ومضات انتخابية بقلم سعيد بدران
تاريخ النشر: 15/04/19 | 10:00د.احمد طيبي الناجي الوحيد من ام الطنافس الفوقا
وما ان اسدل الستار على سير العملية الانتخابية وصمتّت مكبرات الصوت المستجديّة، وما ان ظهرت النتائج التي اشارت الى تراجع التمثيل العربي، حتى اخرجت الخناجر من اغمادها، وبدا سيل جارف من الاتهامات والبحث عن شماعة لتحميلها مسؤولية سقوط “اسبارطة”. ولم يكن العثور عن المسبب الا وهو المقاطعون، حيث صبّ الكثير من نشطاء الاحزاب جمّ غضبهم وحملوهم مسؤولية كل تضييق مستقبلي من حكومة نتانياهو ضد الاقلية العربية وكان اعضاء الكنيست العرب كانوا الدرع الواقي، وكان البديل لنتانياهو اي حزب الجنرالات هو الافضل للعرب.
الهجوم على المقاطعين لم يستمر طويلًا حتى استبدل بالهجوم على عضو الكنيست احمد طيبي، وحملوه مسؤولية فك القائمة المشتركة واشاروا اليه بالبنان بانه السبب والمسبب الرئيسي بتراجع قوة التمثيل العربي وليس بسبب اللامبالاة من قبل الجمهور كما علّل ذلك بوسائل الاعلام بُعَيد الانتخابات. ورافق هذا الهجوم مطالبة د.احمد طيبي، بتسليم المفاتيح وتقديم الاستقالة.
هذا الجدل ما زال مستمرًا وقد يستمر لمدة طويلة حتى الازمة القادمة، ولكن اذا تعمقنا بقراءة هذه الانتخابات فسنجد ان الطيبي وهو السياسي المحنك وصاحب التجربة والخبرة في صراع البقاء، هو الرابح الوحيد حيث ضاعف قوة حركته في الكنيست، وبذلك اصبح الناجي الوحيد من ” ام الطنافس الفوقا”.
الطيبي لم يفرض نفسه على احد بل خلق واقعًا سياسيًا جعله لاعبًا اساسيًا لا يمكن تجاهله، رغم ان قوته الانتخابية الحقيقية لم توضع على المحك، ولم يخض اي انتخابات لوحده بتاتًا منذ ان دخل الكنيست قبل حوالي عقدين من الزمن.
لا يوجد ادنى شك بان الطيبي كان مسببًا بتفكك المشتركة، ولكن ليس هو الوحيد، فالمسؤولية تقع على اسلامية د. منصور عباس وعلى الجبهة بنفس الحجم ايضًا وهذا موضوع كبير يتوجب التعرض له بعمق اكبر في وقت آخر، وبودي الآن وضع التطرق لبعض الاسباب التي ادّت لتدني نسبة المشاركين العرب بالانتخابات مما ادى ال اننخفاض التمثيل العربي في الكنيست.
ومن هذه الاسباب:
• تصرفات عضو الكنيست، حنين زعبي،( حزب التجمع الوطني الديموقراطي) وخاصة تلك التي تتعلق بشعائر الدين الاسلامي الحنيف، كان آخرها اتهام منابر وائمة المساجد بتصدير العنف ضد المراة.( في 8.12.2018 في مظاهرة ضد العنف في عرابة انطلقت من المسجد القديم، انهمت منبر المساجد بأنه يساهم في التحريض على المرأة والعنف ضدها ولا يدعو للتسامح). هذا بالاضافة الى دعوتها بضبط خطب صلاة الجمعة في المساجد ووضعها تحت الرقابة، وكذلك وصفتها بالعزبه. وكانت حنين زعبي قد كتبت في احدى منشوراتها على الفيسبوك “.. الى جانب المواقف الرسمية من الحركات السياسية بما فيها الحركة الاسلامية نحن بحاجة لتكثيف الرقابة المجتمعية على خطب الجمعة التي يحسبها البعض مملكتهم الخاصة او عزبة يملكونها ويستطيعون ان يفعلوا بها ما يشاؤون.”.(12 ايار 2015).
• تورط عضو الكنيست السابق، باسل غطاس، بقضية تهريب الهواتف النقالة والتي احرجت المجتمع العربي وتسببت بالتضييق على زيارات الاسرى، والاهم انها كانت السبب الاساسي بخلق ازمة التناوب بين الاحزاب.
• تصويت الجبهة لصالح قانون يدعم حقوق مثليي الجنس في البلاد والذي بادر اليه عضو الكنيست السابق دوف حنين، والذي مرّ باغلبية 37 صوت لصالح مشروع القانون، مقابل 36. والملفت للنظر التغيب المقصود لباقي اعضاء المشتركة من العربية للتغيير ،التجمع والحركة الاسلامية. ولو شاركوا بالتصويت لاسقطوا القانون المنافي للشريعة الإسلامية علمًا ان السواد الاعظم من مؤيدي الجبهة والممتنعين هم من المسلمين ومن بيئات اسلامية محافظة.
• اتخاذ موقف “شاذ” من الصراعات الاقليمية وخاصة القضية السورية، واندلعت نتيجة ذلك صراعات محلية.
• العداء الصارخ لحركة الاخوان المسلمين اينما تواجدت، واقدام البعض على تاييد انظمة رجعية عميلة بشكل غير مباشر، تعمل على ضرب المشروع الاسلامي وخاصة في مصر والامارات وغيرها..
• استنكار واسع لمقتل الاردني ناهض حتر الذي تطاول على الذات الإلهية، وكذلك قيام ايمن عوده بالمشاركة في جنازته في 28.09.2016 ، وبالمقابل صمتوا ازاء الجرائم البشعة وانتهاكات حقوق الانسان في مصر وعمليات الاعدام الجماعية التي يقوم بها نظام السفاح السيسي بحق ابناء شعبه ولم يخرجوا ببيان شجب واستنكار واحد كما عودونا ومن ضمنهم الحركة الإسلامية الجنوبية الكنيستية.
• الجمهور زهق من التمثيليات امام الكاميرات، ولم يعد يعتبر “زهكتك” “ادحل” “سد نيعك”، او رفع الاذان من على منبر الكنيست، بطولات وانجازات ينتظرها من ممثليه.
• اتهام لجنة الوفاق الوطني بالضعف، والتحيز لصالح الجبهة، مما افقد ثقة الجمهور بموضوعيتها ونزاهتها. ( انت ومحمد علي طه محسوبين على الجبهة . انت من جماعة محمد بركة وطه من جماعة ايمن عودة. جزء من بيان الحركة العربية للتغيير الموجه للجنة الوفاق في 14.10.2018). وكان عضو الكنيست احمد طيبي قد دق اخر مسمار بنعش هذه اللجنة عندما اعلن انفصاله عن القائمة المشتركة في 08.01.2019.
• ترسبات وتاثير الصراعات الحمائلية نتيجة انتخابات الحكم المحلي. وقيام البعض باستغلالها لتصويت “المماحكة”، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كما فعل الطيبي بمدينة رهط بضم طلال القريناوي الى قائمته وبالمقابل قيام تحالف الموحدة والتجمع بضم عطا ابو مديغم (من قادة المعسكر المنافس لطلال القريناوي) ومنحه المكان العاشر بقائمتهم، وهذا الامر رغم انه عاد بالفائدة الانتخابية على القائمتين الا انه وسع الشرخ بين اطياف المجتمع الرهطاوي الذي ما زال ينزف نتيجة معركة انتخابات البلدية القاسية..
• والاهم، ازمة التناوب بين الاحزاب والذي ترك انطباعًا لدى الجمهور بان الصراع هو فئوي وشخصي على الكرسي وليس من اجل مصلحة المواطن. ورافق هذا الصراع اتهامات جمّة، تم التركيز خلالها على قضية التمويل الذي يتقاضاه كل حزب مقابل الكرسي.
• الصراع على الزعامة بين عضو الكنيست احمد طيبي صاحب التجربة والحنكة السياسية وبين عضو الكنيست ايمن عودة، حديث العهد في العمل الكنيستي، ومنذ اليوم الاول من تشكيل القائمة المشتركة، اذ ان د.احمد طيبي لم يهضم وجود زميله برئاسة المشتركة الامر الذي ينقص من شعبيته، حسب رؤيته، ومكانته على المستوى المحلي والشرق اوسطي والعالمي كالشخصية القيادية الاولى في اواسط عرب 48.
• ظاهرة، منصور عباس، الذي اطلق على نفسه لقب المجدد، وتسرعه باطلاق الشعارات تصرفات غير مسؤولة، انتجت نفورًا واضحًا من خطابه الذي تميز بالانبطاح تارة وبالتهور تارة اخرى، والاخطاء التي ارتكبها كما حدث في المسجد الأقصى على سبيل المثال..
• الوحدة بين الجبهة والعربية التغيير من جهة وبين الحركة الاسلامية الجنوبية والتجمع من جهة اخرى، حظيّت بمباركة ورضى الكثير على مضض وراوا بها قارب النجاة لاجتياز نسبة الحسم، بينما اصيب قسم لا باس بقوته بالاحباط نتيجة التناقضات الفكرية والترسبات التي تكونت عشية الاتفاق على هذه الوحدة والتي رافقتها اتهامات شديدة اللهجة اتصفت بالتخوين والاتهام بالعمالة، والتي ادت الى احجام هؤلاء عن التصويت وحتى ان الالاف فضلت التصويت لاحزاب صهيونية اي تفضيل وسيلة جلد الذات لمعاقبة الاحزاب العربية على تفكيك القائمة المشتركة. هذا بالاصافة لاتهام الاعضاء العرب بالتقصير وعدم الاهتمام بقضايا المجتمع العربي.
• ركاكة وضحالة خطاب الاحزاب المتكرر وعدم تجديده والذي يفتقر الى آليات اقناع الناخب بالخروج التصويت.
• حالة الاحباط التي المّت بالمجتمع العربي نتيجة سن القوانين العنصرية والتي لم يقدر الاعضاء العرب على منع سنّها رغم كونهم القوة الثالثة في الكنيست.
هذه بعض الاسباب التي ادّت لانخفاض نسبة التصويت، ولكن المرحلة الحالية تتطلب من هذه الاحزاب الجلوس والتفكير مليًّا وعدم الحديث عن الحالة وانما البحث بجدية عن الحلول للخروج من هذه الحالة واعادة ثقة الجمهور بها مجددًا.
• واخيرًا، هجوم نشطاء الاحزاب على المقاطعين وتخوينهم ونعتهم بصفات قبيحة والتقليل من شانهم خلق حالة من الامتعاض لدى شريحة كبيرة من جمهور المترددين وحتى التعاطف مع موقف المقاطعين.
هذا الجمهور الذي يزداد وعيًا يومًا بعد يوم لن يتردد برفع عصا التمرد مرة اخرى وبزخم اكبر اذا لم تصلح الاحزاب ما افسدته تجربة المشتركة.
يكتبها سعيد بدران