السنة السورية (الاكيتو) الفرح وبداية الحياة…
تاريخ النشر: 12/04/19 | 12:07يغيب أقدم تاريخ مسجل في الحضارة الإنسانية وتقبع اسباب عديدة وراء هذا الأمر من احتلال وغزوات متعاقبة دمرت وسرقت تراث البلاد الحضاري..
ماهو الاكيتو او رأس السنة السورية؟
في الالف الخامس والرابع ق. م أجدادنا الكلدانيون الأوائل والسومريون كانوا يحتفلون برأس السنة مرتين:
الأولى :نهاية النهاية (خاص بالعالم السفلي) من تشريتو(تشرين/ أكتوبر) حتى آدارو (آذار /مارس)
الثانية :بداية البداية (خاص بعالم الحياة) من نيسانو (نيسان/أبريل) حتى إلولو(أيلول /سبتمبر) وهو عيد الاعتدال الربيعي واحتفال ببدء وعودة الحياة وبعد فترة صار الاحتفال مرة واحدة بالسنة وهو اكيتو.
اكيتو عند السومرين تعني الحياة وعند الاكاديين الفرح وفي البابلية رأس السنة
يرمز الاكيتو للبداية الحقيقة للحياة ويرتبط بنهاية موسم المطر والبرد وبدء الخصب ونمو الزهر والزرع (خصب الأرض الممتلئة)
مع حلول نيسان من كل عام يحتفل السوريون والعراقيون برأس السنه السورية والمسمي عيد أكيتو حيث تقام المهرجانات الشعبية والفنية والامسيات الغنائية وحفلات الزفاف الجماعي ويتبادلون الهدايا كفرصة لزيادة أواصر العلاقات الاجتماعية وكلمة اكيتو هي كلمة سومرية لا يعرف علي وجه التحديد معناها الا أنه غالب الظن انها تعني بداية أو عتبة ..
واذا علمنا ان الحضارة السومرية التي نشأت في بلاد الرافدين ثم امتدت بعد ذلك الي سوريا هي اقدم الحضارات الانسانية فليس من المستغرب ان يكون عيد اكيتو هو اقدم الاعياد علي مر التاريخ ..
ولان السومريون امتهنوا الزراعة كأول حرفه لذلك تشير الشواهد التاريخية المسجلة الي أن أول عيد للاكيتو بدأ كعيد للحصاد الزراعي ثم تحول مع الوقت الي عيد وطني وتقويما رسميا للسنه …
كان التأريخ عند السومرين معتمدا علي الطبيعة ومن اهمها القمر ويعود الفضل للحضارة السومرية كأول من عرفوا علم الفلك فوضعوا التقويم الشمسي والقمري ومن ثم اكتشفوا مواعيد الفصول الاربعة وكان الاعتقاد السائد لديهم ان حركة القمر السنوية هي حركة دائرية مغلقه تضمن الطبيعة من خلالها الخلود والاستمرار فكان الاعلان عن هذا العيد مع قدوم الاعتدال الربيعي أو الانقلاب حيث تتفتح الازهار وتنمو الزروع والثمار وذلك مع أول ظهور للقمر الجديد في الربيع مع نهاية شهر مارس اذار وبداية شهر ابريل نيسان وهكذا تحمل لنا الاشارات عن ملامح هذا العيد في مدينة أورو حيث كان الاكيتو يقام لاله القمر السومري (نانا).
اما في بابل فقد ارتبط العيد بالاله مردوخ الاله الوطني لبابل ولقبه الخنشا ويعني صاحب الاسماء الخمسين والذي يظهر في تماثيله حاملا العصا والدائرة في اشارة للقدرة علي منح الحياة وانتصاره علي التنين الالهة تيامات والتي تمثل الفوضي الكونية ثم توحيد الالهة ليكون مردوخ رئيسهم فيما يعرف بألواح الخلق البابلية أو اينوما إيليش في أقدم اشارة الي فكرة التوحيد كما كان اطلاق لقب إيلو بعل أي (السيد اﻹله) علي مردوخ مشابها لما أعتمدته الكتب السماوية في إستخدامها لعبارة (الرب اﻹله) …
كان الاحتفال بهذا العيد يستمر لاثنا عشر يوما متواصلة حيث تخصص الايام الاربعة الاولي للشعائر الدينية وتقديم الصلوات والذبائح وقراءة اجزاء من اينوما أيليش أما الايام المتبقية فقد كانت تتضمن مراسم اجتماعية وسياسيه بالاضافة للطقوس الدينية كما كانت تتضمن مثول الملك منحنيا بين يدي مردوخ في حضور الكهنة ومجردا من تاجه وصولجانه حيث يصفعه كبير الكهنة بقوه علي خده ويقدم الملك اعترافه كاملا امام مردوخ مؤكدا حكمه للبلاد والعباد بكل عدل وصلاح ثم يصفعه كبير الكهنة مرة اخري حتي تنهمر دموع الملك وهنا علامة رضا مردوخ ويسمي هذا طقس اهانة الملك ..
وفي خلال هذا الإحتفال كان يقام موكب ضخم يحمل خلاله تمثال الإله مردوخ من معبده( أي ساكيلا ) الى بيت أكيتو وهو مسكن الالهة علي الارض ويقام خارج اسوار المدينة ثم يعاد الى معبده بنفس الطريقة…وكانت المشاركة في الموكب مقتصرة علي المواطنين من اصحاب الامتيازات اما العاديون منهم فكانوا في مقعد المتفرجين يحاولون لمس التمثال والتبرك به وهي الصورة الاولي ولا زالت الشائعة للتبرك بالصالحين والتماثيل والمعابد علي اختلافها.وكان الاحتفال قديما لا يخلو ايضا من بعض المبالغات فقد كان البعض يضربون بعضهم بعضا لاسالة الدماء لتجسيد دماء مردوخ التي تسيل في العالم السفلي وعودته من عالم الاموات …
انتقل عيد اكيتو الي الاشوريين بعد استيلائهم علي بابل القديمة وتدميرها علي يد الملك الاشوري تيكولتي نينورتا الاول حيث نقل تمثال مردوخ الي بلاد آشور وبدأ الاشوريون بعدها الاحتفال بهذا العيد …
ظل التقويم السوري القائم علي عيد أكيتو حتي عهد لويس الرابع عشر والذي منع الاحتفال بالاول من نيسان وجعله مجرما واستبداله بالاول من كانون الثاني كبداية للعام الميلادي ومع ذلك كان الاهالي يقومون بالتنكر وارتداء الاقنعة والازياء الغريبة لاخفاء شخصيتهم في هذا اليوم …
ولا زال العالم يحتفل بعيد الاكيتو حتي يومنا هذا
استاذه ضحى احمد كاتبه سوريه
د.محمد فتحي عبد العال كاتب مصريّ