أضواء وظلال على الكاتبة المقدسية صابرين فرعون وروايتها ” أثلام ملغومة بالورد “
تاريخ النشر: 18/04/19 | 10:00كان قد صدر للروائية الفلسطينية المقدسية صابرين فرعون في العام 2017 ، عن دار ” فضاءات ” للنشر والتوزيع ، رواية ” أثلام ملغومة بالورد ” ، تقع في 112 صفحة من الحجم المتوسط ، وتتناول التحولات في البنية السوسيولوجية للمجتمع الفلسطيني ، ولقيت ترحيبًا وصدى بين الأوساط الثقافية والادبية في الداخل والخارج بسبب مضامينها وطروحاتها الجريئة الشجاعة ومواقفها الفكرية من ظواهر سلبية مقيتة وبغيضة تسود مجتمعنا الفلسطيني .
صابرين فرعون كاتبة من مواليد القدس ، عاشت وترعرعت بين أحيائها وأزقتها واسوارها ، تحمل شهادة البكالوريوس في الأدب الانجليزي . اقتحمت عالم الكتابة والإبداع في سن مبكرة ، وأخذت تكتب النصوص النثرية التي لفتت الانظار ، وحققت حضورًا في المشهد الادبي والثقافي الفلسطيني تحت حراب الاحتلال .
صدر لها عدد من الأعمال الإبداعية ، النثرية والروائية ، وهي : ” ظلال قلب ، نصوص نثرية ، ومرايا المطر ، نصوص نثرية ، قلقة في حقائب السفر، رواية قصيرة ، جريمة نصف زرقاء ، مجموعة قصصية ، وأثلام ملغومة بالورد ” رواية .
تشكل الكتابة بالنسبة لصابرين فرعون حقيقة الذات ، وانعكاسات لحكايات وتجارب الأخريات من بنات جنسها ، وهي تجمع بين تجربتها الخاصة وتجربة الأخريات ، وتنطق بألسنتهن وأصواتهن . ونصوصها تنتمي لأدب الحقيقة ، تحاكي الواقع بسلبياته وايجابياته ، بنسيج متقن من الخيال المقترن والمتجانس مع حقيقة الواقع ، وتبرع في اختزال سرد الأحداث وإطالة الجمل ، ونستشف في سردها ايحاءات ودلالات عميقة .
وفي مجمل أعمالها تعتمد السرد القصصي ، وتحفل كتاباتها بالصور واللغة الشعرية المكثفة المهيمنة ، وتمتاز بالغموض والرمزية العالية ، وتتمتع بأسلوب سردي قصصي شعري خاص له رونق ونكهة مميزة . فهي تكتب رواياتها وقصصها ونصوصها النثرية بلغة الشعر .
كتبت صابرين فرعون روايتها ” أثلام ملغومة بالورد ” على فترات متباعدة ، ودمجت من خلالها السيرة الغيرية كمكملة للسيرة الذاتية ، ومنحت شخصيات الرواية صوتًا عاليًا بالثورة والتمرد على قضايا العنف والجريمة .
وفي هذه الرواية تطرح قضايا متعددة ومتنوعة تحوم حول المجتمع الفلسطيني ، الذي مزقه الاحتلال ، وشوه كل ما هو جميل فيه ، وحوّل الكثير من أبنائه إلى اناس انفعاليين ممزقين ، ومضطربين ، نفسيًا وأخلاقيًا . وتعرض في سردها للمعاناة المجتمعية والعائلية والانسانية التي تعيشها الفتاة الفلسطينية ، وتتطرق للقوانين التي تفرضها القبيلة وللتقاليد الاجتماعية القبلية الجاهلية ، التي ما تكون عادة ملفعة بعباءة الدين ، وأخرى بفعل الفكر الذكوري السائد ، والتسلط والتوحش غير الانساني اللامحدود ، المسيطر على المجتمع البطريركي الفلسطيني ، هذا التوحش التسلطي الذي تزرعه الأمهات في نفوس وصدور وعقول الأبناء الصبيان دون أي علاقة بالمستوى الاجتماعي والمادي والتعليمي . كذلك تتعرض لجوانب النفاق والرياء ، والعنف المجتمعي بحق المرأة ، والتحايل على القانون بهدف تزويج البنت وهي قاصر في سن الثالثة عشرة . وقد عبرت عن ذلك بشكل واضح وجلي بقولها : ” كم كرهت مجتمعي المنافق ، الذي يطبق عادات وتقاليد زائفة لا جذور لها ، في الديانات السماوية والقانون المدني ، ولا في تطور الحضارات الإنسانية ” .
وتتخذ صابرين فرعون في روايتها موقفًا سلبيًا من الرجال ، ونلمس ذلك في قولها : ” سيسيئ بعضكم فهمي حين أقول : لم يكن للرجل مكان في حياتي ، عايشته وحشًا بشريًا يضرب ويهين ويضرب ويؤذي لفظيًا ويرمي بحمله على المرأة ، فألغيت فكرة أن أضع رأسي في فراش رجل أنفاسه بمواجهة أنفاسي ، يشاركني التفاصيل الحميمة ويفرض سطوته عليّ في ملبسي أو عملي ولا يتيح لي اختيار ما أريده يحدد علاقاتي بأهله وأهلي ويمنعني من القراءة والكتابة والاستقلالية بكينونتي ” .
رواية ” أثلام ملغومة بالورد ” رواية واقعية جريئة ، محملة بهموم المجتمع ، تصب فيها غضبها وصرختها وسخريتها ورموزها ضد القاهر والمضطهِد ، تتصف كاتبتها بأسلوبها الخاص ولغتها الشعرية ، المعتمدة على الرمز ، لغة وايحاءً ، ويهيمن السارد على تفاصيل أحداثها وشخصياتها . وهي قصة حقيقية وشخوصها حقيقيون ، ترسم ملامح نساء يشبهن الورد ، وتقدم الصورة النمطية للمرأة الفلسطينية والعربية المضطهدة من العادات والتقاليد الاجتماعية البالية ، وتصور السجن الاجتماعي الذي تقبع فيه ، وهو أشد ظلمًا وقهرًا واضطهادًا من سجون الاحتلال .
وقد نجحت صابرين فرعون في سبر عمق مجتمعنا والتسلل إلى دواخله ، وتسليط الضوء على أوضاعه واحواله وما يعصف فيه من اختلال في المفاهيم السلوكية ، ومن عنف وتسلط توحشي .
وإن دلت الرواية على شيء فتدل على ثقافة صابرين وفكرها التحرري ، وثورتها العقلية وتمردها على فكر التحجر والتخلف والجاهلية .
فألف تحية لكاتبتنا المقدسية صابرين فرعون التي أثبتت وجودها وحضورها في الفضاء الثقافي والابداعي الفلسطيني ، ونرجو لها المزيد من العطاء الهادف الجميل والتألق والسطوع أكثر .
بقلم : شاكر فريد حسن