواه الفلسطينيين او عرب آخرون وان ليس للفلسطينيين الا ان يلوموا ذاتهم على ذلك، مُروجين بهذا للمجهود الصهيوني بالدعاية لكسب الشرعية وتفريغ محاولات النضال ضد سياسات التهويد. لكن الحقائق تشير عكس ذلك تماما.
لقد بلغ الكم الإجمالي للأراضي التي يملكها الأفراد والمنظمات اليهودية والصهيونية بحلول العام 1948 نحو 1.7 مليون دونم والتي شكلت 6٪ من مساحة فلسطين البالغة نحو 27 مليون دونم، وهو ما يعادل حوالي 8٪ من المنطقة التي أصبحت فيما بعد إسرائيل. بما معناه بأنه على مدى 60 عام استطاعت الحركة الصهيونية شراء 6% من فلسطين وقد تم بيع قسم كبير من تلك الاراضي من عرب غير فلسطينيين- مثلا بيع الاراضي بين حيفا وبيسان بما يشمل مرج ابن عامر (ما يقارب 230000 دونم) من عائلتي سرسك وطويني اللبنانيتين، أو شراء اراض واملاك من مؤسسات كالكنيسة الاورثوذكسية وغيرها. وللمقارنة المبسطة فان ملكية الاجانب في مصر مثلاً كانت اكثر من 6% قبل مرحلة التأميم هناك.
(تكفي بعض الوثائق التي استخرجتها خلال بحثي من الاراشيف المختلفة في تركيا وبريطانيا وفي الارشيفين الاشرائيلي والصهيوني لتوضح الملكية الفلسطينية وعملية السيطرة الصهيونية على الارض)